آراء

أوربا على شفا حرب عالمية ثالثة

هيئة تحرير جريدة يكيتي

بقلم: فؤادعليكو

قبل بدء الحرب بأيام قليلة كتبت مقالاً تحت عنوان (بوتين وحلم الإمبراطورية الروسية وسياسة اللعب على الحافة) واستنتجت حينها بأنّ روسيا ستغزو أوكرانيا لا محالة، ما لم يتمّ تلبية مطالبها ، التي تتلخّص بتخلي أوكرانيا عن إقليمي غدانسك ودانباس إضافةً إلى عدم انضمامها للحلف الأطلسي ،وكذلك تخلّيها عن المطالبة بجزيرة قرم التي احتلتها روسيا عام ٢٠١٤، كما ذكرتُ أيضاً بأنّ الغرب غير مهيّأ للتدخل عسكرياً لصالح أوكرانيا، وهذا يعني إسقاط النظام الأوكراني وإحلال بديلٍ موالٍ لروسيا.

ما أن بدأ التدخل الروسي في ٢٤ شباط الفائت والتحرك السريع للجيش الروسي في عمق الأراضي الاوكرانية في الأيام الأولى للحرب ،حتى وصل إلى مشارف العاصمة كييف، حينها تقدّمت كلٌّ من أمريكا وبريطانيا بعرضٍ للرئيس الأوكراني بالترحاب به في بلدانهم، وهذا يعني سياسياً إرسال رسالةٍ واضحة إلى الرئيس الأوكراني ، بأننا لن نتدخّل في الحرب ومساعدتك عسكرياً وأقصى ما نقدّمه هو قبول لجوئك وقيادتك في بلداننا، لكنّ المعادلة تغيّرت فجأةً حين رفض الرئيس الأوكراني الخروج من البلاد وأكّد بأنه سيقاوم حتى النهاية، وتغيّرَ حينها أيضاً الموقف الأمريكي والبريطاني والأوربي تدريجياً أيضاً، والسؤال الأساسي: مالذي حصل حتى تمّ تغيير المواقف الغربية بزاويةٍ معاكسة تماماً للموقف السابق؟.

وعلى الرغم أنّ الإجابة على هذا السؤال ليس بالأمر اليسير ،لأننا لانملك معلومات دقيقة عما دار في مطبخ السياسة الأمريكية/ البريطانية الخلفية أو ما يمكن أن نطلق عليه :الدولة العميقة، لكنّ الوقائع على الأرض تؤكّد بأنّ أمريكا وحلفائها قد غيّروا سياستهم باتجاه المواجهة مع روسيا وجعل أوكرانيا ساحة هذه المواجهة،خاصةً بعدما لمسوا من الأوكرانيين استعدادهم للمقاومة حتى النهاية، بالإضافة إلى أنّ أمريكا شعرت تماماً بأنّ إرخاء الحبل لبوتين في التغاضي عن احتلاله لأوكرانيا؛ سوف ينعكس سلباً على الحلف الأطلسي ككلٍّ وأنه سيدفع هذا الموقف المتفرّج من أمريكا إلى غطرسة بوتين في العديد من الدول الأوربية إلى إعادة النظر في تعاملها مع أمريكا ومع روسيا ،بعيداً عن التحالفات القائمة حالياً بما فيها إعادة النظر في ضرورة وأهمية وجودها في الحلف الأطلسي، وإذا ما حصل ذلك فإنّ ذلك سيؤدّي بأمريكا إلى الانحسار في جغرافيتها، ما يؤدّي تلقائياً إلى خسارة أوربا كلياً وافساح المجال لروسيا للعب الدور الريادي في أوربا والعالم، وعليه فإنّ روسيا ستعيد دورها المفقود عالمياً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كقوةٍ رئيسية ثانية في العالم، لا بل أكثر عما كان في السابق، إضافة إلى أنّ الصين تراقب الوضع في أوكرانيا عن كثب و في حال نجاح الروس وبقاء أمريكا متفرجة على المشهد الحاصل، فإنّ من شأن ذلك أن تخطو ، هي الأخرى، خطوة مماثلة لروسيا باحتلالها لجزيرة تايوان الصينية التي تطالب بها منذ خمسينات القرن المنصرم.

وقد عبّر رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي في ٢٦ نيسان المنصرم صراحةً عن مخاوفه وتحذيره لأمريكا حين قال: ( إنّ التدخل الروسي في أوكرانيا سيعرّض النظام الأمني العالمي للخطر ما لم تدفع روسيا ثمن غزوها لأوكرانيا).

من هنا نفهم التحول القوي في الموقف الأمريكي والبريطاني والقيام بدعم الجيش الأوكراني بالاسلحة القادرة على مواجهة الجيش الروسي القوي، وكذلك بالضغط على الاتحاد الأوربي بعدم الوقوف على الحياد في هذه الحرب والوقوف إلى جانبها، وكذلك تفعيل دور الحلف الأطلسي عملياً في مواجهة روسيا عبر أوكرانيا.

وبهذا الشكل أصبحت أمريكا والحلف الأطلسي في حرب حقيقية مع روسيا ،وهكذا استطاعت أمريكا توحيد مواقف الناتو ثم الاتحاد الأوربي من جديد رغم ما يتبع ذلك من تبعاتٍ اقتصادية كبيرة على الأوربيين بسبب امدادات الغاز والنفط الروسي ،كما دفع هذا الموقف الأمريكي المتشدّد من روسيا دولاً مثل السويد وفنلندا التفكير جدياً في الانضمام لحلف الأطلسي وترك موقف الحياد جانباً، وقد تحذو دولٌ أخرى حذوهما كالنمسا ومالطا وسويسرا، وهكذا استطاعت أمريكا إعادة ثقة الأوربيين المتزحزحة كثيراً بأمريكا قبل الحرب الأوكرانية، وقد يعمل هذا الموقف الأمريكي الجديد على استعادة ثقة دول الشرق الأوسط بحليفها التقليدي أمريكا ، كالسعودية وإسرائيل وتركيا ومصر، التي تقف حتى الآن على الحياد إلى حدٍّ كبير في الحرب الدائرة في أوكرانيا، بسبب تجاهل أمريكا لمطالبهم في العديد من قضايا المنطقة الملتهبة .

إزاء هذا الواقع المعقّد لمجريات الحرب منذ ثلاثة أشهر ؟الذي يذهب باتجاه الخط البياني التصاعدي بعد تقديم أمريكا والناتو كلّ الإمكانات العسكرية والمادية الضرورية في استمرار أوكرانيا على المواجهة التي تهدف من خلالها إلى إركاع بوتين وتدمير كلّ طموحٍ لديه في تحقيق أهدافه ،وهذا ما لايقبل به بوتين ؛ مهما كانت كلفة الحرب، وهكذا اختفت كلّ محاولات التوصل إلى تفاهمٍ حول إنهاء الحرب، وبات يخشى جدياً من توسيع رقعتها إلى خارج حدود أوكرانيا أو لجوء الروس إلى استخدام أسلحة غير تقليدية كالكيميائي أو النووي المحدودة المجال في المرحلة الثانية من الحرب، وحينها ستضع أمريكا والحلف الأطلسي أمام واقع مختلف للوضع القائم حالياً،ولذلك إما أن تتراجع أمام اندفاع بوتين غير المحدود أو تدخل في صراعٍ مباشر معه، وهذا يعني بداية حرب عالمية ثالثة وبأسلحة تدميرية للبشيرية جمعاء، الأمر الذي لانتمنّاه ولايتمنّاه عاقل على الكوكب.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 298

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى