آراء

الإسراف الأيديولوجي

وليد حاج عبد القادر / دبي

على الرغم من فشل تجارب أيديولوجية عديدة، والتي أثبتت غالبيتها على مرّ الزمن بأنها لا تصلح سوى للأرشفة التوثيقية كنوعٍ من الترف الفكري ، تلك الايديولوجيات التي عجزت في الموائمة الواقعية مع روحية العصر وآلية بناء المجتمعات بما يتوافق خاصةً مع روحية زمن المعلوماتية هذه ، وبدل أن تسعى للموائمة ، نرى أنّ غالبيتها اتّجهت لإيجاد / خلق نسق من الحرس الخاص يحوطونها بنوعٍ من الرهاب كيلا تفقد حضورها وسطوتها ، وقد ابتلت الحركة القومية الكُردية بأنماطٍ عديدة منها ، نزعت أغلبها وبهيمنةٍ فظيعة على تغليب الأيديولوجيا ومنحها الأولوية القصوى كهدفٍ استراتيجي غير قابل لأية مساومةٍ أو جدلٍ ، وبالتالي تطويع كلّ القضايا الأخرى وجعلها كحزمٍ قابلةٍ إنْ للمساومة أو حتى الإلغاء كأبسط وسيلةٍ و كجائزة ترضية ربّما تأجيلها حتى إشعارٍ آخر ، ولعلّ القضية القومية – الكُردية في سوريا مثلاً – هي من أهم المسائل التي هُمِشت وتمّ البازار عليها ، وقُصقِصت كثيراً لتتوائم مع القناع الأيديولوجي الذي يظهر في هكذا حالةٍ كبالوناتٍ متعدّدة الألوان ولكنها لا تلبث أن تتقهقر وتتّجه بانحدارٍ عنيفٍ نحو انهيارٍ بنيوي وتعود على شاكلة نكسةٍ فتعيد بآفاق الحركة إلى مراحل بدايات التشكّل التنظيمي القومي وقد تترافق بجوقةٍ من البكّائين ترتفع فيهم أصوات النحيب على الأرض المنتفخة بقبور الآلاف من الشهداء وأضعافهم الذين عبروا البحار والأجواء في انسلاخٍ حقيقي عن المنبت . إنّ ما يُقال ويُناقٌش في الغرف والصالونات ووجهاً لوجهٍ يختلف عن الذي يبهرج في اللقاءات التعبوية منها أو التأسيسية خاصةً ، والأهمّ فيها مفاهيم الوطنية و المواطنة ولكن مع حجب مبدأ الربط بالأرض / أراض ؟ والتي هي هنا تلتقي – كصدفةٍ مزعومةٍ – مع نظريةٍ تفسيرية أخرى متضامنة مع المفهوم الأممي للديمقراطية ؟

وذلك كحالة إنعاش لسوريا محصّنة ومقاوِمة وأيضاً مافوق الجغرافيا الطبيعية ؟ في شطبٍ ممنهج – اوعزه شخصياً – تحت بند إلغاء مقولة – وعلى أرضه التاريخية – كردياً ! …

إنّ ظاهرة الاستلاب الذاتوي تظهر بأشدّ أعراضها حينما يواجهك أو تواجه مختلفاً متمكّناً فتسعى إلى تمويه مواقفك أو قد تمرّر له مواقفه ، كما مواقف المؤدلجين من المشروع القومي الكُردستاني و تناقضهم مع كلّ النظريات التي نادت بالتحرّر الوطني وعلى أرضيتها التحوّل إلى آفاق أخرى ! لا أن نكون – آفاقاً أخرى – ونستخدم لطيّ التحرّر الوطني جبراً وتذويبه كالرصاص المسيل وقولبته في مشاريع عابرة وليتها فقط كانت كذلك ؟ بل ذائبة ومخلوطة .

عندما يتعلّق الأمر بالقضية القومية الكُردية تسقط أمامها كلّ الذرائعيات والأيديولوجيات بنزعاتها الحزبوية !! .. ناضلنا وفي أحلك الظروف ونقشنا بأظافرنا على جدران المعتقلات والزنازين ننشد قضية شعبنا الكُردي ، وفي أحلك ظروف طغيان الاستبداد ، وبكلّ بساطةٍ حالة الرهاب وعدم الندية كخفّافةٍ رياضيةٍ باليةٍ رميناها في سجونهم ، والآن نحن امام مرأى وعيون جميع العالم وتحت مجهر أبناء شعبنا وهم رغم الاستبداد والقمع الذاتوي والتغييب الممنهج قوموياً على أرض الواقع نسمع من هنا وهناك بعضاً من التسريبات غير المطمئنة وتلاعباً في الألفاظ والجمل تُمرّق / بتشديد الراء / في غالبية اللقاءات تحت يافطة الوطنية والمواطنة ! وكأننا لم نكن ومنذ تأسيس حركتنا نعتبر قضيتنا الكُردية على أنها قضية ديمقراطية ووطنية بامتيازٍ .

ً أن ندّعي بأننا نمأسس لديمقراطيةٍ حقيقيةٍ تتعايش فيها الملل والنحل بطوائفها وأعراقها بمساواةٍ ، وأن نزجّ بدماء أنبل الناس وأفضلهم عند كافة الشرائح و المعتقدات وبدل أن نجعل من دمائهم الطاهرة مظلّةً يلتقي تحت سقفها الجميع لا أن نشكّل حلقاتٍ أو مؤسسات باسمهم تحرّض في الأساس على محاربة القضية القومية وآفاقها الصريحة بدون تمويهٍ ، أفليس الأمر هنا وزجّ هذه المؤسسة بنبل هدفها المتوقّع في أتون ممارساتٍ لا تليق بالمطلق وآفاق تأسسها ؟ وباختصارٍ شديدٍ ! لنعد إلى حجم المصطلحات و المسمّيات العديدة التي يرفعها بعضهم حتى من دون فهم معانيها بأبعادها السياسية والقانونية مثل الإدارة المناطقية المحلية أو الذاتية ـ الإدارة الذاتية ـ الإدارة المحلية وشكلها الديمقراطي ـ الحقوق السياسية ـ المواطنة ـ دولة المواطنة والقانون ـ حقوق المواطنة في الجمهورية العربية السورية ـ إلا الفدرالية التي لا أريد تعريفها لأنها ببساطة سهلةٌ و بسيطةٌ على الرغم من أنها مغيّّبة ـ كُردياً . وهنا لابدّ من التذكير على أنّ التوافقية ومبدأ الشراكة يفترض أن نبدأ بها بينياً وعلى أرضية الثقة المتبادَلة حتى يثق بنا الآخرون وينخرطوا معنا في عملية التأسيس لشراكةٍ فعليةٍ .

وفي المحصلة نعم !! فهمناها !! لا بل مارسناها لتلك المقولة التي فضّلت وأسبقت الأيديولوجيا على كلّ القضايا الشائكة و بخاصيتها القومية وحينها قدّمنا قضيتنا القومية قرباناً على مذبح الصراع مع الإمبريالية التي تغولت إلى كومبرادور وتقوقعنا نحن إلى أنصاف قوميين و ضحّينا بأماني وفرص كثيرة ونحن ننشد أولويات الصراع و ضروراتها من خلال إيجاد حلقات مركزية بديلة وأعني بها عوامل نهضتنا القومية !! أفلا يشبه اليوم أمسه والذي قارب أن يصبح قرناً من الإخفاقات . وهنا شئنا أم أبينا ستبقى تلك الخلاصة التي تقول بأنّ : الأيديولوجيا في مرحلة الثورة القومية ترف فكري مهما حوّطناه بحلقاتٍ دائرية ومربّعاتٍ شللية أو باسماء براقة التي لن تخدم سوى نمطية الاستبداد الستاليني ! نعم ؟ علينا ألا نكابر ؟ ..
نحن لازلنا بحاجةٍ لفهم الماركسية اللينينية و بُعدها القومي الصحيح لا المقفل ؟ .. ومعها استيعاب تلك النظريات التي عافها مؤسسوها معتذرين وأسباب إعادة ترويجها عند بعضنا كُردياً ! ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى