ملفات و دراسات

أكبر ثالث موجة هجرة عبر التاريخ الحديث تشهدها كردستان سوريا

اعداد: برزان شيخموس

مقدمة:

عِصت كردستان سوريا على التغيير الديمغرافي عبر أربعِ عقود من حكم البعث, رغم المشاريع والقرارات الاستثنائية الجائرة المفروضة بحقها  من (الحزام العربي- الاحصاء الجائر – المرسوم 49) , إلا أن أمواج التغيير بدت تعصف بتلك المنطقة وبالأخص مع انسحاب النظام الذي ترك الحبل على الغارب لقوى وتنظيمات حزب الاتحاد الديمقراطيPYD, والذي بات يصوب دفة روجافا – كما يحلوا لمؤيديه تسميتها- نحو الهاوية بنبرته السلطوية الوحدوية التي لم تقبل شراكة باقي الاطراف السياسية ولم تبادر الى تقويم مسارها أو تصحح اخطائها.
فالمنطقة الكردية بدت مؤخراً وبالتحديد هذا الصيف في مشهد لا توجد أمثلة مماثلة أو أوضح لها في العصر الحديث, إلا مثالين جليين أولها تهجير اليهود للفلسطينيين في أربعينيات القرن المنصرم, والثانية ما شهدته الدولة البوسنية إبان حرب الابادة العرقية التي شنتها حكومة الصرب على جمهورية البوسنة والهرسك في نهاية القرن ذاته.
“جزيرة كوس” والتي أضحت مقصداً وغاية لأبناء كردستان سوريا كبوابة نحو أرض الميعاد, بعد ما عدلت حكوماتها قوانينهم لتسهيل انتقال المهاجرين, بالإضافة الى إلغاء “اتفاقية دبلن” التي أضحت الحافز الاكبر للمنكوبين, بدلاً من ايجاد الحلول للبلد الذي يشهد حرباً هوجاء جراء خيبة الأمل من الموقف المخزي للحكومات الحاضنة للمهاجرين, الهجرة أسبابها وطرقها وتداعياتها من أفواه المهاجرين والنشطاء الذي يتابعون تغيير ديمغرافية المنطقة تستعرضه جريدة يكيتي عبر مادتها هذه.

أسباب ومسوغات الهجرة في المناطق الكردية

قد تبدي الهجرة في المناطق الكردية استغراباً لدى معظم من يتابع المشهد السوري بعمومية, إذ لم تشهد حربٍ كما باقي المناطق ولم تستهدف ببراميل الأسد وأسلحته الكيميائية, إلا أنها شهِدت قمعاً واستهدافاً اكثر شدة بخباثة وحنكة حبكتها غرف أمنية ضيقة كما يصفها الناشط محمد ديب عثمان من كوباني, والذي يعدها الأكثر تضرراً في المنطقة الكردية وفي سوريا بشكل عام من ناحية الهجرة ونزوح أهاليها.
عثمان يسرد الهجرة في كوباني قائلاً” بدأت الهجرة في كوباني في أوائل عام 2014 واقتصرت حينها على هجرة الأفراد, وكانت معظمها لأسباب مادية مع ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية وتدني فرص العمل, إلا أن المرحلة الثانية من الهجرة بدأت مع صدور القوانين والفرمانات الجائرة من قبل الادارة الذاتية المعلنة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD, كقانون ترخيص الاحزاب ومحاربة جميع القوى العسكرية الغير منضوية تحت جناحها العسكري (وحدات حماية الشعب YPG ), الأمر الذي خلف استياءً وخيبة أمل لدى معظم الشباب الطامح للدفاع عن أرضه حسب قناعاته, بالإضافة إلى قانون التجنيد الاجباري الذي أفرغ معظم المناطق الكردية وليس كوباني لوحدها من أهم مكونها ألا وهم الشباب”.

هجوم داعش ومجزرة حزيران القشة التي قصمت ظهر البعير

في 15/9/2014 بدأت المرحلة الأكبر من هجرة السكان في كوباني, إذ بدأ حينها تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) هجومه على المنطقة فنزح حينها أهالي الريف نحو المدينة, لينزحوا سوياً نحو الحدود التركية بتاريخ 1/10/2014 حين استطاع التنظيم الإرهابي دخول الى المدينة بحسب الناشط محمد ديب, مشيراً إن معظم الاهالي فقدوا الأمل في العودة ومن حينها لم يرقَ لهم العيش في المخيمات وبدأ قسم منهم هجرته نحو اوربا.
عثمان استعرض حديثه عن مدينته المنكوبة قائلاً” لحينها لم تكن الهجرة على هذا الشكل مما هي عليها الآن, فبعد تحرير المدينة عاد قسم لابأس به الى المدينة والريف إلا أن مجزرة 25حزيران كانت القشة التي قصمت ظهر البعير, فكانت جريمة سياسية فقدَ حينها الأهالي الثقة بالقوى المدافعة, وبالتحديد مع عدم سماحها لدخول لجان مختصة محايدة من خارج إدارتها للتحقيق, ليفتح الباب على مصراعيه لهجرة المكون الرئيسي والأصيل”.

البلم بداية رحلة المنفى أو الموت السريري

ليلة سوداء عاتمة كالقدر التائه ، حين ركبنا القارب المجهول فوق أمواج الموت و نسمات الرعب ، فمنا من يدعي ويصلي ومنا من يتسلل إلى أعماقه صوت سكرات الموت بين الحين و الحين هكذا روى محمود بكو لجريدة يكيتي تفاصيل رحلته نحو أرض الميعاد قائلاً: وصلنا المياه الاقليمية اليونانية و البسمة تتجول على شفاهنا الخائفة و الخوف كالعادة يذهب و يعود ، أصابعنا تؤشر دائماً للأمام لا للخلف ، فجأة رأينا قاربٍ يدنو إلينا بسرعة البرق حيث تعالت أصواتنا Help me رجاءً ساعدوني ، ويرددون لا بأس لا بأس سنساعدكم ، قلوبنا لا تهدأ نعم نجونا لا لم ننجو بعد ، بابتسامة منهم أخدوا محركنا والمصيبة أنهم ثقبوا البلم و رحلوا نعم رحلوا ، إنهم الكوماندوس الألماني الذي يحرس حدود اليونان ، المياه بدأت تدخل قاربنا شيئاً فشيئاً و نحن أيضاً نغرق بهدوء مع بكاء النساء و صراخ الشباب و براءة الأطفال الذين بدأُ بترديد جملة يا الله  لأنهم سمعوها من أفواه الذين يحيطون بهم ،  يصرخون بحناجرهم الخائفة يارب أين أنت نحن نغرق ، أنا و زوجتي كنا في الماء و متمسكين بحبل البلم والأمواج تضرب وجوهنا الحائرة”.

ما بعد البلم ورحلة الموت

غرق البلم لم يثني من عزيمتنا فالوصول الى القارة العجوز كانت مبتغانا بعد فقدان الأمل بالعودة الى البلاد المنكوبة حاولنا اكثر من مرة إلى أن نجحنا في الوصول, عندها ظننا أن المصاعب انتهت لكننا فوجئنا بالمرحلة الاصعب بالمشي في العراء والهروب من دورية الأمن عبر أحراشٍ وغابات لنكون صيداً لعصابات التشليح والسرقة عدا عن برد النوم في العراء.
بكو نعت رحلته المتعبة لجريدتنا برحلة الموت للوصول الى الموت قائلاً ” فحتى هنا  لم تنتهي المعاناة كوننا في بلاد الغربة التي لن تمنحنا الحب والدفيء الذي خلفناه ورائنا حيثُ  تركنا أجمل ذكرياتنا تحت سقف النسيان في أرضنا الوديعة التي بخل علينا الطغاة أن نبقى فيها مطمئنين”.

* من موتٍ الى موت ينزح أبناء كردستان سوريا, فلا خيار ثالث أمامهم إلا فجوة أمل قد تبقيهم على قيد الحياة قاذفينا أحجارهم التي ربما تأتي لهم بفرصة تبقيهم على قيد الحياة فهنا موت وحيث ما تركوا الموت يجأر بين رحى حرب التنظيمات المتشددة وقوانين السلطات الجائرة في ظل الموقف الدولي المخزي.

 

المادة نشرت في جريدة يكيتي العدد 218

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى