«أوجلانيو سورية» في مؤتمرهم البلجيكي: فصام ونسيان للأسد
هوشـــــــنك أوســــــي
في حوار مطوّل مع الكاتب والصحافي السوري نبيل ملحم، أجري عام 1996، ونُشر في كتاب «قائد وشعب: سبعة أيّام مع آبو» (الطبعة الأولى؛ دار أخيل (دار نشر وهميّة) 1996 – دمشق. الطبعة الثانية؛ دار الفارابي 1999 – دمشق)، قال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان كلاماً في غاية السوء عن كرد سورية وقضيتهم.
هذا الكلام، كان وما زال محط استثمار وتجيير كل من يشكك أو يعادي ويرفض المطالب الكرديّة في سورية، سواء كان داخل نظام الأسد أو في معارضته. ونفى أوجلان في ذلك التصريح، وجود جزء من كردستان داخل الأراضي السوريّة، ونفى وجود قضيّة (معضلة، كما سماها هو) كرديّة في سورية.
وأكد أن «غالبيّة كرد سورية أتوا من تركيا، بعد ثورة شيخ سعيد 1925»، و«إن الكردستاني يريد إعادة اكراد سورية إلى موطنهم. والسلطات السورية راضية عما يقوم به الكردستاني بهذا الخصوص»… وقال أوجلان كلامه ذاك، على رغم كل الخدمات التي قدّمها الشعب الكردي السوري للعمال الكردستاني، على الأصعدة البشري والمادي والمعنوي. إذ لولا دعم كرد سورية، في حينه وحتى الآن للكردستاني، لما كان الحزب على ما هو عليه حاليّاً. تلك التصريحات الأوجلانيّة الناكرة للوجود القومي الكردي في سورية تاريخيّاً وما يترتّب على هذا الوجود من استحقاقات وطنيّة وديموقراطيّة، أثارت في حينه جدلاً واسعاً وحالة سخط وتذمّر بين قواعد الحزب من الكرد السوريين.
فاضطرّ أوجلان إلى إطلاق تصريح جديد عبر تسجيل صوتي، أشار فيه إلى انه يمارس التكتيك (خداع النظام السوري)، وأن من لم يفهموه هم «اصحاب عقول الفئران، الذين لا يميّزون بين الاستراتيجيّة والتكتيك، ولا يدركون أهدافه ومراميه من اطلاق هكذا تصريحات». لاحقاً، وبعد التوقيع على اتفاقية اضنه التي بموجبها طرد اوجلان من سورية، مررت المخابرات السورية صورة عن جواز سفره (القبرصي) المزوّر إلى الاستخبارات التركيّة كي تعممه وتبحث عنه.
على رغم ذلك بقي أوجلان مخلصاً لنظام الأسد، ووصف الأسد الأب بأنه «صديق الشعب الكردي»، وأمر حزبه بالتحالف مع نظام الأسد الابن ضد الثورة السوريّة.
ما يعني أن كلام أوجلان عن ممارسة «التكتيك» كان محض تضليل للكرد السوريين، وأن أوجلان في حديثه مع ملحم كان يعني ما يقول. وبالتالي، حين ينتقد أنصار أوجلان من الكرد السوريين، التصريحات العنصريّة التي تصدر عن قيادات «الائتلاف» السوري بخصوص نفي وجود كردستان سورية، والتنصّل من الحقوق القوميّة للشعب الكردي في سورية، الأجدى بهؤلاء التوجّه إلى زعيمهم اوجلان الذي قال بحق كرد سورية وتاريخهم وقضيتهم كلاماً أسوأ مما قاله قادة «الائتلاف» السوري المعارض. ولا يمكن اعتبار ذلك، تبرئة لبعض المعارضين السوريين من المواقف الشوفينيّة حيال كرد سورية وقضيتهم العادلة، بقدر ما هو نصب للمرايا أمام الأوجلانيين السوريين كي يروا حجم التخبّط والتناقض الذي يعيشونه.
مناسبة الكلام السابق، هو قرار سلطة حزب «الاتحاد الديموقراطي» إجراء إحصاء سكاني (استثنائي) في ظرف استثنائي، في شكل منفرد، في المناطق الكردية السورية، لا يراعي الظروف المستجدّة، وحركة النزوح والهجرة والتغيير الديموغرافي الذي طرأ على التركيبة السكانيّة في المنطقة. إصرار الحزب على مشروعه وسط انتقادات كرديّة عديدة تستند إلى فرضية أن نتائج هذا الإحصاء لن تصبّ في مصلحة الكرد، وستظهرهم على أنهم أقل من الأرقام والنسب التي يطرحونها، بخاصة بعد هجرة مئات الألوف إلى تركيا وكردستان العراق وأوروبا. كما يرى البعض أن هذا الإحصاء، ستؤكد نتائجه المقولة الأوجلانيّة حول كرد سورية التي اطلقها عام 1996. وسيرضي النظام السوري ومعارضته على حدٍ سواء.
بالتوازي مع المشاريع المثيرة للجدل التي يطرحها حزب «الاتحاد الديموقراطي» في المناطق الكرديّة السوريّة، عقدت منظمة الحزب في أوروبا، قبل أيّام، مؤتمرها في العاصمة البلجيكية بروكسيل بحضور 500 شخص يمثلون تنظيمات الحزب في البلدان الأوروبية. بالإضافة إلى حضور رئيسي الحزب صالح مسلم وآسيا عبدالله، وممثلي بعض التنظيمات اليساريّة الميكروسكوبيّة الأوروبيّة. هذا المؤتمر وما رافقه من استعراض للقوة التنظيميّة، لم يدفع أحد من المؤتمرين إلى التساؤل: وماذا يفعل كل هؤلاء الأعضاء على الأراضي الأوروبيّة، طالما أن الحزب مسيطر على المناطق الكردية السورية، ويزعم إقامة فيديراليّة هناك؟!.
بتعبير آخر، لماذا لم يكن من مقررات هذا المؤتمر العودة الفوريّة إلى الوطن دعماً وتحقيقاً للمشروع السياسي والإداري والآيديولوجي للحزب الأوجلاني على الأرض الكردية في سورية؟!.
ذلك أنه بعمليّة حسابيّة بسيطة يمكن القول إن كل عضو مشارك في المؤتمر، يمثّل 20 شخصاً. هذا يعني أننا إزاء تنظيم يضم 10 آلاف شخص منظّم ضمن «حزب الاتحاد الديموقراطي». طبعاً من دون حساب المؤيدين الذين ربما يبلغون عشرات الآلاف. وعليه، هذا الحجم الجماهيري الكبير، الذي يتغّنى به الحزب ويتفاخر، هو دليل إدانة ضده، اذ إنه يساهم في شكل أو آخر في تكريس ظاهرة الهجرة التي تهدد المناطق الكرديّة السوريّة في الهويّة والوجود.
وإلاّ لأصدر المؤتمر قرار العودة الفوريّة إلى الوطن، وجعله شرطاًعلى أعضائه ومؤيديه. وهذا ما لم يفعله ولن يفعله. لأن قياداته الموجودة في المهجر الطوعي هي أكثر بكثير من المتواجدين في الوطن. وعلى رأسهم رئيس الحزب صالح مسلم، ورئيسه السابق فؤاد عمر. وربما هذا هو السبب الذي يفسّر تجاهل المؤتمر مسألة العودة للوطن في شكل كامل.
من جانب آخر، فضحت مقررات المؤتمر تابعية «الاتحاد الديموقراطي» لـ «العمال الكردستاني»، في الوقت الذي ينفي فيه الأوّل ذلك حين يتم اتهامه بهذه التبعية. وبالتالي، ظهر الحزب وكأنّه حزب معارضة تركيّة، معني بشؤون كرد تركيا أكثر من شوؤن كرد سورية. ومن هذه المقررات:
1 – رفض واستنكار كل أنواع القمع والاحتلال الممارس بحق الشعب الكردي في روج آفا كردستان وفي شكل خاص احتلال تركيا مدينة جرابلس.
2 – استنكار العزلة المفروضة على قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان وتنظيم نشاطات من أجل حرية القائد عبدالله اوجلان.
3 – تنظيم الجالية السورية في اوروبا.
4 – العمل على إنشاء جسر ثقافي فني بين روج آفا وأوروبا لنقل الثقافة الكردية إلى أوروبا ونشرها بين الجالية الكردية.
5 – العمل على إنشاء مجموعة إعلامية تابعة لمنظمة الحزب في أوروبا.
6 – تصعيد عمل المرأة والمرأة الشابة في أوروبا والعمل على تنظيمهن.
7 – على جميع الأعضاء تلقي تدريبات سياسية تنظيمية (في أوروبا).
8 – المشاركة في كل التظاهرات والنشاطات المستنكرة لهجمات الدولة التركية ومرتزقة «داعش» على الشعب الكردي (في أوروبا).
9 – العمل على ضم أعضاء جدد إلى التنظيم (في أوروبا). وتشكيل إدارة من 25 عضواً.
بعد كل هذه المقررات التي تكرّس اللجوء والهجرة الكرديّة في أوروبا، تضمن بيان المؤتمر مقرراً خجولاً، يتناول موضوع الهجرة بالقول: «العمل والنضال من أجل عودة المهاجرين إلى أرض الوطن والتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة». من دون توضيح آليات العلاقة بين الحزب والأمم المتحدة بهذا الخصوص.
والحق أن بعض المقررات الصادرة عن المؤتمر والتي كانت مثار تندّر على صفحات (الفايسبوك) كـ «تصعيد النضال ضد الليبرالية». علماً أن هذه الأنظمة الليبرالية – الرأسماليّة هي التي فتحت أحضانها لهؤلاء المؤتمرين، وبل إن أميركا، تدعمهم بالسلاح!.
قصارى القول: يعيش حزب الاتحاد الديموقراطي، حالة من التخبّط وانعدام التوازن والتصالح مع الذات، وفقدان البوصلة، إذ يزعم أنه مع المعارضة السورية، ولكنه ينسق مع النظام!.
يزعم محاربة الليبرالية والراسمالية ويتهافت نحو التحالف والتنسيق معها، ونيل الرضا منها!. يزعم انه مستقل عن «العمال الكردستاني» وهو يزايد على الأخير في حبه وتأليهه لأوجلان وتبنّي طروحاته!.
هو الحزب الكردي الأكثر مطالبة بالديموقراطية وأخوة الشعوب والعدالة والحرية، ولكنه الأكثر قمعاً وستالينيّة في التعامل مع الكردي الذي يختلف معه أو يعارض سياساته وتوجهاته، وسجون سلطة الحزب مليئة بالنشطاء السياسيين المعارضين له!. هو الحزب الأكثر حديثاً عن الوطن الوطنيّة، ولكن معظم قادته موجودون في أوروبا (رئيسه السابق والحالي نموذجاً). باختصار، ممارساته تشير إلى أنه يسير بعكس اتجاه ما يزعمه من شعارات وأهداف وما يطلقه من تصريحات.
الحيــــــــــــــاة