الأزمة السورية وخيارات المعارضة
فؤاد عليكو
بعد مرور أكثر من ثمان سنوات على الصراع في سوريا دون حسم لصالح أي طرف على الآخر رغم استخدام النظام مختلف أنواع الأسلحة المتطورة بما في ذلك المحرمة دولياً وبدعم عسكري مباشر من روسيا وإيران واستقدام الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وأفغانستان.
وفي الجانب الآخر فقد قاوم الجناح العسكري للمعارضة بالإمكانات المتوفرة لديها أو التي وفرت وتوفر لها أصدقاؤها الإقليميين كالسعودية وقطر وتركيا، والدوليين كأمريكا وبعض دول أوربا، دون أن يصل مستوى التقديم نوعية الأسلحة التي من شأنها وقف الهجمات الجوية المدمرة للنظام والروس، لكن دون السماح للنظام بالسيطرة العسكرية على كامل الأراضي السورية.
من هنا نستطيع القول شئنا أم أبينا ، إن الصراع في سوريا بين النظام والمعارضة قد تحول تدريجياً إلى صراع في و على سوريا بين القوى الدولية والإقليمية والمحلية، وهذا ما أضعف كثيراً دور المعارضة والنظام معا في التأثير على مجريات التطورات والأحداث في سوريا سواء على الأرض أم على صعيد التحرك السياسي والدبلوماسي؛ وبالتالي فإن حل الأزمة السورية لم يعد ممكنا بالوسائل العسكرية المتبعة، بل أضحى مرتبطاً اليوم بشكل وثيق بالتوافقات الإقليمية والدولية حول تفسير القرارات الدولية التي صدرت من الأمم المتحدة بشأن معالجة الأزمة السورية وخاصة القرار الدولي التفصيلي 2254 لعام 2015، ومن المؤسف القول: بأن مثل هذا التوافق لايزال بعيداً في المدى المنظور وفشلت الأمم المتحدة في إيجاد مخرج للأزمة رغم تغيير ثلاثة مبعوثين دوليين حتى الآن وهذا يعني استمرارية الأزمة إلى فترة لاحقة، مع تفاؤلنا الحذر بوجود بوادر جدية للحوار بين القوى الدولية في الشهرين المنصرمين وخاصة بين روسيا وأمريكا لإيجاد حل توافقي للأزمة يرضي الأطراف الدولية بالدرجة الأساس وليس الشعب السوري الذي يدفع هذا الثمن الباهظ يومياً من قتل وتشريد وتجويع.
أما على صعيد المعارضة والذي هو موضوع بحثنا فيمكننا تقسيمها إلى الجانب السياسي والجانب العسكري، ففي الجانب السياسي هناك توافق مقبول على الرؤية السياسية للحل في سوريا والمتمثل برؤية هيئة التفاوض، المنبثقة عن مؤتمر الرياض 2017 والتي تضم أوسع طيف للمعارضة السورية بمختلف المكونات السورية وأطيافها السياسية، إضافة إلى أن هناك انسجام سياسي في الحدود المقبولة للتحرك الدبلوماسي دولياً وفق ما تم التوافق في مؤتمر الرياض2، لكن المشكلة الأساسية والخلل الأساسي في الجانب العسكري، حيث هناك انقسام حاد وتعدد مفرط في صفوف هذه الفصائل مع عدم وجود رؤية موحدة وواضحة لآفاق الحل السياسي في سوريا رغم قرب (تواجهات = توجهات) معظمها وخاصة الأساسية منها، من التيار الإسلامي ، إضافة إلى عدم وجود تنسيق بينها وبين الحامل السياسي المفترض والمتمثل في هيئة التفاوض و هذا ما أضعف ويضعف موقف الطرفين دولياً وتطرح تساؤلات كبيرة ومحرجة أمام المعارضة السياسية من قبل المجتمع الدولي، مثل ماهي القوى العسكرية التي تعولون عليها في ضبط الأمن والاستقرار في سوريا، إذا ما تم إسقاط النظام كما تطالبون به؟.
إضافة إلى وجود تنظيمات مصنفة إرهابية دولياً كداعش وجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) والتي تسيطر على مساحة كبيرة في محافظة إدلب وبعض المناطق في ريف حلب وحماه وكيف ستتعاملون معها على الأرض؟ كما أن تجربة إدارة الفصائل غير المصنفة إرهابية على الأرض لا تشجع أحداً للاعتماد عليها كنموذج يُقتدى به، بل على العكس فقد قدمت صورة سلبية جداً خاصة في إدلب وعفرين والباب ومناطق أخرى، حيث تسيطر على تفكيرها ثقافة الغزو والسلب والتشبيح إضافة إلى الصراعات البينية حول مناطق النفوذ للاستئثار بالمنطقة، لمنافع ذاتية خاصة بذلك الفصيل وليس هدفها تقديم نموذج إداري ناجح يمكن الاعتماد عليه سورياً ودولياً، وهذا ما يسبب كثيراً في تغيير مواقف الكثير من الدول باتجاه المطالبة بالعمل على إصلاح مؤسسات النظام وليس تغيير النظام ككل سياسياً وعسكرياً وإدارياً كما تطالب به المعارضة، وسوف يستمر هذا التوجه الدولي ويتقدم أكثر طالما استمرت هذه الفصائل بممارسة هذا السلوك في المناطق المسيطرة عليها، والمخرج الوحيد للخروج من هذه الإشكالية هو في توحيد هذه الفصائل صفوفها والالتزام برؤية وقرارات هيئة التفاوض واعتبار هيئة التفاوض الحامل السياسي لها وتمثلهم في المحافل الدولية حينذاك فقط سيتعزز موقف الحامل السياسي دولياً، إضافة إلى إعادة النظر في مجمل سلوكها السلبي في الإدارة في المناطق التي تحت سيطرتها وتسليم الإدارة لحكومة الائتلاف واعتبارها صاحبة القرار بشقيه الإداري والأمني، للمجالس المحلية في تلك المناطق والتفرغ للعمل العسكري المنوط بها حصراً.
وبدون ذلك سوف يبقى الدوران في حلقات مفرغة هو السائد والنظام والقوى الدولية المؤيدة للنظام هي المستفيدة من كل ذلك.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد “264”