آراء

إرادة الأحرار لا تنال منها سقطات الزمن

قهرمان مرعي

في المحطات الكبرى و المفاصل الدقيقة , عندما تبنى آمال التغيير للقضايا المصيرية على العواطف أو تستند إلى عوامل غير متجانسة أو شروط غير منتجة , أو عناصر قوة غير متكافئة, أو شذوذ الحالة عن مثيلاتها , كم هي حالة الثورة السورية , يتعرض الإنسان بكينونته القلقة إلى هزات وتقلبات, تيلغ شدتها النسبية, حد الانهيار لدى البعض من هول التأثير, بينما يصاب البعض الآخر بالإنكفاء والتردد, متأثراً بدورة الزمن الفائت , جالداَ ذاته بالمراجعة المتكررة بالغاَ حد التسليم, في حين يبقى المؤمنين بقضية الحرية, قضية الإنسان الأساسية في الحياة  المناضلين من أجل نيلها , ماضون في تجديد الأمل على إراداتهم التي لا تُقهَر.
جلَّتْ تلك الإرادة بصورها المُشرِقة في المقاومة سواء من قبل المدنيين أو العسكريين في المدن المحاصَرة تحت القصف والتطويق والإبادة, وفي حالات الحرمان والمنع و الموت ,كما إن الإرادة الجماعية ( الكلية ) التي دفعت صمود هؤلاء البشر, حتى في لحظات الرحيل عن مدنهم, ستحكي لنا في مُقبِل الأيام عن قصصها المُرعِبة , عن بطولات الشهداء وإراداتهم الفولاذية و عن شقاوة الأطفال واليافعين واليافعات الذين واللواتي عايشوا وعايشن يوميات الحرب وهول الكارثة بكل تفاصيلها  . بحق أصبحت الثورة السورية عنوان عريض لقضية الإنسان و لقضية { الحرية } وعن قيم التضحية والإستبسال , في هذا العالم الغير منصف .
بما أنَّ قضية شعب كوردستان هي قضية حرية الإنسان, فإن إرادة الأحرار في مواجهة الإستبداد تبقى واحدة في كل مكان مع إختلاف التوجهات و الأهداف والرؤى وآليات العمل و ظروف الصراع , بحيث أخذت كل منطقة خصوصيتها النضالية في مواجهة النظام من واقع الحال, خلال عمر الثورة وهي تقترب من إتمام سنتها السادسة و بما أنَّ مشاركة الشعب الكوردي وحركته السياسية المتمثلة بالمجلس الوطني الكوردي في الثورة كانت ولم تزل سلمية, ولم يتبلور لديه فكرة حمل السلاح بمواجهة النظام بدعم أقليمي او دولي كما حدث في غالبية المناطق, بالرغم من التهيئة والاستعداد لتشكيل قوات دفاع ( كتائب مسلحة ) لحماية المدن والأرياف من تداعيات الحرب, بمبادرات ونفقات خاصة لمجموعات أو أحزاب بعينها منها حزب يكيتي الكوردي , تجنباً في الوقوع في فخ مؤمرات النظام من جر مكونات كوردستان سوريا من باقي القوميات والطوائف إلى الصراع , لكن حصل ما هو أسوء من تلك التقديرات عندما جرى الاتفاق بين النظام و حزب الإتحاد الديمقراطي – الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني , منذ بداية العام الثاني للثورة 2012 , فأصبحت سلطة الوكالة تمارس سياسات وأفاعيل  كانت من شأنها إفراغ المناطق ودفع سكانها الكورد إلى الهجرة وتجنيد الشباب بالإكراه للقتال في جبهات مفيدة للنظام من خلال إرهاب الشعب الكوردي و العمل على كسر إرادة قواه السياسية الحقيقة ومنظماته المدنية بالإعتقال والمنع في ظل ظروف الحصار والحرمان, والاستئثار بالمقدرات الاقتصادية, ناهيك عن تمكين الأحزاب والميليشيات والعناصر الموالية للنظام من الحركة بحرية, و الإستمرار في معادلة تبادل المنفعة على حساب القضية القومية للشعب الكوردي في سوريا ,كل ذلك يأتي في مسعى منه لسلب إراد النضال من نفوس الناس و تكبيلهم بالمزيد من الإجراءات القمعية التعسفية, و الترويج والتسويق للأفكار الأيدولوجية المنحرفة والهدامة .
لهذا بدأت الإصطفافات الحزبية للحركة السياسية الكوردية تأخذ شكلها الموسوم ما قبل الثورة من خلال الموقف من النظام و الموقف من إيجاد حل عادل للقضية القومية الكوردية وفق العهود والمواثيق الدولية و ضمانات القوى الكبرى المؤثرة في الملف السوري و أتجهت إرادة الكثير من الشخصيات والإحزاب المترددة والمشكوكة أصلاً في مواقفها نحو أفقها المسدود وخياراتها المستنسخة من إرثها السابق, سواء ما يتعلق بجوهر قضية الحرية أو الإقتراب من هوامشها, والتوجس من الدخول إلى عوالمها الشاسعة الرحبة.
توهم البعض بأن مجرد إنتصار النظام وحلفاءه الروس و الايرانيين والميلشيات وكل ما يمثله حلف الشر في شرق حلب, و بعض مناطق ريف دمشق, بأن الثورة السورية في طريقها إلى الإنكفاء , لهذا أنهم لم يتمكنوا من قراءة اللوحة السياسية لأطراف الصراع في سوريا وانعكاس التنازعات الإقليمية و الدولية على الساحة ذاتها , حيث يذهب بعض الأطراف وخاصة الروس والايرانيين والاتراك إلى التوافق الظاهري في حين يبقى الخلاف الجوهري للمتصارعين رهن تبلور موقف واضح من الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن سوريا, وهي تقترب من لحظة تسلمها مهامها في إدارة دفة الصراع في العالم .
لهذا فإن أصحاب الإرادات الخائرة لن يتمكنوا من جر الأحرار إلى المواقف المتخاذلة  مهما بلغوا من تحركاتهم بالإقتراب من المحظور و العودة إلى مدارات فلك النظام  ومؤمراته وإجرامه , كنترون سالب و هم لا يكترثون بالتصريح عن توجهاتهم بعد استنفاذ فرص الكسب السياسي الآني , ربما لا يدركون جيداً ما يترتب على التصرفات تلك من تداعيات على الموقف الكوردي الموحد , بدعوى الواقعية السياسية .
* نشر في جريدة يكيتي العدد235 كانون الثاني/2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى