أبو بكر البغدادي : كيف أصبح لاعب كرة قدم موهوب و واحداً من أكثر الرجال والقادة الجهاديين المطلوبين في العالم
يكيتي ميديا -روث شيرلوك– بغداد – 5/7/2014
كان ذلك المرة الاولى التي ظهر فيها أبو بكر البغدادي في ملعب لكرة القدم حيث كان يبدو شخصا مهذبا يلبس نظارة طبية ويلعب لصالح فريق مسجده وكان يعتبر ميسي المجموعة اقتداءً باللاعب والمهاجم الأرجنتيني ليونيل ميسي.
كان زميلا ولاعبا ومصلي في المسجد هكذا يقول عنه (أبو علي), فان أبو بكر البغدادي اللاعب المهاجم والمثير للإعجاب يعتبر الآن واحداً من أكبر قادة المجاهدين في العالم .
وفي تتبع لحياة الرجل من قبل ال “ديلي تيليغراف” البريطانية التقينا بالعديد من معاصريه حيث قالو عنه انه كان عالم دين خجول ويتجنب العنف ولكنه أصبح واحداً من المتطرفين الخطيرين والسيئي السمعة , ونصب نفسه وريثا وخليفة للمشهور اسامة بن لادن.
ولد ابراهيم عوض البدري لعائلة من الدعاة الواعظين وعاش طفولته في معقل السنة سامراء شمالي بغداد ولكنه قضى سنوات تكوينه في بغداد العاصمة العراقية حيث تابع دراساته الجامعية ودرجة الماجستير ودرجة الدكتوراه في الختام في الجامعة الاسلامية قبل أن يصبح زعيما للدولة الإسلامية .
حتى عام 2004 ولمدة تزيد عن 10 سنوات كان يعيش في غرفة ملحقة بالمسجد المحلي الصغير في حي الطوبجي ,وهو حي فقير يقع على الطرف الشرقي الهامشي من بغداد حيث يتكون هذا الحي ذو المساكن المتداعية من السنة والشيعة.
زارت التلغراف هذا الحي الفقير ومررنا بالمسجد الذي يرجح إنه عاش فيه جزءا من حياته, حيث كانت الأزقة ضيقة تتناثر فيها القمامة والأثاث المنزلي الرث البالي , ربما كان من سوء حظ اهالي هذا الحي انهم تورطوا في تركة البغدادي حيث يشهد حي الطوبجي توتراً شديدا هذه الأيام,حيث أمر نوري المالكي بإلقاء القبض على كل الذين لهم ارتباطات مع البغدادي ولو عن بعد, وحتى إن مجرد ذكر هذا الاسم يستوجب الاعتقال والمساءلة او ربما ما هو اسوأ.
تم تقطيع اوصال حي الطوبجي وشوارعه عن باقي بغداد ومحاصرتها بواسطة اكوام من انقاض الابنية القديمة ,ولكن السكان مع ذلك يظلون ضمن مساكنهم هادئين , حيث تتجول الميليشيات الشيعية في الاماكن بحثاعن المتعاطفين مع الدولة الاسلامية والتي لم تعد تبعد خطوط جبهته اكثر من اميال عن حدود بغداد.
ويقول أبو علي الذي يجلس في غرفة معيشته وستائر نوافذه منسدلة وابقى شقيقه في حالة تيقظ ومراقبة عبر النوافذ حذراً من الميليشيات , ويضيف عندما وصل البدري (أبو بكر البغدادي) الي حي الطوبجي كان عمره 18 عاما كان شخصا هادئا ومهذبا للغاية , لم يكنواعظا كما نشر عنه , مشيراً الي بطاقة تعريف نشرت مؤخرا عنه من قبل الدولة الإسلامية والتي تبشر بالبغدادي بالإمام الاكبر .
كان للمسجد هنا امامه الخاص ولدى غياب الإمام كان طلبة الدين المقيمين يقومون مقامه وكان البغدادي يؤم الصلاة بالناس احيانا ودون القاء خطب لكن ابى علي يعترف انه كان للبغدادي صوت جميل لدى قراءته لطقوس الصلاة ويقول لقد تعرفت علىالبغدادي من خلال مجموعة الأنشطة التي وضعت من قبل رجال الدين في المسجد لممارستها , كنا نلعب كرة القدم أيام صدام حسين او نخرج في نزهات خارج بغداد مثل منطقة الأنبار وكنا نذهب احيانا للسباحة, (ابو علي) رجل طوله يساوي اكثر من 6 اقدام بقليل وصف البغدادي بانه اقصر منه قليلا وهو ذو لحية متوسطة ولقد رأيت صورته الأمنية التي نشرت على شبكة الإنترنت من قبل الولايات المتحدة الامريكية مع مكافئة مالية قدرها 10ملايين دولار لكل من يعتقله , تعرفت على الصورة مباشرة ولكنه في الماضي كان يرتدي نظارات لأنه كان يعاني من قصر في النظر.
اما جاره السابق وكان جهاديا سلفيا محافظا أيضا فيقول اتذكر له حادثة, حفل زفاف في المنطقة كان فيه الرجال والنساء يرقصون بشكل مختلط ويتحركون بسعادة في نفس الغرفة و إذ به يمر من هذا الشارع حيث شهد هذا المنظر أتى وصرخ بشدة في المجموع قائلا: “كيف يتم هذا الاختلاط بين الجنسين وهذا اللهو انه كفر”. واوقف الرقص والاحتفال.
بعدما انها رسالة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية تزوج البغدادي في بداية الألفية , وبعد اقل من عام رزق بطفله الأول وهو الان في الحادية عشرة من عمره.
بينما كانت طبول الحرب تقرع أيام صدام حسين 2003 لدى غزو الحلفاء لبغداد كان البغدادي يعيش حياته العائلية كرب لأُسرة, كما انه لم يظهر اي عداء للأمريكان وقتها, ويضيف ابا علي لم يكن البغدادي من اصحاب السلوك الانفعالي السريع بل كان مخططا هادئا ولكن مسرحية البغدادي بدأت بعد عام من ذلك حيث وقع خلاف بينه وبين راع المسجد المحلي وكان ذاته صاحبا للمنزل الذي يعيش فيه البغدادي حيث أُحبط البغدادي وغادر المسجد وحي الطوبجي بعدها ودون رجعة حيث ان صاحب المسجد كان قد طلب منه الانضمام الى الحزب الاسلامي الذي كان ينتمي إليه هو نفسه لكن البغدادي رفض ذلك لأنه كان يعتبر السياسة انتهاك للمقدسات وتحد لحكم و إرادة الله, تحول الخلاف الى مشادة كلامية ثم الى اشتباك بالأيدي وفي عام 2004 طلب منه صاحب المنزل اخلاء المسكن ولما كان السكان في حي الطوبجي في معظمهم لهم نفس الارتباطات القبلية و روابطهم مع مالك المسجد,بعدها وجد البغدادي نفسه شخصا غير مرحب به في ذلك الحي لذلك غادر دون رجعة, ويضيف ابو علي لقد هرب مالك المسجد هذا وانه الآن خارج العراق و يخشى من انتقام البغدادي منه.
ويضيف الجار المقيم في الطوبجي انه لم يعد يعرف إلا القليل عما حدث مع الجهادي الكبير الذي قد يحجب الاضواء عن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري إذ ان البغدادي بدى أكثر تطرفا وعنفا في ذهنيته مع رجالهومن سابقه انه يمارس قطع الرؤوس وصلب المتهمين كما يستخدم التعذيب بشكل روتيني في ممارساته ولكني سمعت محليا في حي الطوبجي فيما بعد بان الشيخ ابراهيم (كان معروفا محليا بهذا الاسم) اي البغدادي قد كان في السجن.
ان ملف البغدادي الذي أعطي لل(تلغراف) من قبل أحمد الدبش الذي كان قائدا للجيش الإسلامي وقاتل ضد غزو الحلفاء 2003 وكما تقاتل مجموعته الآن مع الدولة الإسلامية بهدف إسقاط نوري المالكي والذي يتفق معه سكان حي الطوبجي أيضا في هذا المسار,يقول الدباش كنت مع البغدادي في الجامعة الإسلامية ودرسنا نفس المنهاج لكننا لم نكن اصدقاء, كان شخصا هادئا خجولا يفضل العزلة والوحدانية ولكنه فيما بعد عندما ساهم في تأسيس الجيش الإسلامي فإنهم قاتلو جنبا الي جنب مع قادة الميليشيات الذين ارتكبوا فظائع واعمال عنف شديدة والتي سوف تشكل لاحقا منظمات القاعدة.
يقول الدباش :”كنت اعرف جميع قادة المتمردين شخصيا ولقد كان الزرقاوي اقرب من اخ الي ولكني لم اكن اعرف البغدادي حيث كان شخصا مغمورا يؤم الصلوات في منطقة قريبة مني ولم يكن في موقع جذب الاهتمام والملاحظة”.
تشير تقارير المخابرات الامريكية بان البغدادي كان قد انتقل الى بلدة القائم العراقية المغبرة في محافظة الأنبار العراقية السنية واستعار له اسما بابي دعاء اتهم بالتعذيب وبالإعدامات الميدانية للسكان المحليين المدنيين ولكن حسب هشام الهاشمي وهو استراتيجي امني عراقي والذي التقى بالبغدادي شخصيا يعتقد انه قضى تلك الفترة في سجن امريكي , حيث عززت فترة سجنه هذه لاحقا طعم التطرف بشكل اكثر لديه وفي أواخر عام 2005 القي بالبغدادي في معتقل امريكي مترامي الأطراف حيث كان وقتها رهن القفل والمفتاح ولكن البغدادي نجح في ان يفلت من الشباك الامريكية فقد فشل الامريكان في التعرف على مثل هذا الرجل الخطير (من قبل حراس واوصياء السجن) حيث اطلق الحراس سراح البغدادي عندما تم اغلاق المعتقل عام 2009 .
لقد كان متأنقا سيئا ولكنه لم يكن الاسوأ حسب قول العقيد (كينيث كينغ) الضابط المسؤول عن سجن غوانتانامو (ديلي بيست), وكان تعليقه (اي البغدادي) حين الفراق :”سوف نرى بعضنا يا رفاق في نيويورك”, ولم ينظر حينها الى هذا الكلام باعتباره تهديدا من قبل الحراس ويعتقد انه قد التقى فيها مع جهاديين متطرفين من تنظيم القاعدة تلك الجماعات التي اطلقت العنان للإرهاب بعد غزو العراق بالتفجيرات الانتحارية اليومية في مدن وبلدات العراق .
وبعد ان اطلق سراح البغدادي جدد انتمائه لتنظيم القاعدة تلك الجماعة المعروفة بالعنف والتطرف حتى بعد مقتل قائدها ابو مصعب الزرقاوي في غارة امريكية 2006 .
اعضاء هذه الجماعة يقطعون رؤوس ضحاياهم بشكل روتيني وبسكاكين صدئة, كما انهم يستغلون المختلين عقليا ويشدونهم بأحزمة ناسفة وبأجهزة تحكم عن بعد وبعد ان يدخلوهم ضمن مناطق مكتظة بالناس يفجرون ضحاياهم عن بعد, كما انهم يخفون المتفجرات في توابيت الموتى لكي يقتلوا المشيعين من رواد الجنازة.
وبعد ذلك بعام اي 2010 قتل أبو عمر البغدادي في غارة جوية أمريكية حيث كان خليفة ل (الزرقاوي) ومن هنا وبعد ذلك وللمرة الاولى اصبح اسم أبو بكر البغدادي معروفا وفي صعود درامي.
حيث ظهر الفقيه الهادئ فجأة لينتخب كرجل مناسب لقيادة الدولة الإسلامية التابعةلتنظيم القاعدة.
انه لايزال لغزاً غير مفهوم لماذا تم اختيار البغدادي تحديدا لهذه القيادة بينما كان لايزال هناك من هم قبله في التنظيم حسب الهاشمي, لكنه سبق ان تم اختياره من قبل مجلس الشورى (جمعيةاستشارية دينية) في محافظة نينوى شمالي العراق وقد تم التصويت له بتسعة اعضاء للبغدادي من اصل احدى عشر عضواً.
ان فترة استراحة البغدادي الثانية والتي لوثت سمعته بشكل اكبر كان قراره ارسال رجاله الي سوريا المجاورة للقتال في الحرب الأهلية الدائرة هناك, انضم الآلاف الى البغدادي بمن فيهم مقاتلين اجانب قدموا حتى من بريطانيا وتمكنوا من انتزاع السيطرة على مدينة الرقة من ايدي كل من الجماعات المتمردة المحلية السورية ومن أيدي النظام السوري على حد سواء وتمكنوا فيما بعد من السيطرة على معظم حقول النفط في البلاد (دير الزور) والمناطق المجاورة لها بذلك تكمنوا من ايجاد مصدر مريح للدخل, وتمكن المجاهدون من بيع النفط الخام الى الأجزاء الاخرى من سوريا وكما تمكنوا من تهريبه الى تركيا المجاورة نمت الجماعة التي سمت نفسها من جديد بدولة العراق والشام الإسلامية في الحجم والتأثير حتى وصلت الى انشقاقها عن تنظيم القاعدة بعد ان تجاهل أوامر من قبل الظواهري بضرورة الابقاء على منظمته ضمن حدود العراق حصريا .
تأسست المنظمة في سوريا وبعد ان تمكنت من بناء شبكات دعم محلية لها في العراق, تكمن البغدادي من ضرب ضربته الأكثر طموحا فأعاد بعضا من رجاله الى العراق حيث تمكن من الإستيلاء على الموصل ثاني اكبر المدن العراقية في شمالي البلاد ومن ثم تقدم نحو بغداد مطاردا الجيش العراقي الذي فر من معظم شمال البلاد
مما ساعد على هذا التقدم هو ان بعضا من حلفاء البغدادي على المواقع الاجتماعية مثل تويتر ومواقع دعايةتناولت واستغلت بمهارة صورا بشعة لمجازر طائفية والتي ارتكبتها الجماعة علنا لأكثر من مائة من الجنود الشيعة من تكريت كانوا متمددين في الخنادق الى جانبي الطريق ايديهم مقيدة وقد اعدموا , تسبب في نشر الخوف بين السكان المحليين ومن الشيعة وتسبب في فرار عشرات الالاف من الاشخاص من منازلهم.
ان طموحات الطالب العبقري والغريب الاطوار لم يتوقف عند حده هناك ولكنه قبل بداية هذا الاسبوع حيث المظاهر الاحتفالية لشهر رمضان المبارك عند المسلمين فقد اصدر البغدادي بيان تهنئة انه قد حقق الطموح الذي كان ينتظروه منذ وقت طويل ,الا وهو بناء الدولة الإسلامية وقد أعلن ان مجموعته من الآن فصاعدا ليست الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق بل انه قيادة الدولة الإسلامية المتكونة من شمالي سوريا والعراق ومعروف عنه انه اكتر تحسبا من سلفه حيث انه يتخلى ويبتعد عن المهمات المجهضة والمكلفة لرجاله,ولدى منظمته تنظيم هيكلي افضل من اي وقت مضى ,مع تعيين موالين تابعين له في اكثر المناصب اهميه متل الإدارة المالية والدعاية وفي خضمِ هذا الهدوء هناك ذات الاعصاب الباردة للمريض نفسيا ذلك البغدادي الذي لاينسى ان ينتقم من خصومه فان جمال الحمداني أحد الرجلين الذين كانا في مجلس الشورى و اللذان لم يصوتا له لكي يكون زعيما تم اغتياله فيما بسبب اعتراضه.
والآن فقد اصدر الزعيم بيانات يطلب فيه أولا اسقاط بغداد ومن ثم ادراج الخليج والاردن ضمن خلافته ويقول متفاخرا في خطاب له ان رجاله سوف لن يتوقفوا عن فتح البلدان حتى بلوغ روما, هذا الطابع الحماسي للخطابات فشل على مر التاريخ في بناء دولة الخلافة الإسلامية بل بلغت بها حالة الفوضىبعد عام 2003 حيث بدا نجم الدولة الإسلامية بالأفول عندما رفض العراقيون السنة السياسات المتطرفة للدولة الإسلامية في العراق والشام حيث كانوا يريدون ان يحكموا بموجبها.
على اي حال فانه في غضون ثلاث سنوات فان لاعب كرة القدم المتحمس نجح في تحويل مجموعته التي كانت حركة هامشية لأن تجهَز تجهيزاً افضل وبأفضل تمويل للميليشيات في العصر الحديث.
يبدو من الواضح ان وراء الصمت الحسابي هذا شخصية أبو بكر البغدادي طموح لاينتهي وسوف لن يتم التقليل من شأنه بعد الآن .
ترجمه عن الديلي تلغراف: م. عاصم عمر.