اعرف ذاتك
محمد ليلي
كما نُقل عن الفيلسوف الاغريقي سقراط الذي وصفه تاريخ الفلسفة بأنه الرجل الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض – حيث نُقل عنه حكمته الخالدة (اعرف نفسك أولاًً ), ومن خلال مقولته الحكيمة هذه يكون الفيلسوف سقراط قد صكّ أول مفهومٍ نفسي وتربوي في تاريخ الفكر الإنساني وتاريخ الحضارة الأوربية قاطبةً, فقد قام في عصره بتغيير ما قبله من مفاهيم لفلاسفة الطبيعة… وبذلك يقول سقراط بأنّ الإنسان أولى بأن يفهم نفسه وذاته, لأنّ فهمه لنفسه وذاته سيجعله قادراً على فهم الأشياء من حوله, كي يؤسّس ويتكلّم سقراط بذلك عن المنهج العلمي بصورةٍ قريبة إلى صورته الحالية المعاصرة, (المنهج السقراطي) – الذي كان منهجاً علمياً قائماً على التخلص من افتراضات حلول المشكلة المطروحة واستبعاد السقيم منها أو التي لا تتوافق مع العقل والمنطق, حتى تبقى فرضية واحدة من هذه الفرضيات تصلح لتكون حلاً للمشكلة. ومن هنا كان سقراط يستخدم منهجاً تحليلياً لأنه كان يحلّل المشكلة إلى مجموعةٍ من الأسئلة ويحاول الإجابة عن هذه الأسئلة بشكلٍ تدريجي، وبعد ذلك يقوم باستبعاد الحلول المتضاربة التي لا تتسق مع العقل والمنطق كما ذكرنا آنفاً, وبعد ذلك كان يقوم بمناظرة ما بين الحلول الأكثر منطقيةً ومن ثم يتمكّن من الوصول إلى ايجاد حلٍّ للمشكلة. ورغم أنه في عصرنا هذا قد يُعتبر هذا أمراً بسيطاً بعد التطور المعرفي والعلمي الحديث, الذي يبعدنا عن المنهج السقراطي قروناً من الزمن, لكن في الحقيقة أنه في حينه كان طرحاً جديداً تماماً وكانت ثورة معرفية اختصّ بها سقراط عن غيره من الفلاسفة والمفكّرين.
ما أريد قوله من كلّ هذه المقدمة الفلسفية الفكرية هو أنه وبعد مرور كلّ هذه القرون على معرفة الإنسان لهذا النظام السلوكي
– البحث العلمي, واستخدامه من أجل نمو الإدراك البشري وزيادة قدرته علـى الاستفادة ممّا فوق الأرض وما تحتها, و بما يوفّر حيـاة حـضارية كريمـة للفـرد والمجتمـع, كونه سلوك إجرائي واعٍ يحدث بعمليـاتٍ تخطيطيـة وتنفيذيـة متنوعـة للحـصول علـى النتـائج المقصودة, إلا أنه وحتى يومنا هذا مازالت هناك أمم وشعوب لم تتمكّن من اللحاق بركب الحضارة الإنسانية, ولذلك نجد بكثرةٍ على هذه المعمورة أنّ هناك الكثير من الشعوب والأمم المقهورة التي يتمّ استغلالها والسيطرة عليها من قِبل الشعوب الأكثر تطوراً ومعرفةً ووعياً وإدراكاً.
وعندما نجد أنّ صفة المدنية التي يتّصف بها الإنسان تفرض وجود الآخر والغير, حتى يدرك ذاته المتميزة عن هذا الغير وهو ما يوحي بضرورة وجود الغير لإدراك الذات, لأنّ معرفة الذات تتوقّف على وجود الغير باعتباره الطرف المقابل الموجود خارجاً عنّا، وهذا ما يثبت أنّ وجود الوعي غير كافٍٍ لمعرفة الذات وإثبات وجودها، ذلك لأنّ المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد ، والتفاعل الذي يحصل بينه وبين الآخرين هو الذي يمكّنه من إدراك نفسه، وباختلافه عن الآخرين، هذا الغير الذي يواجهنا ويصدر أحكاماً حول ذواتنا هو الذي يدفعنا إلى التفكير في أنفسنا، وهنا يقول الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر: (وجود الآخر شرط وجودي), فبالقياس إلى الغير ندرك نقائصنا وعيوبنا ومحاسننا. ويمكن إسقاط هذه الحالة الفردية العامة على حالةٍ جماعية مجتمعية شعوبية.. إذ ليس أمام الشعوب والأمم المقهورة والمعزولة التي تقاوم الاندثار سوى اللحاق بالركب المعرفي والحضاري بالتركيز والتشجيع على التعليم الحقيقي من خلال نخبه الثقافية وقواه السياسية لنشر مفهوم النهج التعليمي الذي يتيح الاستكشاف والمناقشة والبناء الهادف للمفاهيم والعلاقات بين أفراد المجتمع, و الحفاظ على التراث وإلى ما هنالك من واجبات وطرق للحفاظ على ذواتها وعلى هويتها, ومن ثم الانعتاق من سيطرة الآخرين عليها, كي تتمكّن من بناء كيانها ومشاركة الشعوب والأمم الأخرى في بناء الحضارة الإنسانية.
المراجع: النت – ويكيبيديا.