آراء

الإستدراج الممنهج ومآلاتها ..

وليد حاج عبدالقادر

يبدو أن الأحداث في هذه الأيام قد أخذت تتجه وضوحا إلى ما أشرنا عليه منذ سنين عدة على انه استدراج ممنهج لكل الاقليم المحوط  بالنطاق الجغرافي، والمزنر ثانية لكامل خارطة المسألة الشرقية وبطرائق مبتكرة اعادت انتاج أزمتها وفق مقاييس عصر المعلوماتية وفي حركة خلط فظيعة وبدوامة عنف اختلطت فيها كل أشكال العواصف بتايفوناتها المدمرة عنفا ، هذه الدوامة المنتجة والتي وصلت الى حدود معقولة وفق برمجة برع فيها الروس أداءا وخدمة وبتقنية ضاهت التقنية السويسرية وبراعة اليابانيين، واستخدمت فيها كل انواع الخطط والإغراءات بغطاء هلامي لزوبعة مصطنعة من فوضى مزعومة ، وخلقت وبعبارة أدق، صممت حاضنات أنموذجية وعلى ارضية ملاعب مريحة تحاكي أروع الهوليوديات براعة سلاسة في التناحر والكر والفر.

وهنا اختصارا، وفي العودة إلى جزر المربعات والدوائر والنطاقات بمناطقها الصغيرة المتشابكة منها والكبيرة، سنلاحظ وبقوة على الرغم من سياسة الجذب والنبذ وشذب حالة التخفي او طمس تلك الحقائقية المدغمة انكشافا كنتاج صريح لجملة الممارسات من جهة والإصطفافات الناتجة على الرقعة الجغرافية المعادة تكرارها للمسألة الشرقية وتموضعاتها ووضوح التفاهم العميق بين كل من روسيا وأمريكا الموسومة كعهدة – اتفاق كيري / لافروف والتي لاتزال كمنهجية امريكية تكشف سياستها العميقة التي تبدو كأنها تطوق روسيا في وقت تجاوزتها أمريكا الى استنزاف للأولى وأداة تستخدمها برشاو تتجاوز الصراع الكلاسيكي البيني وساحات أوروبا الأطلسي لتلامس جسد أباطرة المال الروس الذين يشكلون عمق بوتين وجداره الحديدي الحامي كزنار آمن مستخدما له بنزعته القيصرية، وإعادة تموضع روسيا بخارطتها مابعد انهيار امبراطوريتها الشيوعية فكانت أزمة جورجيا وظهور أبخازيا ومناوشات الجمهوريات الحديثة قبل ذلك في ناغورني كارباغ، وحتى في القفقاس والشيشان وتمظهر انعكاس الأفغانية المتطرفة في بعض من الجمهوريات الوسطى السوفيتية.

وثانية في العودة الأساس الى جوهر ما اتقصده هنا، واعني إعادة انتاج ازمة الشرق وبحركتها التيفونية وشلالات الدم المترافق لحجم الدمار والموازي ايضا بكبريات الكوارث العالمية و .. نتفاجأ بأزمة أوكرانيا ومعها شبه جزيرة القرم والبحر الأسود بالترافق مع البحر المتوسط وحلم المياه الدافئة والاستقلابات البنيوية في نطاقية العثمانية القديمة والتي ورثتها عثمانيتها الجديدة بالتوازي مع نتاجات جالديران ومرج دابق والصفوية التي عبثا حاول خميني ووريثه خامنئي إخفاء زاويته تحت عباءة ولاية الفقيه لتبدو حرقا للدين لا قوننة لها، هذه المتوالية التي ظن الورثة بأنها تلاشت، ولتظهر الجذوة بكامل قوتها حاملة جينة تجددها، أجل، هي تلك المخاضات التي تحولت إلى معادلات متراكبة ومتداخلة لزمها دم وهدر بدمار كبير لتتاشكل أولا، وقابلها عين الأمر في محاولة فكفكتها إلى عواملها البسيطة بعد أن تحولت سوريا وأجزاء من العراق وبالتحديد ما أسميه شخصيا ب – عين العاصفة المدماة – وكانت واقعية على ساحة رقعة كالشطرنج تمت هندستها بتلك الألوان والمساحات.

ومع التمدد الهلامي ظهرت مسألة خفض الصراع والحقت بها خفض القوة ألتي أطاحت بمجاميع عسكرية عديدة ودفعت غالبيتها إلى عطالة تجميعية تتمنهج لتساق إلى ذات العطالة المخططة، والأهم هنا، انكشف الأمر لمعظمهم وأدركوا انهم ليسوا سوى فقاعات في بحيرة بدت راكدة لتكشف عن سياقات أوسع كجزء من شموليات اكبر وتوضح الآن بأن مسألة الإستدراج الممنهج وبأفقها الأوسع باتت وكما الدوامة وقد وهنا، ومعها ظاهرة الاستفراد التي بوشرت تتقطع كجزر او بقع مناطقية في سوريا – مثلا – وبمباركة آستانية / آستانا ! وتبين بأن نطاقيتها الأوسع بدأت تنكشف لو تجاوز رقعة سوريا في انكشاف الأهميات منها – سوريا المفيدة – وان التايفون قد وصل إلى إيران بوسائل وطرائق متعددة، ما ابتدأت بالإستنزاف المادي والبشري لها في سوريا بقدر ما هو ارتداد رأسها عليها وأصبحت الآن وبكل ثقلها مجرد مقطوعات معروضة في بازارات الشأن السوري والأهم هنا في الشأن الإيراني ايضا هو انعكاس كل هذه الأمور على الداخل الإيراني وزيادة الاحتجاجات الشعبية المتوافقة مع الازمة الاقتصادية الخانقة وعودة محاصرتها من قبل أمريكا وبات العالم كله يستعد لاحتمالات عديدة حول مستقبل إيران وأشدهم يأسا يعلم بأن نظام ولاية الفقيه بات السوس ينخر في بنيانه وميليشياته تتقطع فيهم السبل كما حدية الخيارات الجازمة والتي تشبه المنشار بحدين للنظام السوري كل وجه يدفعه الى خيار قطع العلاقة مع المشروع الإيراني كخيار وحيد له لتعويم وان كان مؤقتا.

هذا الأمر بتفاصيله وبالخاصية العثمانية الجديدة ليست ببعيدة عن آفاق اردوغان المستقبلية رغم درجة النشوة العالية لمكاسب وقتية نالها  والتي هي – برأيي – ليست سوى وسائل مدعمة كانت كطعم هدفه هو الإستدراج الممنهج له واعتلائه لكرسي السلطان، والأهم كانت تدوير وجهه صوب العمق التركي من جهة وجنوبه الملاصق لغربه وشرقه والحد أو إعادته من تمدده في جمهوريات الشرق الأقصى الإسلامية وحتى بورما ومرورا بمنغوليا والمناطق الإسلامية في الصين وليصبح الممر الرئيس في افراغ كل تلك الدول من متطرفيها الى الحاضنة السورية من جهة ودفع اردوغان ونظام حكمه الى شمولية مرسخة بنزعة شخصانية فردية وبحكم مطلق بتكريس زعامة بلا بديل مؤسساتي او افراد، الأمر الذي سيدفعها في حالة شغور الزعامة الأردوغانية ولأية سبب كان الى مآلات عديدة بوادرها برزت وضوحا مع اعتلاء اردوغان موجة جماعة الإخوة المسلمين على غرار الخمينية وكل منهما هواهما هي في العودة الى دورهما الإستعمار.

أن كل هذه العوامل أخذت تنجلي لتوضح بأن حالة الإستدراج قد قطعت أشواطا كبيرة ومعها الهدف الأساس في العودة بهذه الدول الى عواملها الأولية وبالتالي وبإحكام ، حتى تبقى الأمور في نطاق التحكم ولا تؤدي الى فوضى حقيقية غير خلاقة.

وهنا علينا ألا ننسى أمر هام وأعني به القضاء على فائض القوة والتطرف لكل المجموعات التي استجرت وزجت في سعير هذا ( الإستدراج الممنهج ) ، وفي خلاصة هامة هنا ، فأن التاريخ سيذكر اتفاق كيري / لافروف كما سايكس / بيكو وسيتذكرون قاعدة أوباما – بوتين في شقه العسكري ومفهومية – فخار يكسر بعضه – وكمهمة اثبتت التجارب بأن الروس فعلا بارعون فيها وأقصد بها سياسة الأرض المحروقة ، ولحظتها وكما خطط لهذه الأزمة ، سيسمع أصوات اجتماعات جينيف ومتلاحقاتها …

 جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى