آراء

إلى أنصار العمال الكردستاني: لا تنهَوا عن خلقٍ وتأتون مثله…

هوشنك أوسـي

ثمة مئات الوثائق التي تؤكّد أن زعيم حزب العمال الكردستاني السيد عبدالله اوجلان، منذ سنة 1999 ولغاية اللحظة، يناشد الدولة والحكومات التركيّة المتعاقبة، وأبزرها حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، قائلاً: “إذا تمّ حلّ القضيّة الكرديّة في تركيا، سيكون الكرد والعمال الكردستاني في خدمة الدولة”. ويستدلّ اوجلان في مناشداته هذه على نماذج أو أحداث تاريخيّة كان فيها الكرد عوناً وسنداً للأتراك السلاجقة في معركة ملاذكورد سنة 1071 ضد الروم، وعوناً وسنداً للعثمانيين في معركة تشالدران سنة 1514، ضد الصفويين. وطالب أوجلان مراراً وتكراراً العثمانيين الجدد الاقتداء بالعثمانيين القدامى. وفي هذا السياق كرر أوجلان أمثولة الشيخ إدريس البدليسي الذي جمع العشائر والامارات الكرديّة تحت لواء دولة الخلافة العثمانيّة. ولكن، للأسف، لم تستجب السلطات التركيّة حتّى هذه اللحظة لأي من نداءات ومناشدات وعروض الخدمات التي قدّمها اوجلان طيلة الـ18 سنة الماضية. بمعنى آخر، أوجلان يريد ان يتعامل معه العثمانيون الجدد، تعامل العثمانيين القدامى مع إدريس البدليسي. علماً أن أوجلان نفسه، قبل اعتقاله، كان يصف البدليسي على أنه رمز الخيانة والعمالة، وهو الذي ساهم في الاحتلال العثماني ثم التركي لكردستان…الخ!.
على امتداد 18 سنة وأوجلان يقدّم التنازل تلو التنازل للدولة التركيّة، ويستمر في المناشدات والتحذيرات بضرورة حلّ القضيّة الكرديّة عبره، قبل ان يخرج “العمال الكردستاني من تحت سيطرته”. لكن، وللاسف، لم ترعِ الحكومة التركية الإسلاميّة أي اهتمام بنداءات وتحذيرات وتنبيهات اوجلان التي من ضمنها؛ “إذا تشكلت دولة كردية في كردستان العراق، ستكون خطراً على تركيا”. على امتداد هذه السنوات، حاول أوجلان إقناع الدولة التركيّة بأنه قادر على وضع الكرد وكردستان في خدمة الدولة التركيّة، في حال كانت هنالك تسوية الحد الادنى من الحقوق الكردية. ولكن دون جدوى. وبعد كل هذا، يأتي حزب العمال الكردستاني، وفرخه السوري: الاتحاد الديمقراطي، ويتهم الاحزاب الكردية الأخرى التي تخالفه بـ”الاردوغانية” والعمالة لتركيا؟!.
“رئيس” حزب الاتحاد الديمقراطي؛ صالح مسلم، زار تركيا سنة 2013 على خليفة دعوة وجهتها له المخابرات التركيّة. ولم يستشر مسلم وقتذاك “الهيئة الكردية العليا” ولم ياخذ برأي أي من الاحزاب الكرديّة المقرّبة منه، ولكنه، بكل تأكيد، أخذ موافقة العمال الكردستاني على تلك الزيارة. وحتى الآن، الشعب الكردي عموماً، والقواعد الجماهيريّة لحزب الاتحاد الديمقراطي، لا تعلم أي شيء عمّا دار بين مسلم والمخابرات التركيّة، رغم أن العمال الكردستاني وفرخه السوري، صدّعوا الرؤوس بحديثهم عن الشفافيّة!. ومع ذلك، يتهم مسلم وحزبه الاحزاب الكردية الأخرى بالتعامل والتخابر مع تركيا، وان هذه الاحزاب اردوغانية…الخ!.
من سنة 2009 ولغاية تموز 2011 كان العمال الكردستاني منخرط في مفاوضات سريّة مع الدولة التركيّة في العاصمة النيرويجية أوسلو. ومع ذلك، كانت قيادة العمال الكردستاني تتهم احزاب كردستان العراق، وتحديداً الديمقراطي الكردستاني، وزعيمه مسعود بارزاني، بالتعامل والتخابر مع النظام التركي؟!.
“إن “ب ي د” (الذراع السوري لمنظمة “بي كا كا” الإرهابية)، يستدرج الأكراد إلى المجهول، تحت مظلة وحماية الدول العظمى. وأن التاريخ سيكرر نفسه، وستخذل تلك الدول الأكراد من جديد. الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، تدعمان الأكراد، خصوصًا اكراد سوريا، لأنهم يمتلكون مصالح ونوايا محددة، فتركيا هي الوحيدة التي تقف في وجههما في المنطقة، ويمكننا إفشال مخططاتهما من خلال تعاون العرب والأكراد. هما (الولايات المتحدة وروسيا) يقولان لنضرب تركيا، من خلال الكرد السوريين، وعند تحقيق أهدافهما، سيخذلون الأكراد”، داعيًا الأكراد إلى التكاتف مع مسلمي الدول التي يعيشيون فيها (…) أعدو لعدم تخلي الأكراد عن الأبجدية العربية. أن الأكراد كرّسوا حياتهم للإسلام، وفي مجال الأدب. في حال تخلي الأكراد عن الأحرف العربية واستخدام اللاتينية، فإنه لا يبقى معنى كثيرًا لتاريخنا”.
هذا الكلام هو للشقيق الأكبر لصالح مسلم، القيادي في جماعة الاخوان المسلمين؛ مصطفى مسلم، أدلى به لوكالة الاناضول التركيّة الرسميّة بتاريخ 10/5/2016. مصطفى مسلم كان يعيش في العربية السعوديّة، مدرّساً في إحدى الجامعات الإسلاميّة في الرياض. وهو الذي أمّن فرصة عمل لصالح مسلم في السعوديّة في الثمانينات. مصطفى مسلم، متواجد حاليّاً في تركيا، وله مدارس ومعاهد إسلاميّة في أورفا. وكان يريد افتتاح معاهد ومدارس إسلاميّة في كوباني. وأعتقد ان له مدارس في منطقة منبج. وكانت له مؤسسة إغاثية ناشطة في كوباني، تقدّم المساعدات الإنسانيّة للمواطنين. هذه المعونات كانت تصل لعناصر قوات الاسايش ولعناصر وحدات الحماية الشعبية أيضاً. وهذا وفق تصريح رسمي لعبدالرحمن مسلم، الشقيق الأصغر لصالح مسلم، ووكيل مصطفى مسلم في كوباني.
ومع أن هذه المؤسسة الإغاثية ممولة من الدول الخليجيّة، بخاصّة العربيّة السعوديّة، وتقدّم خدماتها لعناصر ومؤيدي الاتحاد الديمقراطي، لكن كان مسموح لها النشاط والترويج والتسويق للتوجّه الإسلامي في كوباني. في حين كان يتم عرقلة نشاط مؤسسة بارزاني الخيريّة، بحجة أن معوناتها وخدماتها آتية من جهة سياسيّة مختلفة آيديولوجيّاً مع العمال الكردستاني!. ومع ذلك كان الاتحاد الديمقراطي يتهم الاحزاب الكردية الاخرى بالاردوغانية والتبعية لجماعة الاخوان ودول الخليج؟!.
الحق ان يكفي ان نضع اسم مصطفى مسلم (Mustafa Müslüm) في محرك البحث غوغل، حتى نعثر على عشرات الروابط التي تشير إلى من هذا الرجل؟ وطبيعة عمليه وفكره واداءه؟، والتصريحات التي أدلى بها وانتقد فيها العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي!، وحرّم العلاقة بين الكرد و”الامريكان واليهود والنصارى”!، وقام بتكفير الكرد المسلمين الذين يتعاملون مع هذه الجهات “الكافرة”!. ومع ذلك، لم يصدر حتى الآن، لا من صالح مسلم أو من حزبه، او العمال الكردستاني، أي بيان او تصريح بحق مصطفى مسلم وكلامه ومشاريعه وفتاواه…الخ!؟. في حين أن العمال الكردستاني وفرعه السوري، يتحيّن الفرص لمهاجمة وتخوين قيادات الاحزاب الكرديّة في كردستان سوريا وفي كردستان العراق؟!. لماذا لم يجرؤ صالح مسلم على انتقاد شقيقه حتى هذه اللحظة؟!. لماذا لم يجرؤ حزب الاتحاد الديمقراطي وجهازه الإعلامي والفيسبوكي على انتقاد مصطفى مسلم حتى هذه اللحظة؟!. ربما ليس لمصطفى مسلم علاقات مع التنظيمات الإرهابية والتكفيريّة المتطرّفة. ولكن، ما هو مؤكّد أن له علاقة وثيقة وقويّة مع جماعة الاخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا. ماذا يعني صمت الاتحاد الديمقراطي عن سلوك وأداء وتصريحات ومواقف مصطفى مسلم؟!.
على أيّة حال، اللافت في الجهار السياسي والإعلامي التابع للعمال الكردستاني وفرعه السوري، وربما يمكن اعتبار ذلك على انه شيء إيجابي، بأن هذا الجهاز يتجنّب اتهام المخالفين له بالعمالة والعلاقة مع نظام الاسد أو النظام الإيراني. ويقتصر الاتهام بالعلاقة والتبعية لتركيا واردوغانها. ويعود ذلك لسبب بسيط أن العمال الكردستاني وفرعه السوري هما صاحبيّ هذا “الامتياز” أو “الوكالة” في العلاقة مع هذين النظامين الطائفيين المجرمين.
في السياق ذاته، تداولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صورة تجمع بين مجرم الحرب مهراج أورال؛ (قائد إحدى الميليشيات التابعة لنظام الاسد)، وعنصرين نسائيين من عناصر حزب العمال الكردستاني. فوراً، هبّ الموالون للحزب الاوجلاني للنفي والشتم والاهانة والولولة…، واعتبار الصورة مفبركة وان مروّجوها عملاء لنظام اردوغان من المعارضة السوريّة…الخ. لكأنّ علاقة وتعاون وتنسيق العمال الكردستاني مع نظام الاسد لم يعد أمراً مكشوفاً ومفوضحاً، حتى تأتي هذه الصورة البسيطة كي تشير إلى وجود هذه العلاقة؟!. حاول الموالون للعمال الكردستاني العبث بالصورة على انها مفبركة، بحيث غيّروا خليفتها وأزالوا الصورة التي تجمع اورال واوجلان، لكنهم فشلوا في فكّ يدي الفتاتين من يدي مهراج اورال!. وبعد ذلك ظهر فيديو كشف دجل وزيف ادعاء انصال العمال الكردستاني. وان الصور حقيقيّة وليست مفبركة. وجماعة مهراج أورال هي التي كشفت عن هذه الصور وتسجيل الفيديو، وليس دوائر الحرب الخاصة التركيّة والاردوغانيين!. وغالب الظن ان النظام السوري أمر بالكشف عن الصور وملف الفيديو كي يحرج العمال الكردستاني وفرعه السوري، ويهددهما بضرورة البقاء ضمن حظيرة نظام الاسد.
وبعد الحرج والعجز والفشل الذريع في إنكار حقيقة الصورة والعلاقة بين الحزب وجماعة إرهابية تابعة لنظام الاسد، لجأ انصار العمال الكردستاني الى تكرار الاسطوانة السابقة على ان المعارضة افضل من النظام. وان مهراج اورال لم يؤذي الكرد، ولم يقتلهم…الخ، وتناسى هؤلاء ان أورال مجرم حرب، وأن نظام الاسد هو نظام الكيماوي والبراميل المتفجرة. وأن العلاقة مع هذا النظام لو لم تكن فضحية وجريمة ضد الانسانيّة، لما تستّر عليها العمال الكردستاني وفرعه السوري، طيلة هذه السنوات؟!.
وجه الغرابة في الامر أن انصار العمال الكردستاني، وبهدف التغطية على قباحة علاقة الحزب مع نظام الاسد وميليشياته الطائفيّة، صاروا يلجأون إلى بعض الاحداث التي جرت في مطلع التسعينات، كي يبرروا علاقتهم مع النظام الاسدي. ومع هذه التبريرات القول: ان مسعود بارزاني ذهب إلى بغداد والتقى بصدام حسين، مطلع التسعينات. ويجهل او يتجاهل هؤلاء أن بارزاني ذهب إلى بغداد بهدف التفاوض مع النظام العراقي وايجاد حلّ للقضيّة الكرديّة، وليس لعقد صفقة مع النظام! أو التعامل معه!. ثم أن بارزاني لم يذهب بمفرده. بل كان معه زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال طالباني. وأن ذهاب الزعيمين الكرديين الى بغداد كان بتفويض وتكليف الجبهة الكردستانية. وليس كما فعل ويفعل العمال الكردستاني في علاقته مع نظام الاسد الابن، بمفرده، ودون تفويض أو توافق كردي!. ثم أن بارزاني كان مجبر على الذهاب، لأن ما يزيد عن 2 مليون كردي عراقي نزحوا الى دول الجوار، وكان هنالك انهار من الدماء الكردي تجري.
ولم يقبل بارزاني بالحل الذي فرضه نظام بغداد، ولم يساوم على كركوك. وفشلت تلك المفاوضات. وكان مسعود بارزاني من أبرز القادة العراقيين الذين اسقطوا نظام صدام؟!. فهل يجرؤ العمال الكردستاني وفرعه السوري على فعل ولو 10 بالمئة مما فعله بارزاني مع نظام البعث العراقي؟!. هل يجرؤ العمال الكردستاني على التفكير في اسقاط نظام الاسد أصلاً؟!.
من جهة أخرى، دائماً يحاول انصار العمال الكردستاني، استحضار حادثة آب 1996 حين استنجد الديمقراطي الكردستاني بالجيش العراقي، في مسعى تبرير العلاقة مع نظام الاسد. هؤلاء يتغافلون أن هذه الصفحة السوداء، لم يعد يذكرها كرد العراق. ولم يعد يذكرها الاتحاد الوطني الكردستاني نفسه. بمعنى، اصحاب العلاقة طووا هذه الصفحة السوداء والمؤلمة، فلماذا يحاول انصار الحزب الاوجلاني إظهار أنفسهم أكثر حرصاً مع كرد العراق على تاريخيهم المؤلم؟. ثم ان تلك الحادثة جرت في أوج الاقتتال الداخلي الكردي – الكردي، حين كان العمال الكردستاني يهاجم الديمقراطي الكردستاني من الخلف سنة 1995-1996، والاتحاد الوطني كان يهاجم الديمقراطي الكردستاني من الشرق. بالنتيجة تلك الحادثة المؤسفة، كانت بنت ظروفها ولم تتكرر. بينما كوارث العمال الكردستاني، تتكرر في تركيا وسوريا والعراق وايران؟!.
حاصل القول: حين يضيق الحال بأنصار العمال الكردستاني وفرعه السوري، أثناء النقاش، فوراً يلجأون إلى الشتم والاهانة والاتيان بالمقاربات التاريخية غير المنسجمة والمتوازنة، وبل يلبسون الناس الافعال التي يقترفونها هم. والحق أنه لا ينطبق على حزب العمال الكردستاني وفرخه قول النحوي والشاعر أبو الأسود الدؤلي: “لا تنه عن خلق وتأتي مثله.. عارٌ عليك، إذا فعلتَ عظيمُ”، لأن الحزب ينهى عن خلقِ، ويأتي بأضعَاف أضعافه من الأفعال القبيحة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى