آراء

إيران وصلت إلى المرحلة الأخيرة من احتلال سورية

فؤاد عليكو

بعد انتصار ما يسمى بـ (الثورة الإسلامية الإيرانية) على الشاه عام 1979م، أعلن الأب الروحي للثورة الإمام الخميني عن نفسه بأنه حامي القضية الفلسطينية ومحررها، ورُفع علم فلسطين فوق السفارة الإسرائيلية في طهران كما رُفع شعار (الثورة) الإسلامية العالمية ضد الظلم والطغيان والشيطان الأكبر (أمريكا)، لإزالة إسرائيل من الوجود ومناصرة المستضعفين على الأرض. كان لهذه الشعارات العاطفية أثرٌ بالغٌ في استقطاب تضامن الشارع العربي مع (الثورة) الخمينية، خاصة إذا علمنا أن للعرب ذكريات مرة مع الشاه المخلوع لدرجة تسميته بشرطي الخليج مع احتلاله للجزر الإماراتية الثلاث عام 1971م. في الوقت الذي كان التضامن العربي في أدنى مستوياته، حيث كانت العلاقات مقطوعة مع مصر بسبب توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1977، والعلاقات بين سورية والعراق متوترة جداً بسبب اتهام النظام السوري للنظام العراقي بدعم المعارضة السورية ضده، وجد النظام السوري في إيران الجديدة فرصة تاريخية لمساندته في صراعه الداخلي ومواجهة النظام العراقي، فكان من أول المعترفين بها والمصفقين لها، وتطورت العلاقات بشكل مضطرد بينهما خاصة بعد نشوب الحرب بين إيران والعراق عام 1980م والتي دامت ثماني سنوات، ووقوف جميع الدول العربية إلى جانب العراق باستثناء النظام السوري الذي وقف إلى جانب إيران، وبنى علاقات استراتيجية معها تحت ذريعة أن إيران تقف معه ضد إسرائيل. لكن الدافع الحقيقي للنظام كان طائفياً لا أكثر، وقد استغل النظام الإيراني هذه العلاقة مع سورية للتغلغل في لبنان، فتم تأسيس حزب الله عام 1983م، كحزب يلتزم بسياسة النظام الإيراني وولاية الفقيه (الخميني)، وتأسست في سورية جمعية الإمام المرتضى ذات التوجه التبشيري للمذهب الشيعي/العلوي بزعامة جميل الأسد شقيق حافظ الأسد، واستقطب النظام شريحة كبيرة من زعماء العشائر خاصة في المناطق الشمالية الشرقية من سورية، فكسب لنفسه أنصاراً من خلال تقديم بعض المغريات السلطوية لهم.

لعب الأسد الأب دور الموازن في العلاقة بين الدول العربية وإيران بذكاء، واستفاد كثيراً من ذلك في تعزيز سلطته داخلياً وخارجياً مما حول لبنان إلى مزرعة خصبة لجهازه الأمني وميليشيات حزب الله، إضافة إلى تقويض قاعدة الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان بالتعاون والتنسيق مع إيران وأمريكا وإسرائيل، ولا أدلَّ على ذلك من التعبير البليغ الذي أطلقه الأمين العام الأسبق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي حين قال: (وفجأة وجدنا أنفسنا حراساً لإسرائيل ونمنع دخول أي فدائي إلى فلسطين من الجنوب اللبناني). التجأ الشيخ إلى طرابلس بعدها ولازال حزب الله يلاحقه. لقد بدا واضحاً أن حزب الله كان بحاجة إلى مسرحيات حدودية مع إسرائيل لتعزيز مكانته في الشارع العربي ولبنان وقد تحقق له ذلك. إن الإيرانيين متميزون بالنفس الطويل والبراعة في إدارة العمل السياسي ويملكون القدرة الفائقة على إخفاء نواياهم وأهدافهم الحقيقية حتى لأقرب المقربين إليهم معتمدين في ذلك على مبدأ (التقية) المتبع لديهم كجزء من العقيدة منذ نشوء المذهب الشيعي، وبذلك يصعب فهم النوايا الإيرانية من تصريحاتهم الإعلامية اليومية. هكذا تغلغل الإيرانيون في لبنان بهدوء وبتغطية من النظام السوري، إلى أن كانت حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، واتهام النظام السوري بالاغتيال، فكانت المظاهرات العارمة في لبنان ضد الوجود العسكري السوري، وتضامنت معظم الدول العربية مع لبنان. استثمر الإيرانيون هذا العزل للنظام عربياً فوقفوا إلى جانبه بقوة من خلال جناحهم العسكري حزب الله، وبذلك فقد النظام ورقة الموازن تلك بين الدول العربية وإيران، وتحول إلى ورقة مساومة بيد إيران لا أكثر، عندها بدأ التغلغل الإيراني الكبير في سورية سياسياً واقتصادياً وثقافياً بعد لبنان حتى كانت الثورة السورية المباركة ضد طغيان الأسد الابن عام 2011م، ووقوف إيران وحزب الله إلى جانب النظام بقوة، فكانت البداية دعم النظام اقتصادياً وسياسياً ثم تدرّج الدعم صعوداً إلى توجيه حزب الله والميليشيات الشيعية الموالية في العراق إلى مؤازرة جيش النظام عسكرياً كقوات مساندة له وتعمل وفق توجيهاته.

لكن ومنذ بداية هذا العام تغيرت قواعد اللعبة العسكرية تماماً حيث استلم الضباط الإيرانيون زمام القيادة تحت إشراف قاسم سليماني أحد أبرز القيادات العسكرية الإيرانية، وأصبح جيش النظام تابعاً له عملياً ويأتمر بإمرته خاصة في العمليات العسكرية التي تحدث في القنيطرة ودرعا. يبدو أن هدف إيران هو خلق حزام أمني حول الحدود الإسرائيلية على غرار ما فعلته في جنوب لبنان، وكذلك ربط قواتها في جنوب لبنان مع قواتها في جنوب سورية، وبالتالي يكون الشريط المحاذي لشمال إسرائيل بكليّته تحت السيطرة الإيرانية. كل ذلك من أجل طمأنة إسرائيل من جهة وابتزازها من جهة أخرى إذا ما اقتضت الضرورة يوماً ما وتوترت العلاقات بينهما. كما بدأت بتشكيل ميليشيات شيعية في دمشق وريفها والحسكة ونبّل والزهراء، ترفع الأعلام الإيرانية، وقد تكون تحت اسم حزب الله السوري على غرار حزب الله اللبناني، لتستخدمهم كقوة ضاربة قادرة على مواجهة الجيش السوري مستقبلاً إذا ما تعرضت المصالح الإيرانية للتهديد أو إذا ما حاولت حكومةٌ ما في سورية وفي يوم ما الخروج من تحت عباءة النظام الإيراني كما هو حاصل اليوم في لبنان والعراق واليمن.

على ضوء ما تقدم فإننا نستطيع القول إن النظام فقد آخر ورقة من أوراق التوت التي يستر بها عورته، وأصبح مكشوفاً للجميع بأن النظام أصبح بمثابة حكومة الانتداب الإيراني لسورية، وأن المندوب السامي الإيراني قاسم سليماني هو الحاكم الفعلي في سورية، وهو الآمر الناهي والمتحدث الدولي باسم النظام، مما يوحي بأن مفاتيح حل الأزمة السورية موجودة في طهران وتحت جلباب آية الله الخامنئي وليست في دمشق، كما لايزال البعض يتمنى، وهكذا أصبحت سورية محتلة من قبل إيران بامتياز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى