آراء

إعلان دولة كردية في شمال العراق ( إقليم كردستان حالياً ) مقومات ، تحديات ومخاوف

فرحان مرعي
إن حق الشعب الكردي في دولة قومية حق مشروع، كأي شعب أصيل يعيش منذ آلاف السنين على أرضه التاريخية في منطقة جغرافية معروفة تسمى بكردستان، أن هذا الحق يأتي متأخراً قياساً على أصالة هذا الشعب وتضحياته وكان من المفروض والمنطقي أن تكون
هذه الدولة قائمة على الأقل منذ بدايات القرن الماضي في أعقاب الحرب الكونية الأولى، ولكن مصالح الدول الكبرى حالت دون تحقيق هذه الدولة آنذاك، لا بل نستطيع القول إن تلك الحرب وسياسات الدول المنتصرة فيها عملت على تقسيم كردستان للمرة الثانية وألحقت أجزاء منها بالدولة السورية والعراقية وتشتت كردستان بين أربع دول مختلفة فيما بينها متفقة على احتلال كردستان ، مما عقدت من طموحات الشعب الكردي في إقامة دولته القومية ومنع الكرد من أي تطلع في بناء دولته رغم عشرات الثورات الكردية التي اندلعت في عموم كردستان، واليوم وبعد مائة سنة من ذلك التاريخ تعود إلى الواجهة مسألة إقامة دولة كردية في الجزء الملحق بالعراق شمالاً – إقليم كردستان حالياً- في أعقاب اندلاع ثورات وانتفاضات وسقوط أنظمة في الشرق الأوسط ونشوب حروب طائفية وخاصة في الشام والعراق حيث توجد أجزاء من كردستان ملحق بهذه الدول، وفي الأفق ملامح نشوء دولة كردية في الجزء الملحق بالعراق ضمن مشروع دولي شرق أوسطي كبير، إن قرار المبادرة بإعلان هذه الدولة لا يأتي من الفراغ وليس هو رد فعل وموقف ارتجالي من القيادة الكردستانية، إن هذه المبادرة تستند إلى تاريخ طويل من النضالات والثورات توجت باتفاقيات قانونية ودستورية مهدت الطريق شيئاً فشيئاً إلى مرحلة بناء الدولة ، إن مقومات وموجبات إعلان الدولة الكردية تبدأ من الثورات البارزانية ضد الحكومات الأجنبية والعراقية عبر عقود من الزمن، هذه الثورات توجت باتفاقية 11 آذار 1970 والتي اعترفت بالكرد، وبالحكم الذاتي لهم وكان هذا أول اعتراف دستوري عراقي بالكرد وإدارتهم لأنفسهم ذاتياً إلى أن وصلت الأمور إلى الانتفاضات الكردية عام 1991 وتشكيل مناطق الحظر الجوي على الأراضي العراقية بما فيها شمال العراق الكردي من قبل التحالف الدولي المناهض لصدام نتيجة دخوله إلى الكويت وإخراجه منها بقوة السلاح – حرب الخليج الثانية – وكان هذا الحظر بمثابة اعترف دولي بحماية الكرد من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من قبل الحكومة العراقية، أن هذه التراكمات الثورية ونضالات الشعوب العراقية أدت إلى سقوط الديكتاتورية الصدامية في عام -2003 بمساندة دولية- وتكوين دولة عراقية اتحادية فيدرالية تمتع الكرد فيها بإقليمهم الفيدرالي التي ضمت ثلاث محافظات عاصمتها اربيل وبعد عشر سنوات من وجود إقليم كردستان وبناءه، استطاع الكرد خلالها من تحقيق انجازات كبير ة سياسية واقتصادية واجتماعية وفي كافة مجالات الحياة اثبتوا للعالم إن الكرد جديرون بدولة مستقلة، إلى جانب أن القيادات الكردستانية استطاعوا خلال الفترة المنصرمة من تكوين علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية قوية مع دول العالم وكسب العطف الدولي في كل المعمورة وإعطاء رسالة وصورة للعالم إن الشعب الكردي تواق للحرية والعمل والبناء، شعب محب للسلام والتسامح ،ويرفض العنف والإرهاب وهو معتدل دينياً ، أن الوقت اليوم وأكثر من أي وقت مضى مهيأ لإعلان دولة كردية وخاصة أن المنطقة تشهد ثورات وانتفاضات وحروب تمتد من ليبيا غرباً إلى أفغانستان شرقاً ضد الاستبداد والديكتاتورية والعنف والإرهاب ، لا بد من هذا الزلزال أن يتمخض عن تبدلات كبيرة في السياسة والجغرافية وتغييراً للحدود الدولية بما يضمن إعادة الحقوق للمتضررين من الاتفاقيات الدولية السابقة وخاصة الكرد الذين ألحقت أراضيهم بدول المنطقة ظلما وعدواناً بعد اتفاقية سايكس بيكو.
إن المقومات والمقدمات الايجابية لإعلان عن الدولة الكردية لا ينسينا التحديات والمخاوف المحدقة بهذا المشروع، من هذه التحديات والمخاوف قضايا ذاتية داخلية وخارجية إقليمية ودولية، أن الأحداث الأخيرة التي جرت في العراق بعد 10- 6- 2014 وانتكاسة شنغال ودخول قوات إسلامية متشددة إرهابية داعش الى مناطق عراقية وكردية يدعو إلى التوقف والتفكير واخذ الدروس والعبر من هذه التجارب المريرة ، قبل كل شيء إن ترتيب البيت الداخلي الكردي تأتي في أولويات المسألة ،إن تماسك الكرد داخلياً، وحرصهم على وحدتهم القومية يأتي في المقدمة، إلى جانب بناء أسس الدولة القوية المستندة إلى بنية تحتية قوية، إن الأحداث الأخيرة في العراق – رغم تحرير الكرد لكركوك ومناطق كردية أخرى متنازع عليها وتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي الفيدرالي – كشفت عن هشاشة البنية التحتية لإقليم كردستان واعتماده كليا على الاستيراد من الخارج في كل شيء ، كما تكشف تفشي العقلية الاستهلاكية عند الشعب الكردي في الإقليم، أن بناء الدولة العصرية تستند أساسا إلى مجتمع منتج ،يأكل مما ينتج، وبناء منظومة دفاعية واقتصادية وصناعية وتعليمية وفكرية متكاملة يعطي الإقليم منعة وقوة . إن التحديات الخارجية والخطر الخارجي تأتي من الضعف الداخلي والذاتي، وفي مقدمة هذه التحديات تأتي التهديد المستمر من الدول المسيطرة على كردستان، إيران وسوريا وتركيا والشوفينية العربية في العراق والدول العربية الأخرى مع اختلاف في درجات الخطورة، وخاصة إن بعض هذه الدول تعيش حالة حرب وأنهاك في قوتها الاقتصادية والعسكرية مثل سوريا والعراق وتورط إيران في قضايا إقليمية ودولية مما يضعف من دورهم المرحلي وعدم القدرة المباشرة في مواجهة الكرد إلى جانب تغيير في المواقف التركية في عهد اردوغان الميال إلى السلمية والبراغماتية في تكوين العلاقات الدولية والإقليمية والميل إلى الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا وإقامة علاقات طيبة مع إقليم كردستان ، كما يجب إن نذكر إن التحالف الدولي الحالي وتعاطفه ودعمه للكرد في أعقاب مأساة شنغال يدفع الدول المنطقة إلى إعادة حساباتهم من جديد ويظهر من هذا الدعم ان القضية الكردية صارت جزء مهم من السياسة الدولية في المنطقة، وان أصدقاء الكرد من الأمريكيين والأوربيين جادين في هذة المرة في عدم ترك الكرد لقمة سائغة لإيران وتركيا وسوريا وغيرهم ومنع حملات الإبادة ضده كما حدث لهم في القرن الماضي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى