أعزاز.. لواء اسكندرون ثانٍ
ولات العلي
باتت الأراضي الّتي يسيطر عليها تنظيم الدولة “داعش” شمال حلب ملعباً للأحداث بين فصائل المعارضة المساندة بالمدفعيّة التركيّة من جهة، وقوات سوريا الديموقراطيّة المحميّة جواً بطائرات التحالف الدوليّ من جهة ثانية، وكذلك قوات بشار الأسد المدعومة بميليشيات شيعية ومقاتلات روسية من جهة ثالثة؛ أحداث تتسارع وقوات تتسابق للحصول على أكبر حصّة من التَركة الداعشيّة.
التحركات الأخيرة لـ “لواء السلطان مراد التركمانيّ” في محيط مدينة الباب شمال حلب، والّتي أتت بدعم من المدفعيّة التركيّة، لمّ تتأخر سوى ساعات عن مقترح لحكومة أنقرة طرحت خلاله أسماء ألفين وأربعمئة مقاتل عربيّ وتركمانيّ مدرّبين للتصدي لتنظيم داعش في ذات المكان، في محاولة لقطعِ الطريق أمام المقاتلين الأكراد لإيصال مناطق سيطرتهم بين كوباني وعفرين؛ هذه التحرّكات تتقاطع مع تسريبات نشرتها وكالة “باس نيوز” الكُرديّة، تحدّثت عن اتفاقٍ جرى بين وحدات الحماية الكُرديّة ووفد عسكريّ أميركيّ زار كوباني مؤخراً، للسماح للقوات الكُرديّة بالتقدم نحو جرابلس ومنبج، شريطة عدم التعرّض لمدينة أعزاز المؤمّنة بفيتو تركيّ، وإن صحّت هذه الرواية التي تبدو أقرب للتطبيق خاصة مع التحضيرات العسكريّة الضخمة لقوات سوريا الديمقراطيّة، فإنها تعني بطريقة ما ربط كوباني بعفرين لزام ابتعادها عن الحدود التركيّة بمسافة معينة، وتأتي متناغمة أيضاً مع الرؤية التركيّة بإزاحة عناصر حزب الاتّحاد الديمقراطيّ عن حدودها الجنوبيّة على أقل تقدير، إلّا أنّها تعني بالمقابل عزل أعزاز وباقي المناطق الحدوديّة الّتي يسيطر عليها الفصائل التركمانيّة والعربيّة عن الداخل السوري بشريط مسلح من الوحدات الكُرديّة، ما يضع هذه المناطق في صيغة أقرب لوضع إقليم لواء اسكندرون (هاتاي) قبل حوالي 80 عاماً، حينما ضمّتها تركيا لأراضيها بعد عزلها عن ولاية حلب باتفاقٍ مع الانتداب الفرنسيّ آنذاك .
أنقرة الّتي كانت تطمح لإدارة معظم سوريا في بداية الثورة السوريّة، تقلّص جموحها على محافظة حلب ثم المناطق الشماليّة من حلب، لتختصر مؤخراً على أعزاز والقرى الحدوديّة، في ظل اللاءات الأميركيّة الّتي تفضل “حالياً” دعم القوات الكُرديّة الصاعدة في المنطقة، فيما تخشى تركيا تقدّم هذه القوات صوب عفرين وتشكيل كيان كُرديّ موحّد ومقرّب من حزب العمال الكُردستانيّ، لا سيما أنّ الحزب الكُرديّ السوريّ أعلن مؤخراً نظاماً فيدراليّاً في مناطق سيطرته، وهنا لا تبدو الخشية من وصل عفرين بكوباني بقدر التخوّف مما قد يأتي بعد هذا التّوحيد، سواء في طموح الأكراد الذي قد يتجاوز الفيدراليّة، أو السعي لأيجاد منفذ بحريّ على المتوسط غرب عفرين .
على أيّ حال؛ السباق بات محموماً بين القوى المحليّة المساندة من الدول الإقليميّة والكبرى للسيطرة على أراضي دولة “داعش”، وكل الأعين الآن على الرقّة مركز التنظيم في سوريا، ما يعني بشكل ما تخلّي هذه الدّول عن دعمها السرّي للتنظيم، والدخول في مرحلة “ما بعد داعش”.
نقلاً عن جريدة النهار اللبنانية