آراء

الإدارة الذاتية وانتهاكاتها بحق الصحفيين والنظريات التي تفسّر علاقتها

آشتي تيشي – صحفي

تُعرف الصحافة على أنّها المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والآراء، والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالباً ما تكون هذه الأخبار متعلّقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها، لكن ماذا إن تعرّضت الصحافة للمضايقة والتضييق، وتعرّض الصحفي للاعتقال والضرب، وعانت المنطقة من خطورة العمل الصحفي؟ سنكون حتماً أمام واقعٍ مزري، لسلطةٍ تفرض سلطتها وتضيّق الخناق على الصحفيين ووسائل الإعلام، فالصحافة أو وسائل الإعلام تستند في كلّ بلدٍ أساساً على السياسات الإعلامية المعتمدة في كلّ نظام ومدى تحكم النظام في الوسيلة الإعلامية من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفرض الرقابة والسلطة عليها وعلى المضمون الذي يُنشر أو يُذاع من قبلها.

منذ تولّي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) مهام السلطة، نيابةً عن النظام السوري ، بدأ بانتهاج سياسة التضييق ومعاقبة المختلفين عن توجهاته، بالإضافة إلى الاختباء التدريجي خلف قوانين سنّتها لتبرير ممارساتها، وهو ما دفع بمنظمة” مراسلون بلا حدود” ومنظمات محلية إلى التضامن مع الصحفيين والمؤسسات الإعلامية وندّدت بانتهاكات “الإدارة الذاتية” وقواتها الأمنية بحق الصحفيين.

انتهاكاتٌ بـ “الجملة”
نهاية أيلول المنصرم بعد بثّ منصات إعلامية متعددة هجوماً بالعصي والحجارة لمجموعةٍ شبابية مرتبطة بـ “الإدارة”، تحمل اسم “شبيبة الثورة” على متظاهرين في القامشلي مندّدين برفع أسعار المحروقات من قبل السلطة المحلية،
أثناء خروج المظاهرة في مدينة قامشلو تنديداً برفع أسعار المحروقات والخبز، بدعوة من المجلس الوطني الكُردي في سوريا -الغريم السياسي لـ “الإدارة”- تعرّض المتظاهرون لهجومٍ بالعصي والرشق بالحجارة من قبل منظمة شبابية مرتبطة بـ “الإدارة” تسمّى “الشبيبة الثورية” بالإضافة إلى محاولتهم منع الإعلاميين، المتواجدين في التغطية، من ممارسة عملهم، نتج عن ذلك تعرّض سيارة أحدهم للتضرر فيما تعرّضت مراسلة شبكة «آسو» الإخبارية، لكسر كاميرتها وهاتفها الشخصي، إلا أنّ الانتهاكات لم تقف عند هذه الحدود، في أعقاب هذا الهجوم، نشرت صفحة موالية لـ”الإدارة” قائمة بأسماء صحفيين آخرين تدعو فيها إلى استهدافهم بدورهم، وقد أدانت منظمة مراسلون الحادثة بتدوينةٍ على صفحتها على منصة الفيس بوك واعتبرت الانتهاكات الأخيرة في المنطقة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية بغير المقبولة، وحمّلت السلطات المسؤولية الكاملة عن أمن الصحفي إيفان وعائلته.

في اليوم نفسه تعرّض مكتب قناة رووداو للمرة السادسة للاعتداء، وأحرق بصورة جزئية، وأظهرت كاميرات المراقبة دخول ملثّمين إلى المقر، يضرمان النار فيه، ثم يلوذان بالفرار، فيما اتهمت إدارة القناة المنظمة الشبابية ذاتها بالمسؤولية عن الهجمات الخمس رغم عدم تحديدها الفاعلين في المرة الأخيرة.

كما أنّ فضائية كُردستان 24 لم تسلم هي أيضاً من المضايقة والإغلاق فبتاريخ 20 حزيران المنصرم تمّ حظر عملها وأغلق مكتبها، وتمّ منع مراسليها من مزاولة العمل، ندّدت منظمة مراسلون بلا حدود بالقرار، ودعت “سلطات المنطقة التي تدّعي الديمقراطية أن تترك وسائل الإعلام تعمل بلا قيود”.

الصحفي بارزان لياني مراسل قناة ARK في مدينة معبدة (كركي لكي) شمال شرق سوريا، مثال آخر على الانتهاكات الجمة والتضييق على حرية الصحافة، فمنذ تاريخ 18 تموز 2021 تمّ اعتقاله من منزله في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، بطريقةٍ وصفها شقيقه بـ “الوحشية”، ولا يزال مجهول المصير، وتذهب سلطة الأمر الواقع إلى نفي اعتقاله بسبب المهنة، وتحاول كيل تهم كيدية بحقه.
النظريات التي تفسّر علاقة الإدارة الذاتية مع الصحافة
إنّ نظريات الإعلام كما يرى بعض الباحثين هي جزء من فلسفة الإعلام، لأنّ الأخيرة أعمّ وأشمل، وكثيراً ما يتمّ الخلط بينهما، وتجدر الإشارة إلى أنّ استخدام مصطلح نظريات الإعلام جاء تعبيراً للإشارة إلى الإيديولوجيات والمعتقدات الاجتماعية والاقتصادية وتفسير العلاقة بين هذه الإيديولوجيات والنظريات، ولتفسير العلاقة بين “الإدارة الذاتية” والواقع الصحفي في مناطق شمال وشرق سوريا ، فلا بدّ من تسليط الضوء على أهمّ أنواع النظريات والتي تنطبق على واقع تعاملها مع الصحفيين والمؤسسات.

من أبرز النظريات هي نظرية السلطة والنظرية الشيوعية ونظرية الاقتصاد السياسية ونظرية المسؤولية الاجتماعية ونظرية المشاركة الديمقراطية وغيرهم الكثير من النظريات.

نظرية السلطة تعمل على الدفاع عن السلطة، ويتمّ احتكار وسائل الإعلام لصالحها، كما أنّ الحكومة تقوم على مراقبة كافة المؤسسات الإعلامية وأن تكون خاضعة للحكومة، ويُحظر على كافة المؤسسات نقد السلطة والحكومة والعاملين لديها، في الحقيقة تنطبق هذه النظرية على سوريا بشكلٍ عام والمناطق الكُردية بشكلٍ خاص أيضاً فالواقع لا يختلف كثيراً، فـ “الإدارة الذاتية” عملت على مدار العشر سنوات على ملاحقة ونفي العديد من الإعلاميين، وحظر عمل مؤسسات كثيرة لا يتناسب محتواها مع توجهات السلطة.

أمّا النظرية الشيوعية التي ما تزال تطبّق في بعض البلدان مثل كوريا الشمالية والصين وكوبا وغيرها، يمكن إيجازها في أنّ الطبقة العاملة هي التي تملك السلطة في أي مجتمع اشتراكي، وحتى تحتفظ هذه الطبقة بالسلطة والقوة فإنها لا بدّ أن تسيطر على وسائل الإنتاج الفكري التي يشكّل الإعلام الجزء الأكبر منها، لهذا يجب اخضاع الإعلام لسيطرة وكلاء الطبقة العاملة الذين هم الحزبيون، كما هو الحال في مناطق سلطة “الإدارة الذاتية” التي تسعى عبر أذرعها المختلفة إلى السيطرة على الإعلام ومنع المعارضين من العمل.

وعقب إعلان “الإدارة الذاتية” سعت السلطة إلى تأطير جميع مجالات العمل ومنها الصحفية وأقرّت “السلطة التشريعية” في 19 ديسمبر كانون الأول 2015 ” قانون الإعلام الموحد في مناطق الإدارة الذاتية”، مع منحها صلاحيات واسعة في قمع الأصوات التي تعارض سياستها مع تتابع قرارات حظر عمل مؤسسات لم تكن على وفاق مع “الإدارة”، وهي سياسة اتّبعتها الجهة ذاتها بذرائع مختلفة.

تُعتبر هاتان النظريتان من أسوأ أنواع النظريات التي تعاني منها البلدان التي تتذيّل مؤشّر قائمة حرية الصحافة العالمية، في حين أنّ النظريات الأخرى وتحديداً نظرية المسؤولية الاجتماعية من أهم النظريات في عالم الإعلام ،لما لها من أهمية في نهوض المجتمعات، ففي ظلّ هذه النظرية ليست للحكومة أيّ سلطةٍ على وسائل الإعلام، فكلّ وسيلةٍ تختار سياسةً خاصة بها ومساراً خاصاً بعملها، بشرط أن يقيّدها الضمير الإعلامي، وأن تتّسم بأخلاقيات العمل الإعلامي، بنقل المعلومة بصدقٍ، وأن تمثّل وجهات الاختلاف بعدل، كما يحقّ للمشاهد أو الجمهور اختيار الوسيلة التي تناسب ميوله السياسية أو تلبّي رغباته، وله كامل الحرية في التعبير عن رأيه حتى ولو كان ضد الحاكم وسلطته.

أيضاً تعمل هذه النظرية على نشر قيم المجتمع باعتبار الإعلام وسيلة تنموية اجتماعية وأداة تعليمية، فهي وسيلة من وسائل التنشئة الاجتماعية، وهو ما نحتاجه حقيقةً، ونطمح له لبناء واقع حر يعمل الصحفي فيه على ممارسة مهنته وينقل مشاكل المجتمع وينتقد دون خوفٍ أو تقييد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى