استفتاء كردستان ووضع كركوك
Yekiti Media
حدّد إقليم كردستان العراق أخيرًا يوم 25 أيلول/سبتمبر موعدًا لإجراء استفتاء حول الاستقلال. فبعد سقوط الموصل في يد تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014، أعلن الرئيس مسعود بارزاني أنّ المنطقة ستجري استفتاءً حول الاستقلال، لأنّ العراق قد قُسّم أساسًا. وجدّد بارزاني دعوته لإجراء الاستفتاء في 2 شباط/ فبراير 2016. وأثارت الدعوة لإجراء الاستفتاء الغضب في بغداد مرارًا وتكرارًا، وسيشمل الاستفتاء هذه المرة مناطق كركوك، وخانقين، وسنجار ومخمور المتنازع عليها. ومن المتوقّع أن يفوز الصوت المؤيد للاستقلال، ولكن السؤال الحقيقي هو الآتي: هل من الممكن تسوية مشكلة كركوك والأراضي المتنازع عليها من خلال استفتاء من جانب واحد؟
وبعد انهيار نظام صدام حسين، تم إيلاء اهتمام خاص إلى كركوك من قبل صانعي السياسات العراقيين وغير العراقيين على حدٍّ سواء. ويعود ذلك بشكلٍ أساسي لحقيقة أن المدينة كانت نقطة خلاف بين الأكراد والحكومات العراقية المتعاقبة لأكثر من سبعين عامًا. وقد ألزمت المادة 58 من القانون الإداري الانتقالي من الدستور العراقي المؤقت في عام 2004 الحكومة العراقية “بالعمل على وجه السرعة لمعالجة الظلم الناجم عن ممارسات النظام السابق في تغيير الطابع الديموغرافي لبعض المناطق، بما في ذلك كركوك.” وفي عام 2005، تمّ اعتماد الدستور العراقي الجديد والتصديق عليه. وحلّت المادة 140 مكان المادة 58 من القانون الإداري الانتقالي، ودعت إلى عملية من ثلاث خطوات في كركوك وغيرها من الأراضي المتنازع عليها. وتتضمن هذه العملية “التطبيع”، ويليه إحصاء رسمي للسكان وأخيرًا استفتاء لتحديد ما إذا كان مواطنو كركوك يريدون الانضمام إلى إقليم كردستان. ووفقًا للمادة 140، كان من المقرّر تسوية وضع كركوك من خلال إجراء استفتاء في موعد أقصاه 31 كانون الأول/ديسمبر 2007. إلا أن هذه الموعد النهائي قد مرّ منذ فترة طويلة وبقي وضع كركوك على حاله.
وحاولت الأمم المتحدة أيضًا ايجاد حلّ لكركوك. ففي نيسان/أبريل 2009، قدّم الممثل الخاص للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا رسميًا تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) حول الأراضي المتنازع عليها إلى مسؤولي الحكومة المركزية العراقية ورئيس حكومة إقليم كردستان. وقد اقتُرحَت أربعة خيارات ممكنة لحلّ النزاع حول كركوك: 1) إعادة صياغة المادة 140 لجعلها واضحة ولا لبس فيها، أي توضيح الأهلية وتسجيل الناخبين والحدود المادية للمنطقة، 2) الحفاظ على وضع كركوك كمحافظة غير منظمة في منطقة، كما هي حال المحافظات العراقية الأخرى، 3) “العلاقة المزدوجة” التي تربط كركوك إداريًا بكل من بغداد وحكومة إقليم كردستان، 4) “الوضع الخاص” الذي يمنح كركوك سلطات إدارية خاصة مختلفة عن أي محافظة أخرى في العراق مع درجة عالية من الحكم الذاتي الإداري وتأثير مباشر أقل من بغداد وأربيل. غير أن التقرير لم يحظ بترحيبٍ حار، ورفضته كل من بغداد وحكومة إقليم كردستان. وشكّلت عدم قدرة الأطراف المتنازعة على الاتفاق على أحد الخيارات المذكورة أعلاه سببًا رئيسيًا لإغفال تقرير يونامي.
وقد قُدّم عدد كبير من الاقتراحات الأخرى من قبل أكاديميين ومراكز الأبحاث منذ عام 2003. وقد أوصت “مجموعة الأزمات الدولية” (ICG) على سبيل المثال بعددٍ كبير من الحلول. ففي عام 2006، اقترحت أن تصبح كركوك منطقة اتحادية قائمة بذاتها لفترة مؤقتة مدّتها عشر سنوات مع تقاسم السلطة بين مجتمعاتها الأربعة. ولكن لم يكن هناك أي حافز حقيقي للأكراد وبالتالي تم تجاهل هذا الاقتراح. وحدّدت “مجموعة الأزمات الدولية” حلًا آخر عام 2008 سُمّيَ اتفاق “النفط مقابل الأرض”. ومن شأن هذا الاتفاق أن يسمح للأكراد باستخدام حقول النفط داخل إقليم كردستان مقابل تأجيل المطالبة الكردية بكركوك. فرفض الأكراد هذه الصفقة أيضًا، وكان أحد التبريرات لذلك أن الاتفاق المقترح لم يعطِ الأكراد شيئًا لم يكن لديهم أساسًا، إذ إنّ المنطقة كانت قادرةً على إدارة حقل النفط والغاز الخاص بها.
وهكذا، فشلت جميع المحاولات لحلّ مشكلة كركوك منذ عام 2003. ومن أسباب العجز عن التوصل إلى حل لمشكلة الحوكمة هو لأنها ترتبط عادةً بمسألة الأراضي.
وقد ثبُتَ أن تسوية الصراعات الإثنية الإقليمية أكثر صعوبةً وإرباكًا من تسوية تلك المتعلّقة بالمصالح السياسية. وفي كركوك، حتى لو استطاع القادة التوصّل إلى اتفاق، سيواجهون صعوبةً في تبرير أي تنازلات إلى ناخبيهم، وذلك بسبب المطالبات العاطفية والتاريخية بالأراضي المتنازع عليها.
ولكن بعد سقوط الموصل عام 2014، بدأت حقبة جديدة في العراق يبدو فيها أنّ الأكراد هم الفائزين الرئيسيين وأنهم أقوياء بما فيه الكفاية وليسوا مضطرين إلى تقديم أي تنازلات. وقد استولت قوات البشمركة الآن على معظم الأراضي المتنازع عليها. وبعد وقت قصير من السيطرة على كركوك، قام بارزاني بزيارة المدينة وتعهد بأن قوات البشمركة لن تنسحب أبدًا. ومن وجهة نظر الأكراد، حررت البشمركة هذه المناطق وينبغي أن تلتزم كافة الأطراف بالواقع الجديد.
ويرى عدد كبير من الأكراد أنه بما أنّه لم يتمّ تطبيق المادة 140 وفشلت المفاوضات مرارًا وتكرارًا، فقد حان الوقت الآن لضمّ كركوك إلى إقليم كردستان من خلال إجراء استفتاء. ولكن من المتوقع أن يثير الاستفتاء مواجهةً مع بغداد والمجتمعات المحلية من العرب والتركمان الذين يعيشون فى الاراضي المتنازع عليها. والواقع أنّ الصراع العربي الكردي على كركوك وغيرها من الأراضي المتنازع عليها في فترة ما بعد “الدولة الإسلامية” سيشكّل التهديد المحتمل الأكبر للاستقرار في العراق.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن الاستخفاف بالوجود الكثيف لـ”وحدات الحشد الشعبي” وبدور إيران وتركيا. ويبدو أن القيادة الكردية تعي تمامًا هذه العقبات، ولهذا السبب سبق أن أعلنت أنّ هذا الاستفتاء لن يكون ملزمًا قانونًيا. فهي تدرك أنّه لا يمكنها تحمّل تبعات إجراء استفتاء أحادي الجانب وملزم قانونيًا.
لا يمكن حل مشكلة كركوك والأراضي المتنازع عليها من خلال إجراء أي استفتاء أحادي الجانب من قبل أي من الأطراف المعنية. ولا يمكن التوصل إلى حل حقيقي إلّا من خلال حلٍ وسطي يتعين فيه على جميع الأطراف تقديم التنازلات.
الدراسة للباحث نوشيروان سعيد ونشرت في منتدى فكرة/ وهي مبادرة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى