آراء

ومر عام آخر… تحديات باقية وأخري قادمة

جان كورد
31. Dezember 2015
بعد أقل من 5 دقائق ينتهي عام 2015 ويبدأ عام 2016 حسب التوقيت في غرب ألمانيا، ولذلك أقول في البداية (كل عام وأنتم بخير) …
خرج الناس بالملايين من بيوتهم إلى الشوارع ليشاهدوا الاستعراضات الكبيرة للشهب التي تنطلق كل ثانية بالملايين فوق سماء ألمانيا، بل والعالم كله، إلا أنني أجلس في عقر داري لأكتب عن شجون وأحزان وآمال قومي الذي صار ألعوبة بأيدي أعدائه من جديد، وإن لاحظتم غياب قلمي لأكثر من أسبوعين عن مواقعكم الجميلة، فذلك لأن الأوضاع الكوردية العامة تنشر لوناً قاتماً حولي، وتثير في فؤادي سؤالا يصعب عليّ الإجابة عنه حقا، ألا وهو: “هل ينفع الكلام بعد كل هذا التصحروالتحجر في الشريحة السياسية الكوردية؟” ولذا انقطعت لأكثر من أسبوعين عن كتابة المقالات السياسية، وقد ازداد المشهد من حولي قتامة بإصابة ولدي “حمجانو” إصابة بليغة في حادث سيارة مؤسف في اسبانيا قبل أيام قلائل… فلا تؤاخذوني…
كان عام 2015 يعج بالتحديات والمصاعب والمشاكل، ليس بالنسبة لحركتنا السياسية الوطنية فحسب، وإنما لكل شعبنا الكوردي، بل وللشعب السوري عامة، ولكل أمتنا الكوردية أيضا، ومن عدم الإنصاف اتهام الحركة بأنها كانت عاجزة عن تحقيق شيء في عام 2015، نظرا للظروف المعقدة جداً التي تحيط بالمشهدين السوري والكوردستاني معاً، إلا أن هناك القليل من الواجبات والوظائف التي كان على حركتنا، المتبجحة أبداً بطاقاتها وقواها وعراقة قياداتها “الحكيمة!” في خدمة الشعب والوطن، أن تقوم بها، إلا أننا لا نرى على أرض الواقع أي آثار لإنجازات أو أعمال يمكن أن تفتخر بها الحركة، وهنا استثني -بصراحة- تلك المنظمات والأحزاب التي لاتزال تخدم نظام الأسد وتدور في فلك طهران، لأنها في نظري لا تحمل أي مشروع قومي كوردي، ولا تعتبر من قبل المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية جزءا من المشروع الوطني، وإنما جزءا من النظام، وللمعارضة دلائل واثباتات وقرائن دالة على صحة ما تطرحه، وتتفق معها في ذلك فصائل هامة من الحركة السياسية الكوردية أيضا.
وحيث أن التحديات التي جابهتها حركتنا السياسية في عام 2015 لاتزال باقية، وازدادت الآن كلما اقتربنا من بداية العام الجديد، فإننا سننظر إلى ما أمامنا ونحاول الاقتراب منها لفهمها ولإيجاد الوسيلة من أجل تجاوزها، رغم كل الظروف والعقبات على طريق شعبنا:
– التحدي الأول والأكبر هو ظهور مشكلة الهجرة المليونية للكورد السوريين، مما يعرض الجغرافيا الكوردية لتغيير ديموغرافي قادم، قد تلعب فيه المصلحة القومية التركية دوراً أساسيا، إذ أن تركيا تحاول، بل تقول بصراحة، أنها عازمة على انشاء منطقة آمنة، بين جرابلس واعزاز، أي على شكل قوس يمتد من شرق مدينة حلب إلى غربها من جهة الشمال، بحيث لا يتمكن الكورد السوريون بسبب انشاء تلك المنطقة الآمنة من ربط مناطقهم (الجزيرة، كوباني، جبل الأكراد) ببعضها، كما أن تركيا تعتبر المنطقة شمال مدينة اللاذقية منطقة تركمانية على الرغم من أن هناك أيضا جبال الأكراد وعدد سكانها وقراها أكبر من عدد سكان وقرى جبل التركمان بالتأكيد.
– التحدي الثاني هو لجوء مئات الألوف من فتيان وفتيات الكورد السوريين إلى الدول الأوروبية، وبذلك تُحرَم المنطقة الكوردية في شمال سوريا من عنصر الإنتاج والأيدي العاملة والمقاتلين للدفاع عن أرض الكورد ومزارعهم وثرواتهم وممتلكاتهم وأعراضهم، وهذا ما سيكون له تأثير سلبي خطير في الوجود القومي الكوردي في سوريا، وبالتالي في الحركة السياسية لشعبنا الذي يحتاج إلى شبابه باستمرار.
– التحدي الثالث يكمن في أنه رغم الظروف السيئة للغاية لمجمل الوضع السوري عامة والكوردي السوري خاصة، فإن أحزابنا العديدة لم تتمكن حتى الآن من تحقيق وحدتها البنيوية والسياسية الضرورية أثناء الأزمات الوطنية، والفشل في هذا المجال ينعكس نفسياً على جماهير الشعب الذي يفقد يوماً بعد يوم ثقته في التنظيمات السياسية. ومن المفروض أن تحظى بهذه الثقة على الأقل حتى تتمكن من قيادة الجماهير صوب الأهداف المحددة لها.
– التحدي الرابع هو الانشقاق الكبير في الحراك الكوردي السوري بين محوري (روسيا وإيران والأسد) و (حلف النيتو وبعض الدول العربية وتركيا)، وبقدر ما تشدد حدة المعارك السياسية والاقتصادية والحرب الإعلامية بين المحورين يزداد الشرخ الكوردي عمقاً.
– التحدي الخامس هو (التعريب الطوعي) للكورد السوري، بعد عقودٍ زمنية عديدة من (التعريب القسري)، وهنا تتحمل الحركة الوطنية الكوردية مسؤوليةً لا تقل أهمية عن مسؤولية الدفاع عن الأرض والممتلكات، فاللغة مفتاح سجن الشعوب، وبدونها تذبل العاطفة القومية ويضعف حماس الانتماء القومي والثقافي، وخطورة هذا التعريب الطوعي أكبر من خطورة المخدرات التي تنتشر في المنطقة وتخرّب الكثير مما تبنيه شعوبها.
– التحدي السادس يكمن في إمكانية ذوبان الشباب الكوردي في المجتمعات التي يلجأ إليها، اجتماعيا وثقافيا ولغويا، ومع الأيام يفقد كل ارتباطاته مع الوطن الأم، وهنا الكارثة التي ليست للحركة أي برنامج عمل لتفاديها أو منعها من الحدوث.
– التحدي السابع هو أن الحركة السياسية الكوردية لم تستطع حتى الآن انتزاع اعتراف حقيقي يمكن الثقة به بصدد الوجود القومي للشعب الكوردي وحقوقه القومية – الثقافية، لا من المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية ولا من المجتمع الدولي، وهذا من صلب عمل الحركة السياسية التي تبدو أضعف مما كنا نأمل منها، سياسياً ودبلوماسياً ومن حيث القدرة على بناء الجسور المتينة بينها وبين فصائل المعارضة السورية، و لا ينفع الاكتفاء بصب الاتهامات واختلاق الذرائع لتبرئة الذات، ومنها اشتداد النزعة العنصرية ضد شعبنا، وإنما الاعتراف بالفشل في هذه المهمة والسعي للخروج من حلقة الضعف والتضامن في العمل من أجل فتح كوة في الجدار الصلب أمامها.
ومن خلال مراجعة هذه التحديات والتفكير في سبل تجاوزها يمكن لنا وضع الحركة على المسار الصحيح لها، وتجاوز تحديات أخرى، منها المشاكل الناجمة عن هذه الأوضاع السائدة، مثل إعادة الإعمار وتأمين مستلزمات الحياة والغذاء والأدوية وما تطلبه العائلة الكوردية إجمالا ليزداد ارتباطها بأرض آبائها وأجدادها، وكذلك مشاكل عدم احترام حقوق الإنسان، ومنها حقوق الطفل والمرأة خاصة، والحريات السياسية والإعلامية كضرورات لابد منها للحفاظ على مجتمعنا ووجودنا.
وآمل أن نتعمق في هذا المجال في مقالات أخرى إن شاء الله.
مع فائق الاحترام والتقدير
كل عام وأنتم بخير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى