هل سنرى إقليماً جديداً شرق سوريا يحكمه الكرد؟
سيروان قجو
أعلن مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) الإسبوع الماضي عن إدارة جديدة في شمال شرق سوريا. الإدارة الجديدة ستعمل كهيئة تنسيق بين المجالس المحلية في المناطق ذات الغالبية العربية التي تحررت من تنظيم داعش والمناطق الكردية في الشمال الشرقي من البلاد.
ستكون هذه المرة الأولى التي تنضم فيها محافظة الرقة وأجزاء كبيرة من محافظة دير الزور إلى مناطق الحكم الذاتي التي يسيطر عليها الكرد.
لقد قام “مسد” بمناقشة هذه الخطوة منذ فترة. خلال مؤتمره الثالث في تموز الماضي، والذي أقيم في بلدة الطبقة (50 كم غرب الرقة)، أحدى المقررات الأساسية كانت مسألة إيجاد جهاز إداري موحد للمناطق المحررة حديثاً في الرقة والمناطق الأخرى بغية تحسين آلية عمل تقديم الخدمات لسكان هذه المناطق.
رغم أن “مسد”، والذي يعتبر الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعمومة أمريكياً، لم تفصح بشكل مباشر عن هذه الخطة، لكن من الواضح أن النية هنا هو دمج هذه المناطق مع المناطق الأخرى في العمق الكردي في الشمال.
مصادر من داخل “مسد” أكدت أن الهدف النهائي هو تشكيل حكومة موسعة وشبه مستقلة تحت اسم “حكومة شمال سوريا”. وقد يحدث ذلك في شهر كانون الثاني 2019.
منذ تحرير الرقة من داعش في تشرين الثاني 2017، تسعى الولايات المتحدة إلى تشكيل إدارة جديدة في شرق سوريا: إدارة فاعلة في تقديم حوكمة رشيدة وخدمات ملائمة للمجتمعات في شرق سوريا في مرحلة ما بعد داعش. لذلك، تقوم الولايات المتحدة بضخ أموال كبيرة عبر عدة برامج تنمية أمريكية تهدف إلى إعادة استقرار المنطقة سياسياً واقتصاديا. الغاية من ذلك هو ببساطة تقديم الرقة والمناطق الأخرى المحررة حديثاً كقصص نجاح.
لكن يبدو أن الخطة الأمريكية للرقة والمناطق الأخرى في شرق الفرات لن تنجح بدون شريك فعال على الأرض يقوم بتنفيذ هذه الاستراتيجية. واشنطن واثقة من أن هذا الشريك هو “قسد” والمجموعات التابعة له دون شك.
الخطة هي أن تسمح الولايات المتحدة لقسد بأن تكون مسؤولة عن إدارة هذه المناطق دون إيجاد حكم كردي مطلق. بمعنى آخر، تريد واشنطن أن يدير الكرد هذه المناطق بسبب فعالتهم المثبتة والتزامهم الواضح، لكن في الوقت عينه سيُسمح للعرب المحليين بإدارة شؤونهم من خلال نظام حكم محلي يكون فيه الكرد أصحاب الكلمة العليا في عملية صنع القرار.
ويُزعم أن الولايات المتحدة قد قدّمت هذا المقترح لروسيا على أمل أن تستخدم موسكو نفوذها لإقناع دمشق بضرورة الابتعاد عن زعزعة الخطط الأمريكية في شرق سوريا. وعلى اعتبار أن كل شيء قادم من الأمريكيين هو موضع شك بالنسبة لها، رفضت روسيا المقترح في البداية. لكنها أدركت أن الخطة الأمريكية في الواقع تصب في مصلحة ما تراه حكومة بوتين لسوريا في مرحلة ما بعد الحرب: مناطق مستقرة اقتصادياً في كافة أرجاء البلاد.
لذا توصلت روسيا إلى قناعة بأن تحقيق المشروع الأمريكي في شرق سوريا سيساعد حليف روسيا بشار الأسد، بطريقة أو بأخرى، حيث أن نظام الأسد لن يكون بحاجة إلى تأمين الاستقرار في هذا الجزء من البلاد – على الأقل في هذا الوقت التي تبدو فيه الأمور غير مستقرة في المناطق الأخرى.
نستطيع القول أن إدارة ترامب لا زالت تفتقد استراتيجية واضحة تجاه سوريا.
نستطيع القول أن إدارة ترامب لا زالت تفتقد استراتيجية واضحة تجاه سوريا، لكنها بكل تأكيد تملك رؤية واضحة المعالم لما سيكون عليه الحال في شرق سوريا في المرحلة المقبلة.
خطوة مجلس سوريا الديمقراطية في إعلان إدارة جديدة في شمال وشرق سوريا قد يكون إيضاً تدبيراً احترازياً من جانبه. إنه بكل تأكيد تدبير سيتم استخدامه في مرحلة ما كورقة مساومة أثناء أي مفاوضات مستقبلية مع دمشق.
معركة إدلب التي تلوح في الأفق ستكون آخر تحدي عسكري أمام نظام الأسد قبل أن يلتفت للكرد. إذا حدث ذلك، يعلم كرد سوريا أنه عليهم أن يكونوا مستعدين لكل الاحتمالات.
لكن هناك نقطة في غاية الأهمية ستبقى في مصلحة كرد سوريا وهي التواجد العسكري الأمريكي، الأمر الذي بات مؤكداً بأنه سيستمر لوقت طويل.
*سيروان قجو زميل في مركز الشرق الأوسط للبحث والتحليل وهو صحفي مقيم في واشنطن.
mideastcenter