إسرائيل تكشف تفاصيل عملية قصف المفاعل النووي السوري تقارير دولية
بعد مرور 15 عاماً على تدمير ما تزعم إسرائيل أنه مفاعل نووي سوري في صحراء “دير الزور”، يستحضر قائد سلاح الجو الإسرائيلي آنذاك، إليعازر شكدي، تفاصيل العملية العسكرية التي أطلقت عليها “خارج الصندوق”، بدءاً من التخطيط واتخاذ القرار وانتهاءً بتنفيذ العملية.
يستعرض شكدي في لقاء مطول نشرته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، بمناسبة “يوم الغفران” اليهودي، المصادف اليوم الأربعاء، خبايا العملية التي تعتبرها إسرائيل “تاريخية ومصيرية” وإحدى أهم العمليات الأمنية العسكرية التي نفذتها في تاريخها.
ويسترجع شكدي الساعات التي صدرت بها الأوامر بضرب المفاعل النووي السوري في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2007، موضحاً أن “الحديث يدور عن المفاعل النووي السري، الذي أنشأه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في صحراء دير الزور”. ويقول إن 8 طائرات مقاتلة، 4 من طراز f-15 و4 من طراز f-16، قصفت المفاعل النووي بأكثر من 17 طناً من متفجرات كان الهدف منها هو “إبادة المفاعل النووي بدون أن يعلم ويعرف السوريين ما الذي جرى وكيف تم ذلك”.
وتحدث شكدي عن سيرورة اتخاذ قرار تدمير المفاعل النووي السوري، منذ أن كان رئيساً لقسم العمليات في سلاح الجو الإسرائيلي، قائلاً: “قررت عدم الاكتفاء بالمعلومات الاستخباراتية والتحليلات فقط، وطلبت قراءة كل المواد المتوفرة عن الموضوع نهاية العام 2006، وحين تبوأت منصب قائد سلاح الجو، انتبهت فجأة لمعلومة غريبة نوعاً ما، وصلتنا من سورية. المعلومة لفتت انتباهي وطلبت توضيحاً، كيف يمكننا ربط الخيوط التي نتابعها مع بعض. وللتحري أكثر، أقمت طاقماً استخباراتياً خاصاً مع مختصين من استخبارات سلاح الجو، ومختصين من شعبة الاستخبارات العسكرية (آمان)، وتلقيت معلومات تؤكد أن دمشق تعمل على إنتاج سلاح نووي بالسر، مما أثار الشكوك حول الموضوع”.
ويضيف شكدي أنه قد “أنار الضوء الأحمر لدينا، بعدما أكد جهاز الموساد المعلومات بصورة كاملة في آذار/مارس 2007″، ورداً على سؤال للصحيفة حول معرفته ما إذا كان الأسد يمتلك فرناً ذرياً، قال شكدي، إنه “بدون أدنى شك، كان الحديث يدور عن حالة استثنائية ومختلفة عما كان متوفر لدينا، ويجب التعامل مع الموضوع بطريقة مختلفة تماماً، لقد شعرت بأن هذا الموضوع كبير جداً ويفوق قدرتنا، وكنت أفكر طيلة الوقت كيف بالإمكان نسف هدف بهذا الحجم، وفي المقابل كان الهدف أكبر منا جميعاً”.
ويسرد شكدي أنه في المرحلة الأولى من التخطيط والتحضير، توجه رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت، للولايات المتحدة، رغم قناعة أولمرت بأن إسرائيل هي الوحيدة التي يتعين عليها القيام بهذه المهمة، كي لا يتم “كسر” حالة الردع الإسرائيلية في الشرق الأوسط. واعترف شكدي بتجاهله الموقف الأميركي، مضيفاً: “قررت تجاهل توجه رئيس الحكومة للأميركيين، وبموازاة ذلك بدأنا بتحضير خطة سريعة وقاسية لإبادة الفرن النووي”. وأشار إلى أن جوابه لرئيس الحكومة الإسرائيلي سيكون إيجابياً في حال سأله عن جهوزية سلاح الجو للعملية.
ويشير المتحدث إلى أن الرد الأميركي الذي تلقته إسرائيل في شهر يوليو/تموز بشأن العملية كان سلبياً، “رغم عدم وجود أي تناقض مع موقفنا والمعلومات التي بحوزتنا، ورغم تسليمهم المواد المتوفرة لدينا، قرر الرئيس الأميركي حينها، بوش الابن، عدم ضرب المفاعل النووي السوري”. ويضيف: “من ناحيته، كان على إسرائيل عدم توجيه ضربة للمفاعل السوري، وفضّل أن يتم تسوية القضية بطرق دبلوماسية، حيث أرسل حينها الوزيرة كوندليزا رايس، وخلال لقائها رئيس حكومتنا أولمرت، أبلغها بصريح العبارة، إذا لم تقوموا أنتم (أميركا) بنسف المفاعل بدير الزور، فسنقوم نحن بالمهمة، ولا حاجة لمسار دبلوماسي”.
وحول كيفية تدمير المفاعل الذري السوري، قال شكدي: “لقد سخّرنا كل إمكانيات إسرائيل العسكرية لأجل تنفيذ هذه المهمة الجوية والأرضية. طُرح الكثير من المقترحات، ولكن مع مرور الوقت، أدركنا أنه تجب إبادة المفاعل دون التسبب باشتعال حرب في كل المنطقة”. وكي تتفادى إسرائيل تداعيات العملية، قررت ضرب المفاعل بنوعين من المقاتلات، وبثلاثة أنواع من الأسلحة المختلفة، بغية التمويه ولإتمام المهمة على أكمل وجه.
وبحسب شكدي حرصت إسرائيل على تنفيذ العملية دون علم “العدو” كما يزعم، ودون أن يعرف ما جرى وكيف تمت العملية، وأن سلاح الجو أنشأ فريقين من أجل تنفيذ المهمة بإتقان دون أخطاء. ورد شكدي على سؤال للصحيفة حول إذا ما كانت ستُقدم سورية على الرد، بأنه و”بعد مرور 15عاماً، ورغم معرفة الأسد أننا من ضرب المفاعل النووي، إلا أنه وجميع السوريين لا يعرفون ما جرى بالتحديد”.
وتطرق شكدي في مقابلته لدور رئيس الحكومة السابق وزير الأمن آنذاك، إيهود باراك، قائلاً: “مع تولي باراك منصب وزير الأمن في حينه، طرحت عليه الفكرة مع شرح مفصل في غرفة جانبية في قاعدة (حتسريم) الجوية، ونجحت بإقناعه بفكرتي، رغم أن الأمر لم يكن سهلاً، وكان على رئيس الحكومة ووزير الأمن وقائد هيئة أركان الجيش وقائد سلاح الجو، الإجابة عن ثلاثة احتمالات: إمكانية القضاء على الهدف، مخاطر العملية، وإمكانية تسببها بنشوب حرب”.
وأوضح شكدي أن الوقت كان عاملاً أساسياً في العملية: “كلما تأخر الوقت ستكون هنالك تطورات أخرى”. كما ويوضح أن رئيس الحكومة أولمرت، عقد عشية تنفيذ العملية جلسة في مقر إقامته، بمشاركة وزير الأمن، ورئيس هيئة أركان الجيش، ورئيس جهاز المخابرات (الشاباك)، ورئيس الموساد، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، مشيراً إلى أنه تم طرح كل المعلومات المتوفرة، “سألنا كل واحد من المتواجدين في الاجتماع ماذا يقترح بالنسبة للخطة الموضوعة، التي تم إقرارها وتنفيذها في نهاية المطاف”.
تلقي إمدادات عسكرية من أميركا لتنفيذ العملية
عرضت الصحيفة التي تجري المقابلة المطولة مع قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعازر شكدي، محادثة هاتفية بين الصحافي بن كسبيت (الذي أجرى اللقاء)، وبين رئيس الحكومة آنذاك إيهود أولمرت.
ويتطرق أولمرت للعملية بالقول، إن “القضية أساساً، قضية معقدة، فهي لم تكن قصف المفاعل فقط، إنما كيف يمكننا تدمير المفاعل دون أن يؤدي ذلك لنشوب حرب، لاسيما وأن إصبع الأسد كانت على الزر (في إشارة لاستعداد سورية للرد عسكرياً على الهجوم الإسرائيلي)، وتقديراتنا كانت أنه سيضغط عليه في حال نفذنا العملية”.
ويكشف قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق أنه علم بموقف الجانب السوري المحتمل في حال قصفت إسرائيل المفاعل بداية عام 2007، حين “تلقى السوريون معلومات مفادها أن إسرائيل والولايات المتحدة تنويان ضرب المفاعل في الخريف، الولايات المتحدة ستضرب إيران وإسرائيل ستقصف دمشق، وهذه المعلومات وصلتهم من دولة ثالثة، كانت في علاقة جيدة معهم، وقد أخرجت سورية بالفعل، بشهر يوليو/تموز عام 2007 صواريخ يتراوح طولها بين 30-60 متراً، وتم وضعها على أهبة الاستعداد، وكانت جاهزة للإطلاق صوب جميع المواقع الاستراتيجية في العمق الإسرائيلي، وكنا على علم بالأهداف التي سيقصفها السوريون، والمخاوف لدينا كانت أن يتم تفسير عملية قصف المفاعل، على أنها شرارة نشوب الحرب التي كان السوريون قد تلقوا إنذارات حولها، وأنهم سوف يمطرون إسرائيل بالصواريخ”.
وعبّر أولمرت عن خشية إسرائيل من سيناريوهات حرب محتملة مع سورية، الأمر الذي دفع المؤسسة الأمنية والعسكرية لتعجيل عملية قصف المفاعل النووي، إذ إن “الوقت كان ضيقاً جداً، وكانت إسرائيل خارجة من حرب لبنان الثانية مع نقص بالأسلحة والإمدادات التي كان لا بد من تجديدها، وكانت لدينا مخاوف من سيناريوهات سيئة وعليه تمت العملية بسرية تامة، وكنا نعلم أن الحرب يجب ألا تندلع في الشتاء، لأن الطقس سيحرمنا من ميزة جوية هائلة، أي يجب ألا ندخل أشهر أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني قبل تنفيذ العملية، لقد كان الوقت قصيراً. أحضر لي وقتها رئيس الأركان، غابي أشكنازي، قائمة طويلة تشمل عشرات الوسائل القتالية والأشياء اللازمة للحرب، فوراً أرسلت وفداً للولايات المتحدة، مساءً، ووصل في الصباح، وجلس مع ستيف هيدلي، مستشار الأمن القومي الأميركي”.
واعترف أولمرت بأن الولايات المتحدة قدمت الإمدادات العسكرية لإسرائيل، قائلاً، إنه في “بداية شهر أغسطس (آب)، سألنا الأميركان عن كيف نريد استلام الإمدادات، بسرب من الطائرات أم بالسفينة؟، افترضنا أنه سيتم تسريب الأمر إذا اعتمدنا طائرات جالاكسي، لذا فضلنا السفينة، قلنا للأميركيين إن الأمر عاجل للغاية، لقد جمعوا كل ما طلبناه من أسلحة، من مخازن الطوارئ والمخزون الموجود، من كل مكان وقاموا بتحميل سفينة ضخمة جداً، لا يمكن أن ترسو على شواطئ البلاد، لذا رست في جزيرة كريت، بعدها أغلقنا ميناء أشدود لمدة يومين، ونقلنا كل شيء في سلسلة سفن من جزيرة كريت إلى هنا، ثم جاءني رئيس الأركان وقال لي: أنا جاهز”.
وحول الخيارات العسكرية التي كانت مطروحة لتدمير المفاعل، قال أولمرت: “كان ذلك يوم الجمعة، 31 أغسطس (آب)، في منزلي في شارع بلفور (القدس المحتلة)، طلبت منهم تقديم جميع البدائل، لقد قمت بالتنسيق مسبقاً مع شكدي لتقديم البديل الذي أطلقنا عليها اسم “الموسيقى الصامتة”. استندت هذه الخطة إلى حقيقة أنه إضافة للمفاعل، سنقوم أيضاً بتدمير منظومة الصواريخ السورية بأكملها، من أجل منع أي ضرر استراتيجي قد يلحق بنا في حالة الحرب، في غضون ذلك، تغير تصورنا، لقد آمن كل من رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد بأنه يجب تنفيذ العملية بهدوء ودون رد فعل من السوريين. في نفس الاجتماع، قدم شكدي الخيار الهادئ، مع الحد الأدنى من الضجة، طلبت من شخصين إبداء رأيهما، الأول كان رئيس الأركان، غابي أشكنازي، الذي طلب مني تقديم توصياته في مجلس الوزراء، كما طلبت من وزير الدفاع، باراك، وفضل عدم إبداء رأيه، إلا أن نائب رئيس الأركان، موشيه كابلينسكي، طلب مني فجأة قول شيء ما، وأوصى بشدة بتبني توصية سلاح الجو، هذا هو الإجراء الصحيح والأكثر كفاءة والأفضل، على حد تعبيره”.
ولا ينفي أولمرت أن أحد البدائل العسكرية لتدمير المفاعل السوري كان عملية برية، إذ أوضح أنه كانت قد طرحت خطة “لعملية برية، ولكننا فضلنا ميزة العمل الجوي.. أسقطت الطائرات 17.2 طنا من المتفجرات على هذا المفاعل، لا أعتقد أن العملية البرية كانت ستحقق المطلوب، وكانت هناك أيضاً مسألة إعادة المقاتلين (الطيارين) من مسافة مئات الكيلومترات في عمق العدو إلى منازلهم سالمين”.
ويستخلص قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعازر شكدي، الدروس من عملية تدمير المفاعل في سورية، ويقول: “درسي الأساسي هو الصمت، أنظر إلى ما يحدث في الشأن الإيراني، وأنظر كيف تم التعامل بهدوء، في صمت، مع المسألة السورية، كان هناك صمت عملي نقي ومطلق، وأعتقد أنه كلما قلّ الحديث، كان ذلك أفضل، أفهم الجيل الحالي من القادة العسكريين والقادة السياسيين، وأنا أدرك حجم المسؤولية الملقاة على أكتافهم. ومع ذلك، أعتقد أنه من الخطأ الإفصاح عن الأشياء في الخارج”. وأكد شكدي أن إسرائيل كانت على أهبة الاستعداد لاندلاع حرب شاملة مع سورية، جراء عملية نسف المفاعل النووي، وأخذت بالحسبان جميع السيناريوهات، لكن سورية لم ترد بأي من هذه السيناريوهات.
الجيش الإسرائيلي يكشف وثيقة سرية بشأن المفاعل
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد كشف لأول مرة، مطلع الشهر المنصرم، عن وثيقة استخبارية تعود إلى عام 2002 حول غارة جوية على موقع تزعم إسرائيل أنه مفاعل نووي سوري “سري”.
وجاء في بيان صادر عن الجيش في 6 سبتمبر/أيلول، بمناسبة ذكرى مرور 15 عاماً على العملية العسكرية (خارج الصندوق)، أنه “في تاريخ 6 سبتمبر عام 2007، دمرت طائرات الجيش المفاعل النووي السوري في دير الزور، وفي الذكرى الـ15 لاستهداف المفاعل، يكشف النقاب، لأول مرة، عن وثيقة استخباراتية تعود إلى عام 2002، تضمنت تقديراً استخباراتياً بأن سورية تحاول دفع مشروع استراتيجي، لم يتم التعرف على مزاياه بعد، لكنه يثير شكوكاً حول اهتمام في مجال إنتاج تهديد نووي، من الجبهة الشمالية”.
كما أوضحت الوثيقة أنه “عُلم أخيراً، أنه في إطار هيئة الطاقة الذرية السورية يتم العمل (أو قيد التنفيذ) على مشاريع سرية غير معروفة لنا. المعلومات لا تشير إلى وجود خطة نووية فعالة، وإنما تشهد على اهتمام عملي في مجالات قد تؤدي إلى تطوير خطة، وتثير شكوكاً حول بدء العمل على تطوير خطة كهذه”.
وأعلنت إسرائيل للمرة الأولى عام 2018، أنها قصفت ما تزعم أنه مفاعل نووي سوري، عام 2007، معتبرة أن الهجمة تعتبر تحذيراً لإيران من استمرار تطوير أسلحة نووية. ونشر جيش الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت وثائق سرية، أتاح نشرها، وتُظهر صوراً من قمرة قيادة طائرة خلال القصف الجوي، وتدعي إسرائيل أن سورية كانت تبني مشروعاً نووياً بمساعدة من كوريا الشمالية، وكان من المتوقع تفعيله خلال أشهر معدودة.
العربي الجديد