أزمة التعليم في (شمال شرق سوريا)
فرحان مرعي
وقعت المناطق الكُردية (كُردستان سوريا) في أزماتٍ عديدة منذ ٢٠١١، مع استلام ب ي د إدارة المناطق الكُردية من النظام عند نشوء الأزمة السورية ، وكان من أسوأ هذه الأزمات، وأكثرها ضرراً على مستقبل البلاد أزمة التعليم، لما لهذا الجانب- التعليم – من أهميةٍ قصوى في حياة الشعوب، لأنه وكما يقولون: إذا أردت تدمير بلدٍ ما، اضرب التعليم أولاً، ولقد أخذت هذه الإدارة بهذه النصيحة، فعملت على تدمير قطاع التعليم، بإغلاق المدارس الحكومية، وخاصةً في المناطق الكُردية، وفرض مناهج تعليمية محلية مؤدلجة باللغة الكُردية غير معترف بها من قبل المنظمات التعليمية العالمية مثل اليونسكو، ولا معترف بها من قبل الدولة السورية، في دمشق، بينما احتفظت الدولة بمدارسها في المربعات الأمنية والمناطق ذات الأغلبية العربية ومدارس الطوائف المسيحية، فانكشفت بوضوح، سياسة فرض نظام تعليمي خاص بالشعب الكُردي، تحت شعار تعلّم اللغة الكُردية وما لهذه المسألة من حساسية عاطفية وقومية، واختزال التعليم في مسألة اللغة!!!! مما خلق حالةً من الإستقطاب العاطفي القومي لدى الناس ، وكأنّ الموضوع هو صراع بين مَن يدافع عن اللغة الكُردية وبين مَن هو ضدها، ولكنّ الواقع كان شيئاً آخر، لا علاقة له باللغة الكُردية، بقدر ما هو أنّ منظومة التعليم هي المستهدفة، وجيل الشباب هو المستهدف، وربطه بفكر آيديولوجي وعقائدي معين، وإخراجه من دائرة العلم، بذلك اصطدم المجتمع بجملةٍ من العقبات لإتمام مسيرة التعليم ، منها أولاً :لا تتمتّع هذه الإدارة بأية شرعية قانونية ودستورية في البلاد، ولذلك فإنّ نظام التعليم الذي فرضته ، غير معترف به، داخلياً من المركز، دمشق، ولا تعترف باللغة الكُردية كلغة رسمية في البلاد ، ولا على صعيد المنظمات الدولية، فلم تسمح لمنظمة يونسكو، بالتدخل في المناهج التعليمية، ولذلك فإنّ أية شهادة تعليمية، وأكاديمية يحصل عليها الطلبة غير معترف بها خارج حدود الإدارة، وحتى ضمن حدود الإدارة، ضمن مؤسسات الدولة المتبقية.
ثانياً : مناهج التعليم المعتمدة ذات صبغة محلية، وحزبية آيديولوجية، لأنه من المعروف أنّ المناهج التعليمية في المواد العلمية، مشتركة ومعتمدة عالمياً
ثالثاً : النقص في الكوادر التعليمية المختصة، لأنّ معظمها خرجت خارج القطر، نتيجة الأزمة، وبعض من تبقى، لم يلتزم بهذا النظام التعليمي لأسباب عديدة ، والبقية المتبقية كانت غير مؤهلة للتعليم، وغير قادرة على خلق جيل متعلم، واكتفت الإدارة بدورات تعليمية لتعلم اللغة الكُردية لمدة ثلاثة أشهر، في النتيجة، كادر غير مؤهّل للتعليم !!!!
هذه الأسباب، وغيرها، دفعت بالطلبة في مختلف المراحل باللجوء إلى المدارس الحكومية سواءً في المربعات الأمنية أو خارج حدود المحافظة، أو الهروب إلى خارج البلاد، كما دفع الكوادر التعليمية المختصة إلى المعاهد الخاصة أو التعليم البيتي، وهذا الوضع لم يقتصر على فئة معارضة معينة من الناس، وإنما من قبل الموالاة لهذه الإدارة أيضاً، فلجأ أبناؤهم إلى المدارس الحكومية لقناعتهم أنً هذا المشروع التعليمي فاشل، ولا يحقّق رغبات أطفالهم في المستقبل.
يستنتج من خلال الواقع، ومسيرة التعليم خلال السنوات الماضية- عقد من الزمن وأكثر-، ليس هناك مشروع تعليمي، وإنما مشروع سياسي، يستهدف التعليم وإنهائه، واستخدم اللغة الكُردية شماعةً لهذا المشروع، بالرغم من أنّ هذه الإدارة (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)، لا تحمل هوية قومية، وهي ليست بالكُردية بالطبع، بل تحمل صيغة شعبوية، من قبيل ، أخوة الشعوب، الأمة الديمقراطية،…من هكذا شعارات فانتازية، غير واقعية، هنا يتساءل المواطن الكُردي: إذا كانت هذه الإدارة غير كُردية، لماذا تفرض نظام تعليمي خاص على الكُرد، ولماذا تصرّ على اللغة الكُردية؟؟؟
ولماذا تسمح للمدارس التعليمية الحكومية في المربعات الأمنية؟
في اعتقادنا وكما قلنا سابقاً- هناك مشروع سياسي من وراء نظام التعليم المعتمد، وهو خلق جيل مؤدلج، عسكري ، مرتبط بالمؤسسة العسكرية لهذه المنظومة (عسكرة المجتمع)، لا جيل مدني ، فلا تتوانى هذه المنظومة حتى في عسكرة الأطفال والقصر بدلاً من تشجيعهم على متابعة الدراسة، بل ترسّخ في أذهانهم، في المعسكرات المغلقة، الأفكار الشمولية العقائدية ، ونشر مفاهيم تسطيح قيمة العلم والتعليم، تحت حجة : ما قيمة التعليم ووطننا محتل؟!
امام هذه الصورة القاتمة وجد جيل تائه ومنقاد، أو جيل جاهل، من السهل تشييئه وفق إرادة الآخرين، وفي النتيجة انهيار منظومة التعليم كهدف أساسي وخلق جيل غير قادر على تحديد مصيره بنفسه، وبالتالي انهيار المجتمع، مع تفكيك دعامته الأساسية ألا وهي التعليم.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “325”