آراء

استجداء الإعتراف بالحقوق من نظام فاقد الشرعية

قهرمان مرعان آغا
القاعدة في الشرق أن الحق يُنتزعْ ولا يُستجدى المطالبة به ، فلا بد من الصراع ،وأن يكون هذا الصراع دموياً ومدمِّراً ، قديماً لم تُبنى الحضارة السائدة على بنيان الحضارة البائدة ، بل على أنقاضها، واستمر الوضع في عهدنا الحديث على ذلك المنوال ، العسكر أنقلبوا على ملوكهم بالقتل والتدمير والنفي ، من خلال قطع الصلة بين الماضي والحاضر ، والتي أفضت بالنتيجة الى نشوء دكتاتوريات عائلية وطائفية، جلبت الخراب لبلدانها وشعوبها ، وهذا ما نعيشه اليوم ، في العراق على سبيل المثال ، وبعد وضع الدستور ، كان بإمكان أهل السنة المطالبة بإنشاء أقليم في مناطقهم أو محافظاتهم الادارية ، مع وضع خاص للعاصمة بغداد ،فلم يحدث هذا ، بل استمر الصراع منذ عام 2003 وتُوجَّت بغزوات (داعش) والنتيجة ستكون لا محالة بولادة ثلاث كيانات منفصلة و متصارعة ،كوردية ، سنية ، شيعية .
في اليمن بعد اقرار الفيدرالية كحل لبقاء وحدة البلاد ، عملت الأطراف المتنفذة ( الحوثيين والدكتاتورالمخلوع) الاستحواذ على السلطة بالقوة العسكرية ، وما تداعيات الحرب المدمرة بغض النظر عن مصالح وأدوار معظم الأطراف ، سيفضي بالنتيجة الى التقسيم ، بين محافظات الجنوب والشمال والحوثيين .
في سوريا ، وبعد دخول الثورة المنتصرة عامها الخامس ، اتجاهات الصراع تتبلور نحو كيان لا مركزي فيدرالي ، لأسباب تنوع القوميات والطوائف ، حيث عمل النظام الاسدي المجرم خلال حربه الكارثية على الشعب الى تعرية معظم المكونات من ردائها الوطني المفترض .
خلاصة القول إن الأنظمة العفنة والمشبوهة ، خلال عقود من تسلطها ، لم توفر لشعوبها فرص التعايش في إطار الصراع السلمي المدني ، ولم تدع الثقافات المتنوعة أن تتلاقح وتتدافع ، لتنمية أوطانها ، بشرياً وإقتصادياً ، بل تعداها الى إرتكاب أفظع الجرائم وأشنع الأفعال في بنية المجتمعات المكونّة لدولها ، و المنُقسمة اصلاً بولاءاتهاالمتعددة ، ما قبل المدينية و الحضرية .
لا شرعية النظام :
لا شرعية النظام المجرم القابع في دمشق ؟، تكمن في نشوئه بالإنقلاب العسكري واستمرار سياساته العنصرية والطائفية ، واستئثاره بثروة البلاد وأستكملتْ بفقدانه لأهليته القانونية والدستورية ( خرق دستورالأب 1973ودستورالإبن2012) بقتله لشعبه وخيانته لمبادئ شرعة الأمم في تهديد السلم الأهلي ، منذ بداية الثورة من خلال القتل وترويع المتظاهرين السلميين ، و ترويج فكرة المؤامرة وإلصاق التهم بمعارضيه ( المندسين ، العصابات المسلحة ، المؤامرة الخارجية ، الإرهاب … إلى آخره ) واستعمال الاسلحة الكيماوية وكافة صنوف السلاح التقليدي ، بما فيه الطيران الحربي وعشوائية الاهداف بمواجهة المدنيين العزل ، للتشَّفي و المكابرة و إزكاء روح الإنتقام والثأر ، بجعل البلاد ساحة صراع جاذبة للإرهاب الاقليمي والدولي ، والعمل على تشريد الناس بداعي الحاضنة الاجتماعية للعنف الوافد ، وتغيير ديموغرافية المناطق بدفع الشعب نحو الهجرة واللجوء للخارج ، مع ارتكاب أبشع المجازر في تاريخ البشرية بحق أبناء سوريا ، لم يعد النظام بحاجة الى ماهو خارج مكونه الطائفي في الداخل ، بمقدار حاجته الى استمرار تآذر حلفه المذهبي في الخارج ، ونحن امام بوادر القطيعة التامة وهو ما سيحسمه المعارك على الارض ، ليس إلا ، وما أحدثه زلزال عاصفة الحزم السعودية من إرتدادات على الوضع الميداني في مواجهة النظام ، قد يكون له تداعيات سياسية في المستقبل القريب على الموقف الدولي من القضية السورية .
دعوات الحوار:
حبذا لو حصل الحوار في بداية الثورة ، لكن الحركة السياسية الكوردية ،حينذاك لم تتجرأ في تجاوز الشارع الكوردي الثائر ، ناهيك عن معارضة معظم قواعد الاحزاب لفكرة الحوار من اساسه ، طبعاً كانت مناورة من قبل النظام ، وجزء من سياساته السابقة وألاعيبه ، كل الشعب السوري يتذكر الشيخ أحمد الصياصنة إمام جامع العمري في درعا وبعد استشهاد ولده والعشرات من الضحايا ، وهو يتحدث في تلفزيون النظام عن مبادرة الحل والدعوة الى الحوار ، لكن كان رد النظام الدفع بالإتجاه الأمني ومزيد من القمع والتنكيل ، فالنظام قائم على مرتكزات القوة العسكرية الغاشمة ، وبنيته الفاشية كانت تأبى الحلول السلمية ولم تزل .
وما دعوات الحوار مع هؤلاء القتلة بدواعي المصلحة القومية للشعب الكوردي ، وبحجة استمرار أمد النزاع ، سوى انحسار رؤية ، وسوء قراءة للواقع السياسي العام ، وتبسيط لقضية الشعب الكوردي في الجزء الكوردستاني الملحق بسوريا ، لأن حقوقنا كما اسلفنا يجب أن تنتزع من الغاصبين ، والحقوق كما رددها شيخ الشهداء معشوق الخزنوي لا تُعطى بل تُوخذ بالقوة ، ولن يجدينا نفعاً الاستجداء بمطالبتها من نظام فاقد الشرعية ، ليس بالنسبة للشعب السوري ، بل في النطاقين الأقليمي و الدولي ، وخاصة نحن أمام إنتصارات للمعارضة المسلحة ، وإنكفاء قدرات النظام العسكرية ، وانهيار في منظومته الأمنية والتي تتآكل لتصل إلى الدائرة الضيقة ،وخسارته لمناطق في الجنوب والشمال دون إمكانية استعادتها من الثوار ، وبالتالي المبادرة والهجوم نحو معاقله في الساحل ، في الوقت الذي يرتب المسؤل الأممي ( ديمستورا) كسابقيه ، لقاءات تشاورية مع اطراف المعارضة السياسية (الحركة الكوردية المتمثلة بالمجلس الكوردي جزء منه) و مع النظام لإيجاد مخارج للحل السياسي وفق مرجعية مؤتمر جنيف واحد والتي تتضمن رحيل النظام وانتقال السلطة ( تشكيل هيئة حكم إنتقالية تمارس مهام السلطة التنفيذية) ، و في الوقت ذاته تتكرر الدعوات للحوار معه للاعتراف بحقوق الشعب الكوردي ؟! .
تناسى اصحاب الدعوى بأن للنظام شريك كوردي مسلح (انصار بى،كى،كى) منذ بداية عام 2012 يمارس سلطة الأمر الواقع في كوردستان الغربية وقد دفع الآلاف من ابناء وبنات الشعب الكوردي حياتهم قرابين هذه الشراكة، كما تناسوا بأن الشريك الكوردي نفسه يرفض تقاسم الادارة والسلطة مع المجلس الكوردي ، على الرغم من الاتفاق المزدوج ، في هولير ودهوك ، ودون اية اعتراف من النظام المجرم، بحقوق الشعب الكوردي و على العكس ، يروج الطرف الكوردي لمفهوم الامة الديمقراطية العابر للقومية وبهذا يتفق ويتقاطع مع ما مارسه النظام في مواجهة الشعب الكوردي خلال حكمه وتسلطه وهو الإنكار بوجود قومية ثانية كوردستانية في سوريا لها خصوصيتها الثقافية المتميزة ،
يجب أن يعلم كل غيور على حقوق الشعب الكوردي القومية، بأن اردتنا لن تلين ولن تنكسر ونحن مندفعون في هذا الاتجاه ، لحين سقوط النظام او اختفائه في كانتونه في الساحل ، وأن سوريا بعد كل هذه الويلات لن ترجع دولة مركزية كما السابق، والحل الفيدرالي هوالأمثل ، إذا تلاقت إرادة المكونات المجتمعية حول ذلك ، وإلا إن التقسيم حاصل ، كما هو الآن على الأرض ،كما يجب أن لا يُنسى اصحاب الدعوات تطورات القضية الكوردية في اقليم كوردستان العراق الفيدرالي وفي كورستان الشمالية (تركيا) ، ولن نرجع الى قواعد اللعبة الأمنية التي يمتهنها غاصبي كوردستان على مر التاريخ .
المقاربة التاريخية:
الداعين للحوار يُقارنون وضع الحركة السياسية الكوردية في سوريا، مع قيادة ثورة ايلول العظيمة 1961 وقائدها السروك ملا مصطفى البارزاني ،واتفاقية 11آذار1970 التاريخية ، ويتناسون انتصارات الثورة وإرغامها لسلطة البعث العفلقي على الرضوخ لمطالب الشعب الكوردي في تحقيق الحكم الذاتي لكوردستان العراق .
السؤال ماذا تملك الحركة الكوردية من اوراق الضغط في مواجهة النظام الإرهابي، لدفعه إلى الاعتراف بحقوق الشعب الكوردي القومية ،إذا كان التبرير والتحجج بضعف النظام ، واقتناص فرص تخبطاطه السياسية ،للحصول على اعتراف ،فالشعب الكوردي بغنى عن مثل هذا من نظام خائن لشعبه ، وعلى العكس يجب العمل على بناء جسور التواصل مع معظم مكونات الثورة على الارض ، ترتيباً لحلول مستقبلية لمصلحة الجميع .وهذا ما عمله الجبهة الكوردستانية في مؤتمر لندن وصلاح الدين مع المعارضة العراقية ، أما تلبية دعوة المجرم الدكتاتور صدام بعد الانتفاضة 1991وزيارة بغداد من قبل الرئيسين مسعود البارزاني وجلال الطالباني في حينه كان خطأ جسيماً لمطالبة نظام مجرم مهزوم آيل للسقوط ، ارتكب الفظاعات والإبادة الجماعية بحق شعب كوردستان، حيث كان قرار مجلس الامن رقم (688) (عملية توفير الراحة) والحظر الجوي ، في إطار خط العرض 36 وحماية شعب كوردستان من العدوان والإهتمام الدولي بقضيته أكثر صدى من إصباغ الشرعية على العصابة المجرمة في بغداد ، وسقط النظام ولم يعترف بواقع اقليم كوردستان ،ولازال بقايا أيتامه يجرون اذيال الخيبة والهزيمة جراء غزوهم لأراضي كوردستان تحت برقع (داعش) .
آفاق المستقبل :
صيرورة التاريخ تقتضي التغيير وقد يكون هذا التغيير ناعماً لطيفاً في المجتمعات الواعية والمتحضرة، و لاشك يكون قاسياً و مدمراً وكارثياً في المجتمعات الغائبة عن الوعي، والمتخلفة ، كما يحدث في بلداننا، والنتيجة هي صعود قوى جديدة على انقاض أخرى قديمة ، وتحت رماد الحروب تطمس الجرائم بحق الانسانية و تصّنف في ملفات لدى تجار الحروب ، وتقبع في زوايا مظلمة، قد يحتاج اصحاب الشأن، الذين يقودون العالم بالروبوت الى نفضها وقرائتها من جديد، وحقوق الشعوب، هي كذلك، فالإرادة الدولية ليست غائبة ولكنها تستطلع الاوضاع من السماء، فيما الفرقاء يتقاتلون على الأرض .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى