آراء

• ومن جديد المظلومية الكُردية • كُردستان العراق قسم ج 2 / 3

إعداد: ليلى قمر و وليد حاج عبدالقادر

مثلما رأينا في الأقسام السابقة ، فقد كانت غالبية المؤشّرات تؤكّد ووفق متواليات الأحداث بأنّ عبدالكريم قاسم لن يوافق على مطالب القائد مصطفى البارزاني بمنح الكُرد حكماً ذاتياً في مناطقهم ،ومن ضمنها كركوك ، وبناءً على ذلك أخذ الحزب الديمقراطي الكُردستاني يستعدّ لأسوأ السيناريوهات ، وكذلك عبد الكريم قاسم، حيث لجأ الى خطةٍ جهنمية حيث حرّض قبائل برادوست وزيبارا العدوتين للقائد البارزاني وذلك لزعزعة مكانته ودوره، فدعمهما، وليندلع نتيجةً لذلك نزاعاً مسلحاً بين تلك المجموعات في عام 1960 وامتدّ حتى شباط عام 1961 ، حيث انتصر فيها القائد البارزاني ، وعزّز بذلك موقعه كزعيمٍ بلا منازع للكُرد. وأمر القائد قواته بطرد جميع موظفي الحكومة من كٌردستان .

وطبيعي ألّا تتقبّل بغداد ذلك ، فأخذ قاسم يتحضّر لهجومٍ عسكري على كُردستان لإعادة السيطرة عليها ، وفي يونيو 1961 أصدر الحزب الديمقراطي الكُردستاني إنذاراً نهائياً إلى قاسم ذيّلها بمظالم الكُرد ومطاليبهم ودعاه بتلبيتها، لكنّ قاسم تجاهل ذلك ، واستمرّ في استعداداته للحرب . وفي العاشر من أيلول ، وعلى إثر تعرّض مجموعة من الجيش العراقي لكمينٍ نصبته مجموعة من المقاتلين الكُرد ، كانت كافية لإشعال فتيل المعارك إيذاناً بإندلاع الثورة الكُردية، فأمر قاسم بانطلاق الهجوم، حيث نفّذ سلاح الجو العراقي طلعات جوية قصفت القرى الكُردية عشوائياً ، الأمر الذي دفع بالجماهير الكُردية للالتفاف حول ثورتهم وقائدهم في مواجهة قاسم وحكومته ، ونظراً لفقدان قاسم الثقة بجيشه، فقد تعمّد عدم مدّه بتسليحٍ مناسبٍ ، وهناك مَن قال بأنه تعمّد ممارسة سياسة تقنين الذخيرة ، ولهذا ولجملةٍ من الأسباب الأخرى فشل عبدالكريم قاسم في إجهاض الثورة ، وهذا الفشل عدّ من أهم أسباب الانقلاب البعثي عليه في شباط 1963 . وفي تشرين الثاني من نفس العام ، وبعد قتالٍ عنيف بين أجنحة البعث المدنية والعسكرية ،نتاج انقلابٍ نفّذه عبد السلام عارف وذلك بعد هجوم فاشل آخر على الكُرد ، أعلن عارف وقفاً لإطلاق النار في شباط 1964 ، الأمر الذي أدّى إلى انشقاقٍ داخل قيادة الثورة الكُردية ، بين جناحٍ من المكتب السياسي من جهة وقوات البشمركة بقيادة بارزاني من جهة أخرى . حيث وافق القائد البارزاني على وقف إطلاق النار.

وتوفّي عبدالسلام باكراً وخلّفه شقيقه عبد الرحمن عارف ، وليسيّر هو بدوره حملةً أخيرة على البيشمركة في مايو 1966 وفشلت كما سابقاتها ، حيث دحر البشمركة قوات النظام في معركة جبل هندرين بالقرب من رواندوز ، وقد قيل بأنّ الكُرد قتلوا فيها فيلقاً عراقياً كاملاً ، وقد تألّفت القوات العراقية من الفرقة الرابعة الجبلية وقوات الجحوش «جتا» الزيباريين والبريفكانيين تحت قيادة كلٍّ من يونس عطار باشي وخليل جاسم الدباغ وعبد الجبار شنشل وسعيد حمو وإبراهيم فيصل الانصاري والزعيم عبد الرزاق السيد محمود متصرف السليمانية وآخرين بالإضافة إلى الفرقة الثانية المرابطة بكركوك ولواء اليرموك السوري بقيادة فهد الشاعر ، تألّفت القوات الكُردية من قوات البيشمركة بقيادة الملا مصطفى البارزاني وحسو ميرخان وقوات جيش الأنصار بقيادة توما توماس وآخرين بالإضافة إلئ العديد من الضباط الشيوعيين الذين فرّوا من الجيش العراقي بعد حركة 8 شباط 1963 وحركة فايدة 1963 .

بدأت الحملة بهجوم الجيش العراقي بمختلف الأسلحة على مواقع قوات البيشمركة وكانت هناك حملات أخرى مقترنة بهذه الحملة لإفساح المجال للهجوم الشامل، مثل الحملة العسكرية العراقية على جبل مقلوب والحملة العسكرية العراقية على ألقوش فيما بعد ، وفي صباح يوم 9 نوفمبر تقدّمت قطعات الجيش العراقي والجحوش الزيباريين و لواء اليرموك السوري علئ محور بيدة – أتروش ومحور الوكا – سينا – بيرموس وأخيراً محور فايدة – عين سفني. وقام لواء اليرموك السوري بالعسكرة فوق جبل دهوك بينما تقدّمت قوات الجحوش بقيادة خليل الدباغ من فايدة حتى عين سفني للسيطرة على المنطقة والجبال المشرفة عليها من القوش – باعذرة – عين سفني. أما القطعات الأخرى من الجيش العراقي فقد تقدّمت من دهوك باتجاه قرية بيدة ثم إلى أتروش. ولم يتصدَّ البيشمركة المزوريين للجيش وانسحبوا أمامه دون مقاومة، مما أدّى لسيطرة الجيش على أتروش لوجود اتفاقٍ مسبق بينهم وبين القوات العراقية .

استمرّت الحملة حتى شباط عام 1964. وبالرغم من النجاحات الأولية إلا أنها لم تحقّق أهدافها كاملةً، وتوقّفت بعد معركة جبل متين حين استعاد البيشمركة الجبل بعد 45 يوماً من القتال مع القوات الحكومية.

ونظراً للخسائر الجسيمة في صفوف الجيش العراقي وانهيار معنوياته، وأمام وعود قادة النظام العراقي المتكرّرة بالقضاء على – التمرد – قريباً، وأصدرت حكومة البعث بعد انقلاب شباط بياناً بتاريخ 9/6/1963 طالبت فيه البارزاني وبقية الثوار بالاستسلام وإلقاء السلاح ، ويوعز للسفير المصري في العراق الذي كان قد قابل وزير الخارجية في ذات اليوم: إنّ الوزير قد أكّد له بأنّ العراق ستنهي التمرد الكُردي وتقضي عليه في غضون شهرين مقبلين قبل قدوم فصل الشتاء، الذي سيعرقل عمليات الجيش ، وبالرغم من زجّ الحكومة العراقية بكلّ قطعاتها في المعركة، ولكنها جوبهت بمقاومةٍ كُردية شديدة.

ومع قدوم فصل الصيف أدرك النظام بأنه بات في مأزقٍ سياسي وعسكري كبير ، وللخروج منها يصل حدّ الورطة ولكي تستطيع الحكومة الخروج من المأزق ، تمّ عقد مؤتمر في وزارة الدفاع برئاسة رئيس الوزراء احمد حسن البكر وحضره كلّ من صالح مهدي عماش وزير الدفاع وطاهر يحيى رئيس أركان الجيش ومعاوناه وصبحي عبد الحميد مدير الحركات العسكرية وقتئذ ، وتمّ مناقشة إمكانية الحصول على قوات إضافية لمواجهة الموقف، سيما وأنّ الجيش العراقي قد استنفذ كامل احتياطيه في المعركة ، فاقترح صالح عماش طلب معونة عسكرية من سوريا، خاصةً وأن السوريين وعدوه بتلبية الطلب فيما لو طلبوا ذلك ، وبالفعل وافقوا على ذلك، وأرسلت وفداً مؤلفاً من وزير الدفاع صبحي عبد الحميد و حردان التكريتي قائد القوات الجوية، وليتمّ في دمشق الإعلان عن الوحدة العسكرية بين سوريا والعراق كخطوة تمهيدية للوحدة الدستورية ، وكلّ ذلك لإيجاد مبرّر لدخول القوات السورية إلى العراق، وبالفعل اتجهت القوات السورية بقيادة العقيد فهد الشاعر عضو قيادة مجلس الثورة في سوريا إلى العراق، وانخرطت في العمليات العسكرية في كُردستان العراق، واتخذ من الموصل و زاخو مقراً لقوة لوائه ، بالإضافة إلى كتيبةٍ مصفحة استقرّت قيادتها في معسكر الحبانية.

وهنا يستوجب التذكير بأنّ وفدا حكومياً عراقياً سافر إلى القاهرة في الثاني من تشرين الأول 1963 ، وقابلوا الرئيس جمال عبد الناصر في نفس اليوم ، وطلبوا منه تزويد العراق بقواتٍ عسكرية لحسم الموقف قبل مجيء الشتاء، وبحسب السيد أمين الهويدي الذي حضر اللقاء بأنّ ” الرئيس عبد الناصر اعتذر عن إرسال أي قوات من القاهرة ” وفي يوم 8 تشرين الثاني وفي سعيٍ لإسباغ بعضٍ من الشرعية وتبرير تصرف دولتي العراق وسوريا حيث تمّ إعلان الوحدة العسكرية بين دمشق وبغداد لتبرير التدخل العسكري السوري في العراق، وعيّن الفريق الركن صالح مهدي عماش قائداً عاماً للقوات المسلحة ومقرها في دمشق. دون أن ينال هذا الإجراء موافقة جمال عبد الناصر، الذي اعتبر الاتحاد خرقاً و تراجعاً عن اتفاق 17 نيسان 1963 ، الموقّع في القاهرة بين سوريا والعراق ومصر.

أما في ساحة العمليات فقد فشل مخطط الدولتين ومُنيت القوات السورية بخسائر فادحة، وتلقّت ضربات قوية من الأنصار الشيوعيين والبيشمركة والاهالي ، خاصةً وأنّ هذه القوات كانت تجهل أساليب حرب العصابات في المناطق الجبلية من جهة وجهلها أيضاً بجغرافية كُردستان ، وأذاها في الجانب الكُردستاني ارتفاع وتيرة روح المقاومة عند الكُرد ، والذين أدركوا تماماً بأنهم تركوا لوحدهم في مواجهة عدوٍ وحّد كلّ قواته العسكرية ، وبعنصريةٍ مقيتة نحوهم ، هذه الخطوة – زجّ الجيش السوري في المعركة ضد الثورة الكٌردية – وانسحابه الذليل شكّل نقطة تحول سلبية في مسار العلاقات العربية الكُردية ، كونها – الخطوة – بحكم أنّ الجيش السوري زجّ في حرب استهدف ثواراً يناضلون لنيل حقوقهم المشروعة ، ويحاربون سلطة استبداد تتحكّم بالبلاد بوسائل قمعية ، وفي المقابل فإنّ الثوار وبكلّ ما يمتلكون من قدراتٍ يواجهونهم دفاعاً عن وجودهم ومستقبلهم .
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي فقد أعلنت الحكومة السوفيتية موقفاً صريحاً من الأحداث في التاسع من تموز 1963حيث قدّم وزير الخارجية السوفيتي أندريه كروميكو مذكرة استنكار شديدة اللهجة إلى كلٍّ من سفراء العراق وإيران وتركيا وسوريا ، للقمع الدموي الذي يمارسونه ضد الأكراد في العراق والتدخل في منطقة كُردستان العراق . وكذلك على صعيد الخلافات بين التكتلات العربية فقد دخلت العلاقات بينهم منعطفاً خاصةً بين قطبي الاتجاهات العروبية المتمثلة بالناصرية وحزب البعث ونزوعهم للتآمر وتأليب الأطراف المتحالفة معهم في العراق وسوريا ومصر .. وفي العراق بحد ذاته فقد برز توجهٌ جديد، حيث اتفق عبد السلام عارف رئيس الجمهورية مع بعض العناصر الناصرية في الجيش، وبعد أن أقنع عارف كلاً من زعيم الجو الركن حردان التكريتي قائد القوى الجوية بالرغم من انتمائه لحزب البعث ، وسعيد صليبي آمر الانضباط العسكري بإبعاد وإزاحة سلطة البعث في الحكم من بقايا حركة 18 تشرين الثاني 1963 .

وبعد نجاحه في ملاحقة البعثيين أمر بالإيعاز الى القوات السورية المتمركزة في كُردستان بالرجوع الى بلدهم ، وبذلك انتهى “الزحف المقدس” للجيش السوري في كُردستان العراق بعد أن ساهم في تدمير القرى الكُردية وساهم في شحذ الشعور القومي عند الأكراد .

وهئا وفي نهاية هذا الإعداد لابدّ من التطرق ولو بعجالةٍ الى الوضع الكُردي هناك في سوريا ، بعد زجّ سلطاتها لجيشها في أتون حرب ضد ثوار يناضلون في سبيل مطالب عادلة ، وكخوف حقيقي – النظام السوري – من ردة الفعل الجماهيري الكُردي من جهة ، فقد زادت من وتائر ممارساتها التعسفية في المناطق الكُردية ، وازاها في نفس الفترة قمعها لتمرد ناصري في حلب في 8 أيار 1963 ، و كذلك بدمشق في 8 تموز ، الأمر الذي فسّره عبد الناصر بأنّ النظامين السوري والعراقي يتقصّدان إبعاد الناصريين من قيادة الجيش والدولة ، معتبراً كلّ تلك الممارسات لميثاق 17 نيسان 1963 الوحدوي ، وعلى إثرها تعمّقت هوة الخلافات بين البعث وعبد الناصر . وليظهر للعلن كلّ ذلك من خلال حملات ( صوت العرب من القاهرة ) الإعلامية ضد البعث ، وتوجيه نداءات تحريض للشعبين العراقي والسوري للثورة ضد بعث عفلق ورفاقه .. وفي ختام هذا القسم لابدّ من التنويه إلى انعكاس هذا المخاض والذي أوجد من خلال صراعاته المعقدة ، تيار بعثي في سوريا بدعمٍ من عبد الناصر تمحور حول شخصية حافظ الأسد الذي سيطر بقوة السلاح والجيش على المؤتمر القومي وفرض إرادته على سوريا من خلال حزب البعث .. وكان من جملة الإجراءات التي رافقها فيما بعد اعتقال فهد الشاعر الذي خذلته اتجاهات الصراعات الحزبية وأصبح رهينة في المعتقل على يد رفاقه وأصدقائه الذين أجادوا فن التعامل معه بأساليب خبروها مع غيرهم، أسفرت عن تعرّضه لحالة من الخلل تطوّرت معه ليفقد عقله في المعتقل . وظلّ بتلك الحالة حتى وفاته في 17 – 4 ـ 1994 في قريته بوسان في محافظة السويداء ..
يتبع
….
• معظم مصادر الإعداد من يوكيبيديا والمعرفة ومقالات صحفية ومواقع نيتية مختلفة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى