آراء

الإرادة الدولية عاجزة عن حلّ الأزمة السورية

فرحان مرعي

رغم الأدلة الدامغة على تورط النظام السوري في أعمال القتل والتدمير والتهجير، عن سابق إصرارٍ وترصد ضد شعبه، في أعقاب انتفاضةٍ شعبية نادت بالحرية والكرامة، والذي استخدم كافة الأسلحة الثقيلة والمحرّمة دولياً، ورغم الإدانات وقوانين العقوبات المفروضة عليه، بدءاً من قانون قيصر، الذي تضمّن عقوباتٍ ضد الأشخاص والجهات الداعمة للنظام ، بناءً على وثائق وصور مسرّبة، وموثّقة ( خمسين ألف صورة ) عن جرائم القتل تحت التعذيب في سجون النظام، إلى قرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة التي صدرت مؤخراً في ٢٧ – ١- ٢٠٢٣ عن مسؤولية النظام عن الهجوم الكيماوي على بلدة دوما، في ٧ نيسان عام ٢٠١٨، مروراً بقانون الكبتاجون الأمريكي ضد النظام السوري الذي يقوم بتصنيع حبوب كبتاغون المخدّرة وتصديرها للخارج، حيث تؤكّد المصادر أنّ %80 من هذه المادة المخدّرة على المستوى العالمي مصدرها النظام السوري، ومنها يحصل على إيرادات مالية كبيرة من العملة الصعبة، عبر هذه التجارة الممنوعة، رغم كلّ هذه القوانين، والعقوبات، والأدلة، إلا أنّ النظام السوري مازال على قيد السلطة، معترفاً به ضمن المنظومة الدولية، بل الأنكى من ذلك، هناك محاولات جدية، لإعادة التطبيع والعلاقات الدبلوماسية مع النظام، وإعادة تأهيله، عربياً وإقليمياً، في ظلّ معارضة دولية خجولة، ضاربين عرض الحائط كلّ المواثيق الدولية الخاصة، بمحاسبة الجناة على جرائمهم ضد الإنسانية.

والدول المعنية بالصراع في سوريا منقسمة على نفسها، في حلّ هذه الأزمة ، ومتفقة أكثر على إدارتها ؛ لأنّ هذه الدول، بمن فيها النظام، تشكّل أساس المشكلة، جزءاً منها ، وليست جزءاً من الحلّ السياسي، فأمريكا تستخدم، أسلوب العقوبات، الحروب الاقتصادية، الطويلة الأمد، وطويلة النفس، العقوبات التي لم تسقط يوماً ديكتاتوراً، والتي لا تضرّ إلا الشعوب ، وتزيد من معاناتها وتجويعها، حتى وصلت مستويات المعيشة في سوريا إلى حافة الهاوية، إن لم تكن إلى الهاوية تماماً، مع انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، تسعى أمريكا من وراء هذه العقوبات، كما تبدو ، إلى خلق وقائع جديدة على الأرض، جيو- سياسية وديمغرافية، تخدم مصالحها ومصالح حلفائها على المدى البعيد، وخاصةً إسرائيل، بينما روسيا تعمل جاهدةً بالتعاون والتنسيق مع إيران، الحليف الاستراتيجي للنظام السوري، لإعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية، لتنفيذ الاتفاقيات السرية والعلنية المبرَمة مع النظام، للاستثمار في البلاد، لقاء وقوفهم إلى جانبه ، واستيفاء ديون الحرب، ملتفّةً على القرارات الدولية، والعمل بمخرجات آستانة وسوتشي، كبديلٍ عن اتفاقيات جنيف، أما تركيا، وفي خطوةٍ مفاجئة، وغير متوقّعة، بسبب دورها، وموقعها، من الأحداث في سوريا، أعلنت عن نيتها في إعادة العلاقات أو البدء بالاتصالات مع النظام وعلى المستوى الرسمي ، وفق شروط متبادلة بين الطرفين، تتعلّق بدعم المعارضة وسيطرتها على أراضٍٍ في سوريا، من قبل تركيا، وقبول النظام لإنهاء الحالة الموجودة على حدودها، المتمثّلة بقوات قسد، وعودة اللاجئين إلى وطنهم… الخ ،مما شكّل قلقاً وتذمراً في أوساط الشعب والإئتلاف السوري المعارض، وكذلك في الأوساط الدولية، وخاصةً أمريكا التي عارضت هذه الاتصالات، وإعادة التطبيع، إلا بعد تنفيذ القرار الدولي ٢٢٥٤،وفق مقررات مؤتمرات جنيف الخاصة بالحلّ السياسي في سوريا.

بناءً على هذه المعطيات، تشير كلّ الدلائل إلى استمرار الأزمة السورية إلى أجلٍ غير مسمّى، وتدويرها وتوليفها في أكثر من اتجاه ، واستمرار الدولة الفاشلة، وسيطرة المليشيات والفصائل المسلحة متعدّدة الجنسيات على قسمٍ كبير من الأراضي السورية، وخاصةً مع دخول عنصر جديد على الساحة السورية وهو الغزو الروسي على أوكرانيا منذ سنة، واهتمام العالم بها، نتيجة تداعياتها على الساحة الدولية سياسياً واقتصادياً، حيث تخشى روسيا من احتمالات توسع حلف الناتو شرقاً، مهدّداً بذلك أمنها القومي، كما تدّعي ، إلى جانب أنّ هذه الحرب خلقت أزمةً في مجالي الطاقة والحبوب عالمياً ، حيث تعتبر روسيا المصدر الأساسي للغاز إلى أوربا، بينما أوكرانيا تمدّ العالم بالحبوب وخاصةً القمح كمادة استراتيجية عالمياً ، مع التهديد الروسي في كلّ مناسبة في استخدام الأسلحة النووية اذا استمرّ الدعم الغربي والأمريكي لأوكرانيا .

كلّ هذه الأوضاع، أدّت إلى انشغال العالم بهذه الحرب، فرجعت القضية السورية إلى قضيةٍ ثانوية، وإلى المستوى الثاني والثالث في درجات الاهتمام العالمي، أما النقطة الأساسية في استمرار الأزمة السورية هو غياب دور السوريين، أصحاب القضية الحقيقيين، وفشل المرحلة الأولى من الثورة والمعارضة، وعدم ظهور قوة معارضة، متماسكة، شاملة، مطمئنة بديلة، حتى اللحظة، رغم ظهور بعض الإرهاصات هنا وهناك، ولكنها غير قادرة على التأثير على مجريات الأمور، وفرض إرادة السوريين على القرارات الدولية، وفرض الحلّ السياسي، في سبيل إنهاء الاستبداد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “305”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى