آراء

هل ساهمت العولمة في بروز الهوية الثقافية الكُردية ؟

بهجت شيخو

عانى الشعب الكُردي، وخاصةً منذ تجزئته و إلحاقه بأربع دول قسراً ،أبان الحرب العالمية الأولى بموجب اتفاقية سايكس بيكو، الكثير من الاضطهاد ،و خاصة فيما يتعلّق بالهوية الثقافية لهذا الشعب، ناهيك عن الاضطهاد السياسي و الإنساني.

حكمت تلك الدول( تركيا – ايران – العراق – سوريا ) من قبل أنظمة قومية متشدّدة و استبدادية، حيث مارست شتى أنواع الاضطهاد بحقه، و تعرّض للتنكيل الوحشي و القتل الجماعي بشتى أنواع الأسلحة، بما فيها السلاح الكيماوي من قبل النظام العراقي البائد .

و على مدار مئة عام أو أكثر ،حاولت تلك الأنظمة الأربعة طمس الهوية الكُردية و إزالة ثقافته الخاصة، و اتّبعت بحقّه سياسات ( التتريك – التعريب – التفريس )،و بالفعل و إلى حد ما، استطاعت إبعاد هوية الشعب الكُردي عن العالم لمدة طويلة ؛ حتى وصل الأمر معها القيام باختلاس و سرقة الثقافات الكُردية، و أنسبتها لها في الكثير من الأحيان.

و لكن و مع بدايات العام 2000، شاعت مرحلة جديدة في العالم، سُميت بالعولمة وذلك مع توفر التكنولوجيا الرقمية المتطورة جداً؛ و هنا بدأت خرائط الدول المقدّسة تتمزّق رويداً رويداً، و أصبح العالم كلّه بمثابة قرية صغيرة.

لم تعد تستطيع الدول التي حكمت الشعب الكُردي أن تبقى خارج هذا النموذج العالمي الحديث، و انخرطت مجبرةً على التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة، فهاجمتها وسائل التواصل، مثل: التلفزات الفضائية و الانترنيت و الهاتف المحمول (الموبايل) و الحواسيب و غيرها.

وقد استطاع الشعب الكُردي الاستفادة من هذه الظاهرة العابرة للحدود؛ و ذلك بإنشاء محطات تلفزيونية فضائية، و إدارتها بخبرات كُردية بحتة، بعيداً عن تسلط السلطات المضطهدة والتي كانت تمنح الشعب الكُردي بضع ساعات و هذه الساعات كانت تحت مراقبة شديدة من قبل السلطة، و كلنا نتذكّر التلفزيون الكُردي في بغداد، و كيف كانت تفرض على القناة على أن تمجّد الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين ( صدام زيرا ) أي صدام ذهب ،في حين سوريا و تركيا و ايران كانت بالأساس تمنع اللغة الكُردية.

و يعتبر ميلاد《 تلفزيون كُردستان الفضائية عام 1999 من إقليم كُردستان أول إنجاز تاريخي هام، بالنسبة لكلّ أجزاء كُردستان، حيث دخل هذا المنبر الإعلامي، و باللغة الكُردية، لكلّ بيت كُردي، و استطاع الكُردي أن يسمع نشرات الأخبار بلغته الأم، ناهيك عن بقية البرامج المتعلّقة بالتراث الكُردي و تاريخه و فنونه و فلكلوره.

ثم تتالت القنوات الفضائية الأخرى؛ لتبث برامجها باللغة الكُردية؛ حتى وصلنا اليوم الى عشرات المحطات الكُردية ،و كلّها تُعنى بالسياسة و التاريخ و التراث الكُرديين.

و مع زيادة تقدم الابتكارات الحديثة لوسائل الاتصال، و دخول الحاسوب و الهواتف المحمولة حياة الناس، يُلاحظ المئات من المواقع الإلكترونية التي تنشر باللغة الكُردية؛ حتى أصبحت أحرفها الأبجدية من الأبجديات الأساسية على الكيبورد في النيت، وباتت الهوية الكُردية و ثقافتها متوفرة و في متناول عموم الشعب الكُردي صغاراً و كباراً، رغم عدم وجود الجامعات و المدارس التأهيلية في أجزاء كُردستان ( تركيا – ايران – سوريا ) عدا إقليم كُردستان العراق الذي يتمتّع بالاستقلالية التعليمية و الثقافية، حيث يلاحظ في هذا الجزء الكُردستاني و كأحد إيجابيات العولمة وجود مدارس و جامعات أجنبية خاصة، كالجامعة الأمريكية في دهوك و عشرات المدارس التي تدرّس اللغات الإنكليزية و الفرنسية مع اللغة الكُردية.

و في الختام أستطيع القول: رغم وجود تحفظاتٍ على سياسات العولمة، و بأنواعها المختلفة، و هذا ليس مجال النقاش هنا، إلا أنها تفتح المجال لتبادل الثقافات المختلفة للشعوب كما تبادل السلع التجارية و المصارف و الاقتصاد و غيرها.

و الشعب الكُردي يُعتبر أكبر مستفيد في هذه المرحلة ( مرحلة العولمة )؛ كونه تخلّص من تلك القوقعة الاستبدادية للأنظمة الغاصبة لكُردستان، و التي كانت تناهض هويته و وجوده القومي ،و بات يستطيع تطوير ثقافته و نشرها، و بلغته الأم، دون أي عوائق.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “313”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى