آراء

الإعلام الكوردي في سوريا بين الواقع والمطلوب

شاهين أحمد
مرت علينا منذ اسبوع الذكرى الثالثة والعشرين بعد المائة لصدور أول صحيفة كوردية باسم ” كوردستان ” في القاهرة على يد الأمير الكوردي البدرخاني مقداد مدحت ، وبمساعدة أشقائه وآخرين من المتنورين الكورد في تلك المرحلة ، وبعد قرابة قرن وربع من الزمن ، على إيقاد تلك الشمعة ،يجد المتابع لمسيرة الإعلام الكوردي نفسه في مواجهة أسئلة منها :هل الإعلام الكوردي في سوريا – بالرغم من وجود بعض القنوات التلفزيونية ، ومحطات الراديو وعشرات الصحف والمواقع والصفحات على المساحة الافتراضية – يرتقي لمستوى الأحداث ، وحجم المعاناة ؟. وهل هو قادر على كشف مخططات التآمر والإنكار ضد شعبنا وقضيته العادلة ، ولماذا ؟. ماهو المطلوب كي يكون الإعلام الكوردي قادراً على القيام بمهامه في تبيان الحقائق ، وإلقاء الضوء على المظالم التي يتعرض لها الشعب الكوردي في سوريا ؟. لماذا بقي الإعلام الكوردي محدوداً في تأثيره على الشارع الوطني السوري ؟. من يتحمل مسؤولية ضعف تلك المؤسسات الإعلامية، ماالمطلوب كي يقوم الإعلام بدوره الهام والفاعل ؟.
بداية علينا أن ندرك بأن العاملين في حقول الإعلام الكوردي يتحملون أعباء مضاعفة ومشقات كبيرة ، ربما تتعلق في جانب منها بسوء تقدير الإمكانات المادية المخصصة ، وكذلك بالمساحة المسموحة للتحرك والعمل ، وبإستهدافهم من جهات معادية ،وبوجود إمبراطوريات إعلامية معادية ومضللة ، وبنوعية ومستوى الوعي المجتمعي ، وبكيفية حمايته من الإعلام المضلل ، وإيصال المعلومة الصحيحة الى شرائحه المختلفة ، وتصحيح الصورة المشوهة لدى الرأي العام . على جميع المعنيين أن يدركوا تماماً بأن الإعلام هو السلاح الأشد تأثيراً في مختلف الميادين ، وخاصة الجماهيري، ومفعوله أقوى بكثير من الأسلحة الفتاكة المستخدمة في المعارك العسكرية الميدانية ، وخاصة بالنسبة للأمم المستضعفة كأمتنا . يعتبر الإعلام سلاحنا الأفضل الذي يجب أن نستثمره في سبيل الدفاع عن قضيتنا القومية ، وحقوق شعبنا المشروعة ، من خلال إبراز عدالة قضيتنا ، وحجم المظالم التي يتعرض لها شعبنا ، وتعريف الرأي العام العالمي بماجرى ويجري بحقنا. ومن جهة أخرى فإنه عن طريق الإعلام فقط نستطيع بيان سلمية مشروعنا ، ومشروعية حقوقنا ، وبأن حل قضية شعبنا حلاً عادلاً وفق العهود والمواثيق الدولية، سيشكل عامل سلام واستقرار وازدهار لمنطقتنا ، بمعنى أن الإعلام الكوردي يجب أن يلعب دوراً في قطع الطريق على الإعلام المضلل ، ومنع إنتشار الكراهية ، ونشر ثقافة السلام والتعايش والشراكة والتوافق وقبول الآخر المختلف بين شعوب المنطقة . وهذا يتطلب منا أن نخاطب الشعوب التي نتعايش معها بلغاتها، ومن خلال برامج مدروسة. وعلينا أن ندرك بأن تعبئة المجتمعات تتم عن طريق الإعلام ، وبعد ذلك يتم تحريك القوى الحية فيها بناءً على تلك التعبئة ، بمعنى أن المجتمعات تتم تغذيتها فكرياً ، ومن ثم تمكينها ، وتحريكها لتحقيق الأهداف ، والوسيلة التي من خلالها تتم هذه العملية هي مسارات الإعلام المختلفة . وعندما نقول الإعلام نقصد بذلك مختلف الحوامل من صحف ومجلات والأخبار المختلفة عبر القنوات التلفزيونية ، والراديو بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية ومختلف المسارات الالكترونية الافتراضية . حيث من خلال كل هذه الوسائل يتم مخاطبة الجمهور وفق برامج مخططة ومدروسة وهادفة للوصول إلى إقناع الشعب من خلال وضعه في الصورة الحقيقية ، وضمان ولائه ،والدخول في وجدانه وعقوله ، وبالتالي غاية الإعلام من تهيئة وتثقيف الجمهور وتأهيله هي ضبط مسار تفاعله مع الأحداث بما يحقق الأهداف والبرامج الموضوعة . وبما أن وسائل الإعلام المختلفة المذكورة تعتبر الأدوات الأساسية التي بها تتم مخاطبة الجماهير والتأثير عليها ، لذلك تعتبر وسائل هامة وخطيرة بنفس الوقت ،لذلك نلاحظ اليوم أن السلطات والمؤسسات الحاكمة ، والأحزاب التي تطمح للوصول إلى الحكم ،تلجأ دائماً إلى الإعلام ، وتحاول امتلاك وسائل إعلام قوية ومتنوعة ومؤثرة ، أما المجتمعات المتخلفة والضعيفة التي لاتستوعب الدور الهام للإعلام ومنابره نلاحظ بأنها عرضة للإعلام المعادي ، وتتفاعل وتجري خلف الدعايات والأكاذيب التي تطلقها المنابر الإعلامية المعادية . ومن جهة أخرى فإن التقنيات الحديثة ، والشبكة الالكترونية شبه المجانية أتاحت فرصة كبيرة ، ومساحة جيدة أمام الشعوب المضطَهدة التي ترزح تحت نير أنظمة الاستبداد ، بحيث أصبحت مواقع ومنابر التواصل مساراً لصوتها، فيما إذا كانت نخب هذه الشعوب منظمة وواعية وتجيد استخدام هذه المنابر بشكل منظم ، وتوجه شعوبها نحو البناء والتنمية والتمكين وبالتالي القرار . وربما هناك عامل سلبي آخر يضاف إلى أسباب ضعفنا الإعلامي ، يتجسد في غياب معايير النشر على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي كانت بمثابة نعمة لنا ،والتي أدت إلى خلق مجال واسع للفوضى القاتلة التي تحولت إلى غول يبتلع الالتزام والانضباط وكل ماهو مفيد، وبكل أسف ما هو شعبوي ومضلل وكاذب بات يحظى باهتمام الشريحة الأوسع في مجتمعاتنا،لا بل ويحتكر المساحة الأكبر في عالم النشر والإعلام والأخبار ،وجيوش “الجهلة ” والمسيرون من غرف التضليل باتوا يتزاحمون على تلك المساحة الافتراضية بغرض تسويق الأكاذيب ، والتضييق على كل ماهو مفيد ، وبات المواطن ضحية . سابقاً كانت الدول الاستعمارية تحتل الأمم المستضعفة عبر جيوشها وبقوة السلاح , ولكن في الوقت الحاضر غيرت تلك الدول من أساليبها في فرض نفسها على شعوبنا من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة , لأن هذه الدول توصلت إلى قناعة تامة بأن هناك وسائل أخرى تؤدي نفس الوظيفة وبكلفة مادية أقل بكثير من الحروب العسكرية ، وبكلفة بشرية تكاد لاتذكر مقارنة بعشرات الآلآف من الضحايا سابقاً ، وتقوم الاستراتيجية الجديدة لهذه الدول على التمهيد عبر الإعلام المركز والهادف والمدروس، بعد معرفة مجتمعاتنا وخصائصها النفسية ، من خلال خبرائها النفسيين ، لتحديد نوعية البرامج والأفكار المطلوبة بثها عبر وسائل الإعلام ، وتوجيه تلك الوسائل نحو مساحة محددة ومقصودة ، تستهدف الصغار والكبار ، من خلال الرسوم والأفلام الكاريكاتيرية التي تشد انتباه الصغار وتجذبهم ، وكذلك من خلال برامج وأفلام تستقطب الكبار ، هذه العملية الممنهجة عبر هذه الوسائل الإعلامية المعادية جعلت من شعوبنا أسرى ومعتقلين لدى هؤلاء من خلال هذه الوسائل . بما أن وظيفة وسائل الإعلام هي إيصال المعلومة إلى المتلقي ، وبما أن المتلقي في واقعنا الكوردي السوري بشكل عام يحتاج إلى تزويده باستمرار بالعلم والمعرفة والمعلومة الصحيحة ، وتصحيح مايصله من معلومات مشوهة ومزورة ، وكذلك قطع الطريق على تلك الوسائل الإعلامية التي تبث السموم في وعقول أبناء شعبنا لذلك لابد لنا من إيجاد وسائل إعلامية متنوعة كبدائل لتلك القنوات والوسائل المضللة . لذلك علينا أن نقف على مخاطر وأهمية هذا الموضوع ، وندرس بصورة جدية كيفية إيجاد تلك الوسائل ، وكيفية إعداد البرامج ، والاهتمام بهذا الجانب . وهنا من الأهمية الإشارة إلى أنه بالرغم من أن الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المختلفة والفضائيات أثرت بشكل كبير على الإعلام الورقي المطبوع وكذلك الراديو ، لكن علينا أن ندرك بأن هناك شريحة لايستهان بها مازالت تفضل الإعلام الورقي المطبوع، مما يعني بأنه علينا أن نتفهم هذه الحاجات، بشكل كامل . وبما أن اليوم لانستطيع أن نمنع أحد من الاستماع ومشاهدة الوسائل المختلفة لذلك علينا أن ندرك بأن الإعلام هو أنت،إن كنت شخصاً أوحزباً أو مؤسسة أو إطاراً أو حكومة ….إلخ أمام الشعب ، أنت من خلال الإعلام تقدم نفسك وبرامجك وخدماتك للمتلقي . بمعنى إذا كان إعلامك ضعيفاً فعليك أن تدرك بأنك ضعيف في نظر الشعب ، وإذا كان الخصم أو العدو قوياً في نظر شعبك ، ويحاول أن يشوه صورتك الضعيفة أصلاً في نظر شعبك يعني أن مهمتك تتضاعف ، من هنا علينا التحرك واستيعاب مدى خطورة فقداننا لإعلام قوي ومدافع عن صدق نوايانا ، وعدالة قضيتنا . يجب أن نضع شعبنا في صورة مايجري حوله باستمرار ، وما يواجهه من مخاطر ، ومدى التزوير الذي يغلف على شكل صور جميلة ويقدم له بغية تضليله ، ومدى حرصنا عليه وعلى حقوقه ووجوده ، ومدى قدرتنا على إشباع رغباته لكي يتجنب الإعلام المعادي والمضلل الذي يستهدفه . لأن الإعلام الذي يمثلك في كل بيت من خلال تلك الوسائل ، يجعل الفرد وكذلك المجتمع مع مرور الزمن جاهزاً لتلقي إشارة التحرك حيث تريد إذا كنت متمكناً وواعياً لأهمية دور هذه السلطة التي كانت تسمى السلطة الرابعة ، واليوم تسمى صاحبة الجلالة لما لها من دور وأهمية .
ومنذ أواسط ثمانينات القرن العشرين وحتى اليوم يشهد الإعلام طفرةً كبيرة ومستمرة في كل مايتعلق به، سواءً مايتعلق بالمعلومات، أو بالأدوات والتجهيزات، وكذلك بالبرامج والتطبيقات . حيث كنا في الواقع الكوردي نعتمد في الحصول على المعلومة من مصادر سرية وممنوعة وورقية بدائية متواضعة جداً في شكلها ومضامينها ، وكانت تقتصر في معظمها على الأخبار مع قسط بسيط من المعلومات في غياب تام للجانب التسويقي ، وكل ماله علاقة باستقطاب المتلقي ، وغياب شبه تام بمايتعلق بالثقافة الشعبية ، مع جل التقدير للجنود المجهولين الذين كانوا يحاولون الكتابة وإيصال المعلومة الصحيحة إلى شعبنا في ظل تلك الظروف القاسية جداً. علماً أن الأعداء كانوا يمتلكون وسائل إعلام متنوعة ومتطورة مقارنة بما لدينا، حيث كانت وسائلهم الإعلامية متخصصة في حقول الإعلام المختلفة من أخبار ومعلومات وثقافة جماهيرية هادفة ، ومنابرمكتوبة ومسموعة ومرئية . ومع التقدم التكنولوجي الكبير ، وثورة المعلومات ، وانتشار الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ، وحصول انفراجات نسبية في هوامش حرية الرأي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وخروج المعلومة من دائرة الاحتكار ، وإمكانية التعبير خارج المساحات التي تحددها الأجهزة الأمنية للأنظمة الاستبدادية التي تتحكم بشعوب المنطقة ، تنفست النخب الواعية لشعوب المنطقة بشكل عام ، وتلك المنتمية لشعبنا بصورة خاصة ، وتوفرت مساحات مقبولة من التعبير عبرها وخاصة تلك المتاحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ، والمواقع الالكترونية المتعددة . ولكن بالترافق مع التقدم الكبير الحاصل ، دخلت الشعوب المضطَهدة ونخبها في إشكالية جديدة تتعلق ببنية المعلومة نفسها ، ولم تعد الطرق التقليدية في صياغة ونشر المعلومات قادرة على مجاراة تلك الهجمات المركزة الآتية من الاستعمار الجديد، والتي تجتاح باستمرارحواضن الأمم المستضعفة هذه من ناحية ، ومن ناحية أخرى بقي الفرق كبيراً في الامكانات بين إعلامنا وإعلام الخصوم والأعداء ، لا بل اتسعت الهوة أكثر ، لجهة التخصص ، والمنهجية ، والسرعة ، والاحترافية ، مما يستوجب التفكير بشكل جدي في مخاطر هذا الموضوع . والنقطة الأخرى التي مازالت غائبة تماماً عن أذهاننا وهي أن المعلومة تباع وتشترى مثل بقية السلع ، وتتفاوت تكاليفها حسب أهميتها وسبق توقيتها . وهنا يجد المهتم نفسه أمام جملة أسئلة تطرح نفسها : إلى أي حد نستطيع أن نشارك في هذا الصراع الكبير والخطير،ونأخذ موقعنا الطبيعي فيه ، ونتمكن من الدفاع عن مصالح شعبنا ، ونتفاعل من خلال العناصر الضرورية المطلوبة في حقول الإعلام والاتصال ؟. إلى أي درجة لدينا الجرأة على الاعتراف بأن منظومتنا الإعلامية تحتاج إلى تغيير حقيقي في بنية وشكل ودور حواملها سواءً تلك المكتوبة أو المرئية أو المسموعة ؟. بما أن التسويق سواءً كان تجارياً أو فكرياً أو ثقافياً أو سياسياً يتم عن طريق الإعلام ، أين نحن من هذه المنظومة الإعلامية التي عن طريقها سنقوم بتسويق مشروعنا ؟. من يقوم بتصميم وكتابة الرسائل التي نريد أن نرسلها عبر حواملنا الإعلامية المتواضعة ، ماذا يجب أن تحمل وتتضمن هذه الرسائل ، متى يجب أن توجه هذه الرسائل ، وكيف ، وماهو الحامل المناسب لكل رسالة ؟. هل قاعدة الإعلام المحايد تتناسب مع أوضاع مجتمعاتنا التي عانت من الاستبداد والشمولية لعقود ؟. إلى اي درجة يقوم إعلامنا بدور التنمية في أوساط حواضننا الشعبية ؟. ماهي الرسائل التي يجب أن يحملها إعلامنا ، ولمن ؟.
……….. وللموضوع بقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى