إتفاق شنكال وتداعياته ….
نزار موسى
كثرت تلك المآسي التي كانت من نصيب الإيزيديين عبر الزمن , وآخرها تلك التي عايشناها في آب 2014 إثر الهجوم الوحشي لعصابات داعش على قضاء شِنْكَالْ (سنجار) غرب الموصل بالقرب من الحدود السورية العراقية , والتي راحت ضحيتها الآلاف من الكرد الأيزيديين , حيث قامت تلك المجاميع بسبي نسائهم، أما الباقي منهم فوجدوا أنفسهم في طوابير النزوح التي استقرت بغالبيتهم في مخيمات بالقرب من دهوك , أما الحال فقد أستمر بهم هكذا حتى قامت قوات بيشمركة كردستان في تشرين الثاني 2015 بتحرير المدينة , أملا في عودة الاستقرار ولملمة جراح أهالي المدينة المنكوبة ولم شملهم في مسقط رأسهم مجددا , ولكن ما استجد، هو أن مجاميع مسلحة معينة استغلت الوضع الأمني الهش هناك، وكذلك دعم حكومة العبادي في المركز لها، وحالت دون الاستقرار وعودة الأهالي لشنكال الجريحة .
ما فاجأ الكثيرين في بداية أكتوبر 2020 إعلان الحكومة العراقية عن اتفاق تاريخي مع حكومة إقليم كردستان العراق حول شنكال , عمادها عودة كريمة وآمنة لأهاليها وإخراج كافة المجاميع المسلحة غير الشرعية منها وإدارتها بشكل مشترك مع إقليم كردستان، بما يلبي طموحات أهالي المدينة أنفسهم , ينظر للإتفاق بأنه الحل الوحيد والمتوقع لوضع شنكال للطرفين المتفقين وكذلك لأهالي القضاء نفسه ,كون الحكومة العراقية الحالية ترغب في قطع الطريق على المطامع الخارجية على المنطقة هناك , وكذلك تحسين علاقاتها مع تركيا من خلال إبعاد تواجد حزب العمال الكردستاني من هناك، بالتالي إزالة أسباب التوترات فيما بينهما كدولتين جارتين , كذلك محققة من خلال الاتفاق إبعاد الميليشيات الولائية غير الخاضعة لسيطرتها من المنطقة الإستراتيجية تلك .
حكومة الإقليم يناسبها بالطبع إبعاد جميع تلك المجاميع المسلحة عن حدودها، متجنبة في ذلك خطر التدخلات الخارجية عن الإقليم , وعن شنكال نفسها كنقطة تلتقي فيها رغبتها مع رغبة المركز وخاصة بعد المحاولات الجريئة من الطرفين بتحقيق تقارب أفضل تجاه بعضهما مؤخرا , أما بالنسبة لأهالي القضاء القابعين في مخيمات النزوح , وقد طال إنتظارهم مع بزوغ بوادر الأمل في العودة الكريمة والآمنة إلى ديارهم , فرغبتهم تتحقق من خلال إبعاد هذه المدينة عن شبح المخاطر المحدقة بها من المؤتمرين بأوامر تلك المجاميع , والتي تنفذ أجندات بعيدة عن إرادتهم في مدينتهم .
بالعودة لمآلات الاتفاق , نرى بأن تواجد ب ك ك وحليفتها من ميليشيات الحشد اللتان أعاقتا الجهود الرامية للنهوض بالمدينة , وكذلك معها جهود الإقليم في مفاوضاتها مع المركز على شنكال , مما تسببت بدورها في خفض سقف الإقليم في مفاوضاته وصعبت عليه المهمة أكثر فأكثر , على الرغم من أن الأمم المتحدة والسفارة الأمريكية في بغداد كانتا جزءا من الاتفاق، مما شجع تلك القوى الداخلية والخارجية في مباركتهم المعلنة للإتفاق , إلا أن التنفيذ يبقى هو الفيصل من خلال جدية حكومة بغداد الجديدة وقدرتها في كبح جماح تلك الفصائل من ناحية , ووقف دعم مسلحي حزب العمال الكردستاني والذي أسس له العبادي آنذا ك , والكف عن دعمهم كورقة سياسية في وجه الكرد في العراق من ناحية أخرى .
يفهم من التوقيت بأنه يندرج ضمن آليات الكاظمي بدعم أمريكي لقطع أوصال إمتداد أذرع إيران في المنطقة , ويتزامن كذلك مع الضغط الأمريكي مؤخرا على بغداد مما أجمعت القوى العراقية بالوقوف خلف الكاظمي لتطويق هذه الفصائل غير المنضبطة , أما ما سرع من الاتفاق من طرف الإقليم فهي التطورات الأخيرة في المنطقة , و تقديم ب ك ك مبررات فاقعة لتركيا للتدخل بشكل أكبر في مناطق الإقليم الحدودية من جهة , ورغبة الإقليم في إبعاد نفسه عن الصراع الذي يلوح في أفق المنطقة من جهة أخرى , وقطع الطريق في أن تصبح أراضيها بيئة خصبة لتصفية حسابات أمريكية إيرانية بعد أن كانت بغداد المرشحة لذلك ولا زالت .
ولشدة الضغط مؤخرا على تلك الفصائل الشيعية تحاول بدورها جاهدة دفع حزب العمال الكردستاني لتمسك براية التنمر ورفض الاتفاق على شنكال علنا , وقد تدفعها لما هو أبعد من ذلك لتغيير بوصلة التركيز عليها علها تنجح في فك حصارها , لذلك عقب الاتفاق تصعيد متعمد من تلك الفصائل مع الكرد وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني فأحرق مقره ببغداد , محاولة إفتعال مواجهة مع الكرد وجرهم لمواجهة داخلية تجهز من خلالها على الاتفاق من جهة , و لملمة القوى المتحسسة من تقارب الإقليم والمركز والمكاسب التي سيجنيها الإقليم من أي إتفاق من جهة أخرى , وكسب تلك القوى لدعم موقفها في أزمتها لمواجهة الضغط الأمريكي عبر حكومة المركز عليها بشكل مباشر وإجماع رباعي المركز والإقليم والغرب والقوى العراقية الداخلية عليها للحد من سلوكها الولائي غير المسؤول في المنطقة .
المقال منشور في العدد 279من جريدة يكيتي