آراء

إسكات التعليم سبيلٌ لعسكرة المجتمع

نزار موسى

أسفنا على النور وأهله ، ولقضيتهم المستقبلية ، و مجتمعنا الذي لطالما أرّقته تكراراً سياسات ممنهجة ، ومنها هذه المستقصية للحرية في التعلم وسبله وماهيته ، كما وتناولته بسطحية ، وخلّفت آثاراً سلبية جمًة على أجيالٍ تستحقّ أفضل السبل في إعدادها والرقي بها ، بآليات إعداد طاقاتٍ تنموية تنفق عليها القدوة في الكيانات ، من الغالي والنفيس في تجاربها ، في بناء نفسها وقواماتها البشرية الفاعلة في ديمومتها والسير بها ..

من الواضح وكما تعالت الأصوات الرافضة للاتّجار الإقتصادي بالمؤسسات التعليمية الخاصة في المنطقة ، عبر مساومات تعجيزية معها ، لإفقادها عمداً الجدوى الإقتصادية الموجبة لبقائها ، سيراً بها نحو الزوال ، ولتغييب ماتبقّى من المنافذ التي كانت ترفد الطلبة ورغباتهم إلى التعليم الجامعي المعترَف به، وما زادت هذه الإملاءات ذوي العلاقة إلا يقيناً بأنّ القضية ليست كامنة في أهلية دور العلم هذه ، ولا في اللغة الأمّ المزاوَد عليها ، ولاحتى في استراتيجيةٍ مفقودة أصلاً في مختلف مناحي الحياة الأخرى ، وخاصةً السياسية منها ، وإنما حتماً في حرية التعلم وكيفيتها ، كما في جدواها في قادم الأيام وماهيتها ، بالتالي مستقبل شعبٍ أتعبته الخطط في إستهدافه ، وهذا ما أدركته العامة ، وعبر الوقت وبلاشكّ ..

ولكن عندما تتعدّى الموجة المتلقّي و مستقبله لتصل للملقّن نفسه ، وهم كثر ، في لقمة عيشهم لإخضاعهم طبعاً وإرادتهم كفئةٍ رائدة يصعب إغفالها ، بسياساتٍ إنتقائية لمؤسساتٍ تأهيلية دون غيرها ، وفئة مكوناتية رئيسية دون غيرها ، وقطاعٍ حيوي ومستدام قبل غيره ، في تخبّطٍ واضح في أسلوب الإدارة الفاقدة للقرار ، جاهدة في أن تكيّف ماتصدر من هذه الفرمانات ،على واقع المنطقة ورغباتها، دون نتيجةٍ تُذكر ، غير آبهةٍ بالكوارث الإجتماعية والمستقبلية المحدقة بسكان المنطقة الواقعة تحت سيطرة هذه الإدارة والقوة العسكرية المتحكّمة بها، والتي بات همّها الأوحد في تعويض استنزافها بمَن كانوا أملاً في أن يكونوا في قاعات بناء الإنسان و إقناع الآخر ، وليسوا في ساحات الصراع ، لتلبية متطلبات استراتيجيات القوى الإقليمية والخارجية المسخّرة لها ، و لمصير الطلبة المجنّدين دون خيارٍ لديهم ..

تقييماً ومقاربةً أكثر للحدث ، تتغيّب البدائل لذوي الطلبة وازدادوا في حيرتهم ، وباتوا يتقاربون أكثر في قضية تأهيل بناتهم وبنينهم مع النفق المرير ، ليجدوا أنفسهم على طرقات النزوح الداخلي منها وكذلك الخارجي ، وبوتيرةٍ مؤثّرة على الواقع ، لتنجز استنزافاً لمكون المنطقة الغالب ، كغايةٍ باتت مرئية لأصحاب الخاطئ من السياسات المعادية لذاتها ، كما ورسّخت فقدان الثقة ، وأكّدت غياب مستقبلٍ واعد أنتظرته الأجيال القادمة حقاً و شرعية ، أقلّها على السوية التعليمية ،كأولوية لدى أولياء هؤلاء الطلبة ، ناهيك عن العجز الواضح في إدارة الملفات الإدارية المتكاملة في المنطقة ، مع تعدّي عتبة العشر سنوات المنصرمة من معاناة الناس ككلٍّ ، ودون تخطيطٍ أو نية لوضع لبنات حقيقية ، لحياة سياسية وإدارية وخدمية كريمة لمن هم خاضعون لتلك السياسات ..

عموماً وبالعودة للمنطق الذي يفرض نفسه ، بأنّ الملفات وسياسات إنجاحها تستوجب أن تكون في سلةٍ واحدة في تكاملها ، يسبقها العمل الجدي لبناء آليات استقرارٍ سياسي لكلّ من الداخل والمحيط ، واتّباع سياسةٍ بعيدة عن الشمول واللون الواحد ، حتى يتحقّق ذاك التكامل الفاعل والمطمئن للجميع ، وذلك بخطابٌ عقلاني ممهّد للعمل في الملف الإداري التشاركي المفيد للواقع ، والذي يؤمّن من خلاله المقبول من الأداء والخدمات ، بالتالي المناخات الصحية للمبادرات ، والطاقات النابعة من صلب المعاناة ، وتلك المؤهّلة خارجياً من تجارب الغير ، في أن تشارك في البناء كخطوةٍ في الإتجاه الصحيح.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد (302)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى