أنقرة.. طهران.. دمشق.. المثلّث الصعب
مرح البقاعي
من غرائب الأمور وعجائب هذا الوقت الضائع بين نوايا الخير والشر للأفراد والدول على حد سواء، أن وسيطاً للسلام (إيراني المصدر والهوى) يتنقّل بين العواصم ليمنع مواجهة قد تكون محتملة بين طرفين، الأول تركي، والثاني نظامي سوري. إذ من المفترض أن تبدأ أنقرة عملياتها العسكرية الهادفة إلى تأمين منطقة أمنية فاصلة تقيها من المقاتلين الكرد على شريط حدودها الطويل مع الشمال السوري، وعلى مسافة 30 كم توغلاً داخل الأراضي والمدن السورية.
وسيط السلام القادم إلى العاصمة دمشق إثر زيارته لنفس السبب العاصمة أنقرة أمس، هو وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان؛ وقد صرّح قبل مغادرته متوجهاً إلى سوريا بالقول: “تتمحور رحلتي إلى سوريا بخاصة حول السلام والأمن في المنطقة الواقعة بين سوريا وتركيا”. فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما فتئ يهدّد مراراً – قبل قمة الناتو وبعدها – بالقيام بعملية عسكرية جديدة في منطقتين واقعتين في شمال سوريا هما “تل رفعت” و”منبج” لاستهداف مقاتلين كرد يصفهم بأنهم “إرهابيون”.
التناقض في ماهية هذا الخبر السوريالي لا ينحصر في كون الوسيط الذي يحمل هوية حكومة راعية لإرهاب الحرس الثوري الإيراني المصنّف على قوائم الإرهاب العالمية والأميركية، إضافة إلى أنه يمثّل رأس دبلوماسية الميليشيات الطائفية العابرة للحدود التي عاثت قتلاً وفساداُ وتدميراً وحشداً عنصرياً في سوريا ولبنان والعراق واليمن.. وحدّث ولا حرج، بل يمتد هذا التناقض إلى احتمال وقوع انقلابات في التحالفات القائمة على الأرض منذ دخول الميليشيات الإيرانية لقمع حركة الثوار السوريين السلمية التي انطلقت في العام 2011 وحتى تاريخ كتابة هذه السطور.
فالحليف الإيراني العتيد للنظام السوري، الذي نسج مع الأسدين – الأب والابن- معادلات مصيرية معه وشبكة عقائدية يصعب انفكاكها، يعلن على لسان وزير خارجيته قبل أن يغادر أنقرة متوجهاً إلى دمشق بأن حكومته “تتفهّم” الحاجة إلى عملية عسكرية تركية جديدة ضدّ المقاتلين الكرد في سوريا”!
هنا أتساءل: هل وصل عبد اللهيان إلى سوريا بهدف الضغط على نظام الأسد من أجل غض البصر عن العملية التركية، والسماح لأردوغان بقضم المزيد من الأرض السورية بعد أن عاد الأخير من قمة دول الناتو معززاّ بتأييد ضمني لأعضاء الحلف بأن يمضي قُدماً في عمليته؟ أم أن إيران أصبحت لها اليد الطولى في قصر المهاجرين بما يتفوّق على السلطة الروسية المطلقة هناك، وأنها تغتنم فرصة انشغال موسكو الكامل بحربها على أوكرانيا لتنقضّ على متبقّى من تكايا القرار “السيادي” السوري، وتقلب الموازين، وتبدّل طرابيش التحالفات لترضي تركيا من جهة، وترسل إشارات واضحة إلى واشنطن بأنها قادرة على التفاوض على طاولة السلام حين يطيب لها ذلك؟
الولايات المتحدة من جهتها كرّرت تحذيرها لأنقرة من عواقب هجوم محتمل على شمال سوريا، ورأت في العملية التركية المرتقبة تهديداً صريحاً للاستقرار، وتعريض حربها بالتعاون مع حلفائها في قوات سوريا الكردية (قسد) على التنظيمات الإرهابية من داعش وأخواتها إلى الخطر.
من نافلة القول أن طهران وأنقرة تشتركان في العداء لمنظمة PKK الكردية التي تنفّذ منذ عقود عمليات عسكرية في كل من إيران وتركيا. إلا أن إيران تدّعي في الوقت نفسها دفاعها عن وحدة الأرض السورية وسيادة دولة الأسد. فهل انقلب السحر على الساحر في قصر المهاجرين وستكون المنطقة الآمنة التركية هي الطعنة الكبرى التي توجهها طهران لنظام دمشق إثر أن استنفذت كل حاجاتها منه وغدا بعد انتهاء صلاحيته عبئاً ثقيلاً عليها، سياسياً ومادياً؟ أتساءل!
WIHA.US