إنهم شعبنا، فليحذر المجرمون
ميشيل كيلو
مثلما لم يكن من الجائز السكوت عما ارتكبته مليشيا حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) من جرائم ضد العرب السوريين، لا يجوز السكوت عما يُرتكب من جرائم ضد الكرد السوريين، حيثما كانوا. وكما أن الحرية لا تتجزأ، فاما أن نكون جميعنا أحرارا، أو أن لا يكون هناك حرية لأحد، كما أن الوطنية والإنسانية لا يتجزآن، فإما أن نكون جميعنا، عربا وكردا وتركمانا وسريانا وأرمن وشركسا وشيشانا وآشوريين/ كلدانا … شركاء في الوطن بحقوق متساوية قانونيا، مصونة قضائيا، أو أنه لا يكون لنا وطن ولا نكون مواطنين. ليست الإنسانية بدورها لقوم دون آخر، إنها لا تقبل أن تكون كيفية، فإما هي حق لكل مواطن، أو أنها لا تستحق اسمها.
… عندنا في سورية قضية، وليس عندنا مشكلة كردية، وهي جزء من القضية الوطنية الديمقراطية العامة، التي ناضل الكرد دوما من أجل حل قضيتهم في إطارها، أساسه المواطنة المتساوية التي وعدتهم الثورة، أخيرا، بها. هذه القضية التي تجمعنا نحن السوريين، وتفتح أبوابنا بعضها على بعض، أخويا ووطنيا، لن تحل من دون حوار بين السوريين، يعتمد أسس النظام الوطني الديمقراطي وينطلق منها، لكونها مشتركة لدى جميع من يطالبون ويؤمنون بها. ولا يجوز لأي سبب تحويلها إلى مشكلةٍ لا تحل سلميا، وفي الإطار الذي يجمعنا، بل بالعنف، كما يحاول “العمال الكردستاني”، من خلال اللجوء إلى السلاح، للإيقاع بيننا وتقويض شراكتنا التاريخية في الوطن الواحد، واستبدالها بعداءٍ يشحن أطرافه بقدر من البغضاء والحقد، يثير لديهم الرغبة في الانفصال، لاستحالة التعايش بينهم، ولأنه لن يكون له من عائد غير اضطهاد العرب الكرد، بحكم طبعهم مستبدين يميلون إلى اضطهاد شركائهم في العيش المشترك، كما تقول دعاية “البي كا كا”، وانفكاك الكرد عنهم، بمجرد أن يستكملوا التحرّر من الروابط التي أبقتهم في وطن واحد معهم، وهو متاح الآن: بفضل سلاح “البي كا كا”.
ارتكبت أطراف العمل الوطني غلطة كارثية، لأنها تجاهلت اقتراحاتٍ متكرّرة تقدّمنا بها حول إجراء حوار وطني، يضم جميع “منتسبي الجماعة الوطنية السورية”، بشأن نمط الدولة الذي يريدونه بعد النظام الأسدي، وبشأن التزاماتهم حيال إقامته، من خلال مشاركة الجميع في الثورة، لإسقاط الأسدية التي اضطهدتهم. لم تفت اليوم أيضا فرصة إجراء هذا الحوار، الذي تتراجع حظوظه، بسبب ما ارتكبه “البي كاكا” من جرائم ضد العرب، ويرتكب منها ضد الكرد السوريين بيد بعض الفصائل في عفرين، ويطاول أساسا مدنيين لا يشاركون في القتال. تأجج العداء بين الطرفين الشقيقين، انسجاما مع سياسات “البي كاكا”وبعض الترك، ورغبتهم في تحويل القضية الكردية من التزام وطني متبادل ساحته الحوار السلمي والندي إلى مشكلةٍ لا تحل بغير السلاح الذي سيكون اللجوء إليه أشنع جريمةٍ، ترتكب ضد شعبنا في تاريخه المشترك، ليس فقط لأنه لا مسوّغ إطلاقا للسلاح، وإنما أيضا لأن جريمة كهذه ستدمر نسيج التآخي والتعايش الجميل، الذي صهرنا وجعل منا شعبا واحدا يشبه زهورا في حديقةٍ تحتاج رعاية، غذّاها التاريخ بمشتركاته، وتحفظ ذاكرتنا الجمعية حلوها الذي سيعيننا على إخراج مرّها من حياتنا الجديدة.
أوقفوا ما يرتكب من جرائم ضد كرد سوريين، هم إخوة لنا في وطنٍ لنا ولهم. لا يحق لأي سبب ارتكاب جرائم ضد آمنين سوريين، مهما كان انتماؤهم، ثرنا على النظام، لنضع حدا لاضطهادهم، وها نحن نقتدي به، ونرتكب جرائم ضد بعضنا بعضا، هي في حقيقتها جرائم ضد كل سوري ناضل بالأمس، ويضحّي اليوم، لرفع سيف الإجرام عن عنق شعبه المظلوم، أفرادا وجماعات.
العربي الجديد