إضراب منبج… أسباب كثيرة للغضب من “الإدارة الذاتية”
للأسبوع الثالث على التوالي، يعم الإضراب منطقة منبج غرب الفرات، احتجاجاً على محاولة “الإدارة الذاتية” في شمال سورية، الذراع الإدارية والمدنية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فرض مناهج تعليمية يرفضها سكان المنطقة وجلهم من العرب. وتفاقم التوتر في المنطقة بعد تظاهرات حاشدة مطالبة بالعودة إلى المنهاج الدراسي المعتمد في سورية، مع إجراء بعض التعديلات على مواد فيه، وتدخل قوى الأمن الداخلي التابعة لـ”الإدارة الذاتية” واعتقال مشاركين في التظاهرات والاعتداء على آخرين. وسبق إضراب منبج المفتوج عدة إضرابات شهدتها مدينة منبج احتجاجاً على فرض ضرائب كبيرة على السكان واحتجاجاً على قانون التجنيد الإلزامي.
إضراب منبج يشمل المدارس
بحسب مصادر محلية، يضم المنهاج الجديد الذي وضعته “الإدارة الذاتية”، مواد تتضمن مساساً بهوية وثقافة وديانة سكان المنطقة وجلّهم من العرب، فضلاً عن فرض ثقافة وأفكار مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان، والذي يُوصف داخل المنهاج بـ”الفيلسوف”. وتشير المصادر إلى أن المنهاج يروّج لخرائط جديدة في المنطقة، ما يؤسس لتقسيم البلاد، فضلاً عن تناوله الدين على أنه فلسفة جاء بها الأنبياء، إضافة إلى فرض تعلم اللغة الكردية على الطلاب العرب. ووسط إضراب منبج توقفت العملية التدريسية في مئات المدارس في المنطقة بسبب رفض الأولياء إرسال أبنائهم قبل العودة إلى المنهاج القديم المعتمد من وزارة التربية في حكومة النظام السوري مع تعديله.
ويبيّن الناشط الإعلامي السوري حامد العلي، وهو من أبناء المنطقة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك “إضراباً في المدارس للأسبوع الثالث على التوالي”، مشيراً إلى أن “فرض منهاج دراسي جديد هو السبب المباشر للاحتجاجات والغضب الشعبي، لكنْ هناك تراكم للمشكلات في المنطقة بسبب سياسات الإدارة الذاتية”. ويلخّص العلي مطالب إضراب منبج وأهالي المنطقة بـ”الإفراج عن كل من اعتقل خلال الاحتجاجات منذ ثلاثة أيام وبلغ عددهم ما يقارب 50 شخصاً، وحل المجالس التنفيذية والتشريعية، وإلغاء مناهج قسد التعليمية وسحبها من منبج، وسحب كوادر التربية وحل لجنة التربية ومحاسبة الفاسدين فيها”. ويضيف أن أهالي منبج يطالبون أيضاً بـ”إعادة النظر في الضرائب الباهظة على المحال في منبج، وتسهيل عملية الحصول على الكفالات للأهالي من خارج منبج، وتخفيف الجمارك، ورفع الرواتب والأجور”. وبحسب العلي، يطالب الأهالي بـ”افتتاح المشفى الجديد (في منبج)، وتوزيع مخصصات المازوت للسيارات والجرارات الزراعية وللمزارعين، وإعادة مهجري منطقة الشيوخ (ريف منبج) إلى قراهم، ومكافحة المخدرات بشكل جدي، وإعادة الممتلكات التي صادرتها قسد من الأهالي، ومكافحة الفساد والفاسدين في جميع الإدارات، وتعديل مواليد الشبان المطلوبين للتجنيد الإجباري، لكون قسد تغير بشكل دائم في سن الخدمة وتطلب أشخاصاً كباراً في السن”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنتفض فيها منبج بوجه “قسد”، إذ شهدت في عام 2021 حراكاً واسعاً احتجاجاً على سياسة التجنيد الإجباري التي تفرضها قوات سوريا الديمقراطية. تنبع أهمية منبج التي تقع إلى الغرب من نهر الفرات من كونها تتوسط الشمال السوري، وإلى الشمال الشرقي من مدينة حلب (نحو 90 كيلومتراً)، وتبعد عن الحدود السورية التركية نحو 35 كيلومتراً. ويشكل العرب غالبية سكانها، مع وجود سكاني محدود من الأكراد والتركمان والشركس في المدينة وريفها. يجعلها ذلك محط اهتمام كل القوى المتصارعة في سورية، فضلاً عن تحولها لمركز اقتصادي مهم. وتستحوذ “قسد” التي تشكل الوحدات الكردية القوة الضاربة فيها، وخصوصاً لجهتي القيادة والتوجيه، على المنطقة في منتصف عام 2016 بعد طرد تنظيم “داعش” منها تحت غطاء ناري من التحالف الدولي حينها. ولم تنجح كل محاولات النظام وتركيا لانتزاع المنطقة من سيطرة “قسد” طيلة سنوات بسبب قرار أميركي ببقاء المنطقة تحت سيطرة تلك القوات، الذراع البرية للتحالف الدولي لمحاربة “داعش”. كما ينص اتفاق موقّع بين أنقرة وواشنطن في عام 2018 على “إخراج قسد من منبج وتسليمها لفصائل سورية تابعة للجيش التركي”، إلا أن الاتفاق لم يطبّق.
أسباب غير مباشرة للغضب الشعبي
حول إضراب منبج والتطورات في المنطقة، يوضح الباحث السياسي حسن النيفي، وهو من أبناء منبج، لـ”العربي الجديد”، أن “فرض مناهج تعليمية تتنافى مع القيم الدينية والاجتماعية للسكان المحليين، هو السبب المباشر للغضب الشعبي في منبج وريفها”. ويستدرك أن هذا الغضب سبقته “احتجاجات مماثلة ومتكررة بدوافع مختلفة، بدءاً من رفض أهالي منبج لقوانين التجنيد الإجباري، مروراً بالاحتجاجات ذات الصلة بالواقع المعيشي والاقتصادي والخدمي”. وبحسب النيفي فإن “المشكلة تأتي نتيجة مسار تراكمي من المطالب المجتمعية يقابلها في الوقت ذاته مسار تراكمي من عدم الاستجابة لتلبية هذه المطالب من سلطة الأمر الواقع الموجودة، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى “تبلور شعور جمعي لدى المواطنين بأن السلطة التي تحكمهم لا يعنيها شأنهم، ولا ترى في مدينة منبج سوى منطقة نفوذ يجب استثمارها، ليس لصالح سكانها بل لصالح مشروع سياسي لا يرى أهالي منبج أنهم جزء منه أو أنهم الحامل الاجتماعي له”.
يضيف النيفي أنه “يمكن التأكيد أن حزب الاتحاد الديمقراطي (الحزب الكردي المسيطر في المنطقة بذراعه العسكرية “وحدات حماية الشعب”)، قد زرع جذور المشكلة حين لم يكتف بالسيطرة العسكرية والسياسية على المدينة”. ويوضح أن الحزب “أحكم سطوته على كافة مفاصل الاقتصاد، ولم يعد أمام السواد الأعظم من المواطنين إلا الآفاق الضيقة للعمل، كممارسة أعمال المياومة أو الوقوف خلف عربات الخضار أو سواها من الأعمال، الأمر الذي رفع وتيرة البؤس الاقتصادي والمعيشي في المدينة على العموم”.
وبرأي النيفي فإن “هذا الاحتقان الشعبي نتيجة الهاجس الاقتصادي ارتفع إلى حالة الانفجار حين أقدمت سلطات قسد على فرض مناهج تعليمية تتضمن نزوعاً أيديولوجياً يتماهى مع فكر حزب العمال الكردستاني”. ويعتبر أن “هذا الأمر جعل المواطنين المحليين يشعرون بأن السطوة الأوجلانية لا تستهدف أرضهم واقتصادهم فحسب، بل تستهدف تغيير بُناهم ومفاهيمهم الدينية والثقافية أيضاً، أي ثمة شعور لدى سكان المدينة بالخوف من التغريب الثقافي والاعتداء على القيم الدينية والتاريخ والحضارة”. بيد أن النيفي يعتقد أنه “ليس من مصلحة أهالي منبج الصدام مع قسد وإدارتها الذاتية”، مضيفاً: “ولكن عدم استجابة السلطات لمطالبهم هي التي تدفع الأمور نحو التصعيد، لذا يتوجب على سلطة الأمر الواقع أن تعيد النظر بممارساتها، كما ينبغي لها أن تفكر بما يريد أصحاب البلد وليس بما يريد حزب الاتحاد الديمقراطي وحسب”.
العربي الجديد