أزمــة الطـاقة وتداعياتها على المجتمع (مجتمع الجزيرة نموذجـاً)
فرحان مرعي
منذ بداية الثورة السورية التي انقلبت إلى أزمةٍ وصراعٍ دولي وحربٍ أهلية، تفاقمت الأزمات في سوريا، (الجزيرة هنا نموذجاً) ونستطيع القول لقد عاد مسار التطور، و مظاهر الحياة المدنية خمسين سنةٍ إلى الوراء في كافة مجالات الحياة، كما في مجال الطاقة هنا نمودجاً، (الكهرباء، بنزين، مازوت، الغاز)، وخاصةً الكهرباء التي هي عصب الحياة العصرية، هذه الأزمة ضربت في العمق الاجتماعي في مجالات الصحة والبيئة والمعيشة والاقتصاد، رغم الدعاية الإعلامية المكثّفة من قبل سلطات الأمر الواقع
إنّ هناك ثورة وتجربة فريدة تم بناءها،وعلى دول العالم الاقتداء بها، في الوقت الذي كان المواطن يلجأ إلى الأساليب البدائية في الحصول على مصادر الطاقة، كالحطب وروث البقر، ولوحظ ميدانياً على ارض الواقع،انّ أزمة الطاقة مفتعَلة، و ممنهحة_ وخاصةً أنّ المنطقة ترسو على بحرٍ من النفط و الغاز _ و لغايات تهجير المواطنين، ونشر الأوبئة و الأمراض، وخلق حالةٍ من اليأس والإحباط عند الناس، بالرغم من أنّ المنشآت النفطية في الجزيرة وغيرها لم تصِبْ بأذىً وتدميرٍ وتخريبٍ من جرّاء الحرب، بل بقيت معظمها سليمةً.
لقد كان لقطع الكهرباء وما زال أهدافٌ كثيرة، أهمّها قطع علاقة المواطن مع الحياة العصرية، ولأنه من الصعب على الناس العودة إلى الحياة القديمة، لذلك كان البحث عن المخرج لهذا الواقع، فكانت مشاريع الهجرة أو النزوح إلى مناطق السلطة التي تغذّى بالكهرباء بشكلٍ مستمرٍّ ، أو إلى الخارج أو البحث عن البدائل الأخرى، كمولدات توليد الكهرباء، وهذه كانت طريقة أخرى لنهب المواطنين عبر صفقاتٍ مع التجّار و السماسرة الذين لعبوا بحياة الشعب، مع ما تصدرها هذه المولدات من ضجيجٍ في الشوارع والأحياء التي خلقت أزمةً نفسية ومعنوية عند الناس،.
ولتكريس هذا الواقع لجأت الجهات المعنية بالتنسيق مع تجّار الحرب والسماسرة و المهرّبين إلى الطرق البدائية لتكرير النفط عن طريق ما سميت بالحرّاقات التي تنتج المشتقّات النفطية دون المواصفات والمقاييس العالمية المعروفة، فكانت النوعيات رديئة جداً، وكانت النتيجة آثار سيئة على المجتمع ايكولوجياً ومادياً واقتصادياً وصحياً بسبب الاستخدامات الواسعة لهذه المواد في الحياة اليومية من المواصلات ووسائل النقل والتدفئة المنزلية، وخاصةً في استخدامات مادتي البنزين والمازوت التي كلّفت المواطنين خسائر باهظة مادياً وصحياً وعلى مستوى البيئة، وكما هو معلوم أنّ معظم الآليات والمحرّكات ووسائل النقل تعمل على مادتي المازوت والبنزين وبسبب رداءة نوعيتهما أثّرت في عملها، فتكبد المواطنون الخسائر بملايين الليرات السورية، وتعطّلت معظم الآليات، وتحوّل قسمٌ منها إلى الاستهلاك، بينما كانت الجهات السلطوية تحصل على هذه المواد وبنوعيةٍ جيدةٍ وبأسعار رخيصة من محافظات حمص وطرطوس ودمشق .
وفي مجال الاستخدام المنزلي لمادة المازوت كانت المصيبة كبيرة، بسبب رداءة نوعيتها، سميكة سوداء ، مختلَطة مع الغاز والكاز، تنبعث منها رائحة كريهة، فهي إمّا غير قابلة للاشتعال أو سريعة الاشتعال، و النتيحة : أمراض الجهاز التنفسي والتحسّس، وحوادث انفجار المدافئ المنزلية التي راحت ضحاياها عائلات كثيرة، وما زالت هذه الأزمة مستمرّة بكلّ تفاصيلها المادية، والصحية والنفسية.
اما الخطر الأكبر والأثر الأكبر نتيجة أزمة الطاقة واللجوء إلى الأساليب البدائية لتكرير النفط، هو تلوّث البيئة، فمن المعلوم أنّ أجواء منطقة الجزيرة بالأصل موبوءة و متلوّثة بيئياً، بسبب المنشآت النفطية ومخلّفاتها من الغازات، وتسرّب النفط من الخطوط، ومجاري المياه الحمضية،
و قد ازداد الوضع سوءا في السنوات الأخيرة مع الأزمة السورية، ومع صعوبة ترحيل النفط إلى مصافي الدولة وانتشار ما تسمّى بالحراقات البدائية لتكرير النفط كوسائل بدائية، وما تنتج من مخلّفاتٍ من غازاتٍ سامة وأبخرة و أدخنة سوداء أثّرت ليس فقط على الإنسان وإنما على الحيوان والغطاء النباتي وانتشرت الأمراض في المنطقة، مثل الأمراض الجلدية و القلبية والسرطانات وأمراض التنفس والقصبات التي أدّت إلى زيادة نسبة الوفيات مقارنةً مع السنين الماضية.
كلّ هذا دون رادعٍ أو حلولٍ أو دراساتٍ لهذه الأزمة البيئية القاتلة، بل كانت الغاية واضحة وهي جني أعلى الأرباح المالية من هذا الواقع المؤقّت دون اكتراثٍ لصحة المواطن وحياته وبيئته عموماً.
المنطقة بشكلٍ دائم مغطاة بسحابةٍ سوداء من الدخان نتيجة عمل هذه الحراقات وعوادم السيارات والمنشآت النفطية، مما ينذر أبناء المنطقة بخطرٍ جدي على حياتهم ووجودهم، وهم في الواقع يموتون بصمتٍ في ظلّ صمت الجهات المعنية والمسيطرة على المنطقة.