آراء

إسكان العشائر الكُردية والعربية في الجزيرة السورية من العهد العثماني إلى نهاية القرن العشرين.. تتمة

علي شيخو برازي

عهد الحكومات العربية في سوريا : في عهد ما يسمّى بالحكومة الوطنية في سوريا, كان هناك حوالي ستين عشيرة, بدوية رحّالة, ونصف مستقرة, وكان تعدادها أكثر من 300000 نسمة, منها ثماني قبائل بدوية : ( الرولة – الحسنة – والسبعة بطينات – السبعة عبده – الفدعان ولد – الفدعان خرصة وولد سليمان – شمس الزور – وشمر, ولا يتجاوز عدد نفوس هذه العشائر ستين ألف نسمة. أي بنسبة 1,5 % من سكان سوريا, وهي لا تزال إلى اليوم تنتقل في مختلف أرجاء البادية, وقد ترحل إلى البلاد المجاورة كالأردن والعراق ( وكانت سوريا تقسم إلى قسمين إلى منطقتين, بادية ومعمورة, وكان يقصد بالبادية : بادية الجزيرة الفراتية وبادية الشام, وفي المصطلح الشعبي يقال : ( الجزيرة والشامية), ومساحتها تبلغ حوالي 90 ألف كم مربع , أي نصف مساحة سوريا, وكانت الجزيرة السورية المساحة المناسبة للاستقرار والتحضر, لخصوبة تربتها وغناها بالموارد المائية, كونها تضمّ رافدي نهر الفرات, البليخ والخابور, وهذه المنطقة كان فيها عشائر نصف مستقرة, إذ أنّ إمكانية الاستقرار كانت كبيرة, وفق خطة وزارة الداخلية السورية . أما القسم الثاني الذي كان سكانه ينحصر على البدو, فكان خارج إطار قوانين الدولة, إلا إذا دخلت هذه القبائل ضمن المنطقة المعمورة, وقد فشلت كلّ محاولات سلطات الانتداب الفرنسي في سوريا, في تسجيل أبناء القبائل البدوية في سجلات الدولة, أما في عهد (الحكومة الوطنية) فتمّ تسجيل قسم من البدو في السجلات الرسمية, وصدر المرسوم التشريعي رقم 124 بتاريخ 21/5/1953.(المتضمن نظام العشائر، إلى إنهاء حالة العشائر, ونقل هذه الفئة من المواطنين من حياة البداوة إلى حياة الاستقرار, ولما كان ذلك الهدف لا يتحقق إلا بتهيئة الوسائل والأسباب اللازمة, ومعالجة شؤون العشائر معالجة عملية واقعية, تقرّبها تدريجياً في الحياة الحضرية, من حيث استعمال الأراضي الزراعية , فقد أصدرت وزارة الداخلية البلاغ رقم د / 1345 / م ت, المؤرخ 28م10/952 طلب فيه إلى المحافظين المختصين تأليف لجان خاصة تتولّى دراسة العشائر في شتى شؤونها, على أن تعني بوجه خاص أمور منها : 1 – كيفية تأمين الأراضي الزراعية لكافة أفراد العشائر . 2 – كيفية تأمين المياه اللازمة للري والشرب . 3 – كيفية تدارك رؤوس الأموال اللازمة لتحقيق هذه المشاريع, على أن تضمّ هذه اللجان الخاصة ممثلين عن دوائر الإدارة والعشائر والزراعة والري وأملاك الدولة . وبالرغم من عدم وجود أي مشروع خاص يتعلّق بتوطين العشائر في العمل الزراعي في السنوات الخمس الماضية , فإنّ مديرية العشائر العامة قد استطاعت خلال تلك المدة المذكورة أن تقوم بتوطين ما لا يقلّ عن 30 % من عشائر محافظة الجزيرة كعشائر: شمر , وطي , والجبور , والشرابيين , بالإضافة إلى الذين سبق توطينهم من قبل , والذين يبلغون 20 % من مجموع أفراد عشائر المحافظة . وقد استهدفت أعمال التوطين مناطق متعددة في الجزيرة , وأهمها منطقة نهر الرد الواقع شرقي الحسكة مركز المحافظة . (9)

وقد تطوّرت هذه الفكرة وأخذت منحى آخر في ظلّ التيار القومي العروبي, عهد حزب البعث العربي الاشتراكي , وآخر مشروع لتوطين العشائر العربية, في محافظة الجزيرة في القرن العشرين, بدأ بمرحلتين ( المرحلة الأولى التجريبية : 1959-1963 وهي عشر قرى قديمة جلب إليها مستوطنين من محافظات: درعا، السويداء، حماه، ادلب، و القرى هي : العريشة، المناجير، الأهراس، العامر، الأربعين، ليلان، أم الخير في حوض الخابور. ومستوطنة (قسرك) في منطقة درباسية ، وأخيراً مستوطنتي الزهيرية والأحمدية على نهر دجلة (10)

والمرحلة الثانية طبقت بدأ من عام 1973 بعد بناء سد الفرات , لكن هذه المشروع لم يكن بدافع استقرار العشائر, إنما للتغيير الديموغرافي, وللتضييق على الكُرد في الجزيرة, حيث تمّ الاستيلاء على أراضي الكُرد , وقاموا بتوزيعها على (العرب المغمورين) أغلبهم من عشيرة الولدة, الذين غمرت أراضيهم نهر الفرات إثر بناء سد الفرات في منطقة قلعة جعبر شمال مدينة الطبقة , وعرف بمشروع : (الحزام العربي) . والحزام العربي هو مصطلح يُطلَق على عملية استيلاء الحكومة السورية على أراضٍي زراعية تعود لفلاحين وآغاوات أكراد في محافظة الحسكة، ومنحها لفلاحين عرب قدموا من محافظتي الرقة وحلب وتوطينهم في محافظة الحسكة ، على طول الشريط الحدودي مع تركيا.

بعد تولى حزب البعث السلطة في عام 1963 في سوريا , طرح خطر تغير التركيبة السكانية في الحسكة. حيث عينت القيادة القطرية محمد طلب هلال في عام 1965 محافظاً للحسكة، وخلال فترته عملت القيادة القطرية بدءاً من عام 1966 على دراسة فكرة الحزام العربي ، أثناء تنفيذ مشروع سد الفرات.

وعمل على هذا المشروع حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1966, خلال المؤتمر القطري الثالث للحزب ، وقد نصت الفقرة الخامسة من توصيات المؤتمر على (إعادة النظر في ملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية – التركية ، بامتداد 350 كم وبعمق 10-15 كم، وهو شريط كان يتميز بوجود كتلة بشرية كُردية فيه، وخصوبة في الأراضي الزراعية. وتُعرف الأرض الزراعية في تلك المنطقة محلياً بـ (أراضي الخط العاشر) . واعتبارها ملكاً للدولة، وتطبّق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة . وقد وصل الحزام إلى أقصى حدوده من الحدود العراقية في الشرق إلى رأس العين في الغرب.

تشير دراسة أعدّها مكتب الفلاحين القطري التابع للحزب في أواخر عام 1966, إلى أنّ مساحة الحزام العربي بلغت 3,001،911 دونم، وبعد انقلاب آخر داخل حزب البعث، نجح حافظ الأسد في أن يصبح رئيساً لسوريا في عام 1970، وبدأ في تنفيذ الخطة في عام 1973. وتمّ تغيير اسم المشروع رسميا إلى (خطة إنشاء مزارع نموذجية تابعة للدولة في منطقة الجزيرة) .

بعد هذه التوصية، تمكّنت الحكومة السورية من الاستيلاء على مساحة زراعية قدرت بـ5250 كيلومتر مربع، فصارت جزءاً من أملاك الدولة. ومنح النظام السوري “المغمورين” مساحات زراعية اعتماداً على النسبة المطرية، إذ أعطى مساحات بين 150 دونماً بدءاً من مدينة ديريك (المالكية) الحدودية مع إقليم كُردستان العراق والمنطقة الكُردية في تركيا، بينما في مدينة سري كانييه (رأس العين) الحدودية مع تركيا، أعطى كل أسرة من (أسر الغمر) 300 دونماً .

وخلال شهر حزيران/ يونيو من عام 1974، كانت الحكومة السورية قد بدأت في محافظة الرقة بإعداد قوائم سجّلت فيها أسماء الفلاحين العرب الذين سيتمّ نقلهم من منطقة الطبقة إلى محافظة الحسكة، وبدأ تنفيذ أمر النقل، بموجب قرار صادر عن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، رقم 521.

وكلّفت الحكومة حينذاك كلّ من الأمين القطري المساعد لحزب البعث , محمد جابر بجبوج وعضو القيادة القطرية للحزب نفسه عبد الله الأحمد بمتابعة عمليات الاستيطان , وتأمين مساكن للأسر التي سيتمّ نقلها إلى محافظة الحسكة.

في خريف عام 1974، قامت الحكومة السورية بإنشاء مخيم مؤقت قرب مطار القامشلي الدولي، ونقلت إليه الأسر العربية القادمة من محافظة الرقة، وشدّدت الحراسة على مكان تواجدها، تحسباً لهجمات محتملة من أصحاب الأراضي الزراعية، ثم قامت ببناء القرى لنقلهم، وانتهت عمليات النقل والتوطين في ربيع عام 1975.

بلغ مجموع المساحات الزراعية الممنوحة للأسر القادمة من محافظة الرقة، أكثر من ثلاثة ملايين دونم في محافظة الحسكة، وكانت كلها تملكها عائلات كُردية بين آغوات وفلاحين .

وقامت الحكومة السورية حينذاك بالتكفل بالتكاليف المالية لبناء القرى ونقل الأسر العربية من محافظة الرقة إلى محافظة الحسكة، وترتيب عملية إعادة توطين القادمين على الشريط الحدودي . وبلغ عدد الأسر العربية التي تمّ نقلها من محافظة الرقة إلى منطقة الحزام العربي حتى نهايته، أكثر من 4000 عائلة عربية، انتشرت في قرى عدة أنشئت لهم، بمجموع بشري وصل إلى أربعين ألفاً، حينذاك، فشكّلوا نسبةً بلغت أكثر من 6% من مجموع سكان محافظة الحسكة .

بلغ حجم القرى الكُردية المتضرّرة من هذا المشروع 335 قرية، وبعضها أزيل وضُمّ إلى القرى المؤسسة حديثاً، وطالت الأضرار اللاحقة بالسكان الأكراد في محافظة الحسكة أكثر من 150 ألف نسمة .

وبلغ عدد القرى التي تمّ تأسيسها في الشريط الحدودي ضمن مشروع الحزام العربي (39) قرية ، قسمت حسب المناطق على النحو التالي :

أولاً: منطقة القامشلي، وهي العاصمة السياسية للكُرد في سوريا ، وكبرى المدن الكُردية في الجزيرة الفراتية، وتمّ بناء 12 قرية فيها، بدءاً من الشرق عند بلدة تربه سبيه (قبور بيض)، وصولاً إلى قرية غزالة على طريق عامودا، والقرى الحديثة هي :

المناذرة، الحرمون ، القحطانية ، حلوة ، التنورية ، أم الفرسان ، هيمو ، الثورة ، الحاتمية ، أم الربيع ، بهيرة ، الجابرية .

ثانياً : منطقة ديريك – المالكية ، 12 قرى من الشرق ، أي من ضفاف نهر دجلة نحو الغرب وهي :

عين الخضراء ، تل الصدق ، الصحية ، المصطفاوية ، تل أعور، تل علو1 ، تل علو 2 , الحمراء ، شبك , توكل ، معشوق , الجوادية .

ثالثاً : منطقة سري كانيه ، وهي المنطقة التي تمّ بناء قرى أكثف فيها ، إذ أنشئت 15 قرية حديثة ، وهي :

تل تشرين ، القنيطرة ، القيروان ، ظهر العرب، الأسدية ، برقة ، تل الحضارة ، تل الأرقم ، المتنبي ، أم عظام ، المثنى ، العنادية ، الزاوية ، الدهماء ، هنادي . (11)

وبعد ذلك، تفرّعت عشرات القرى من هذه القرى، وقام القادمون الجدد أنفسهم ببناء عدد كبير من القرى ضمن الأراضي الزراعية التي منحتها الدولة لهم، فتحوّلت كل قرية من القرى المذكورة على الأقل إلى ثلاث قرى .

أما في محافظة الرقة , مناطق سلوك ومنطقة تل أبيض وعين عيسى فتمّ الاستيلاء على (2233333 ) مليونين ومائتي ألف دونم ، كانت عائدة لحلف القبلي المللي، وزعامتها عائلة إبراهيم باشا ، وقبائل كُردية أخرى شرق نهر الفرات. (12)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – أكراد تركيا , إبراهيم داقوق, ص 51 – 69

2 – رحلة الهولندي الدكتور ليونهارت راوولف, الدار العربية للموسوعات, الطبعة الأولى 2008, بيروت – لبنان ., ص 143

3 – نظام إسكان العشائر في الدولة العثمانية, د. علي حسين عبد الله البسام, كلية الآداب – جمعة الملك فيصل, عشيرة الملّية نموذجا. ص 277

4 – نفس المصدر, ص 278

5 – نفس المصدر, ص 280

6 – قبائل بدو الفرات 1878, الرحالة الليدي آن بلنت , دار الملاح, دمشق – سوريا, الطبعة الأولى 1991, ص 417

* – نهر البليخ أحد روافد نهر الفرات في محافظة الرقة .

7 – مجلة الحوار, العدد 76, ص 75, 2020

8 – ص 73 البدو والعشائر في البلاد العربية, جامعة الدول العربية, معهد الدراسات العربية العالية, محاضرات ألقاها الدكتور عبد الجليل الطاهر, 1954 م .

9 – نفس المصدر , ص 93 – 94

10 – الحزام العربي في الجزيرة السورية, ص 8, د.آزاد أحمد علي, مركز رووداو للدراسات حزيران 2015

11- لمزيد من التفاصيل راجع كتاب : الحزام العربي في الجزيرة السورية ) مقدمة , تنفيذ ، نتائج (برزان مجيدو ) المهندس الزراعي عبد الصمد مجيد داوود،إصدارات حزب يكيتي الكُردي في سورية، القامشلي، 2003 .

12 – الحزام العربي في الجزيرة السورية, ص 10, د.آزاد أحمد علي, مركز رووداو للدراسات حزيران 2015.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “312”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى