من الصحافة العالمية

«الاتحاد الديموقراطي» أحد أوجه مأساة الكرد السوريين

عبدالباسط سيدا

مع انطلاقة التظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاحات في مختلف أنحاء سورية، واجه النظام، بعد عقود من الحكم المخابراتي، احتمالاً قوياً بسقوطه. هكذا بادر إلى اعتماد جملة تدابير، منها الوعود الإصلاحية التضليلية، بخاصة تلك الحزمة التي أعلنتها بثينة شعبان في صورة هستيرية في بداية الثورة، ومنها دفع الثورة نحو العسكرة التي كان من أهدافها تمكين النظام من استخدام القمع بكل أنواع الأسلحة، والحد من التعاطف الإقليمي والدولي مع الشعب السوري ومطالبه المشروعة، وكذلك المحاولات الحثيثة لإبعاد مكونات مجتمعية سورية عدة من الثورة، خصوصاً العلويين والمسيحيين والكرد، لتكوين انطباع خادع بأن ما يجري هو صدام بين القوى الإسلامية المتشدّدة الإرهابية التي تمثّل العرب السنة والنظام «العلماني حامي الأقليات». وقد تنبّهنا إلى هذا الموضوع، وحذرنا منه مراراً وتكراراً، غير أن قوى وقيادات ضمن المعارضة لم تستوعب ذلك كما ينبغي بفعل تأثيرات بقايا الأيديولوجيات القومية والدينية، وحتى الاشتراكية، ولم تبلغ مستوى موجبات المشروع الوطني السوري الذي لم ولن يكون إلا بكل السوريين ومن أجلهم.
وفي ما يخصّ موقف الكرد من الثورة، فإنه توزّع منذ أيامها الأولى بين ثلاثة اتجاهات:
الأول والأهم، هو الذي تجسّد في مواقف وتوجهات التنظيمات الشبابية التي تشكّلت في حضن الثورة، ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات السياسية المستقلة، إلى جانب بعض الأحزاب الكردية. وكان هذا الاتجاه داعماً للثورة، مشاركاً فيها من دون تردد، ولعل صور تظاهرات عامودا وغيرها من المدن الكردية ما زالت في ذاكرة الجميع.
أما الاتجاه الثاني، فتميّز بالتردد والتريّث والتشكيك. وكان هذا الموقف القاسم المشترك بين مجموعة الأحزاب الكردية التي شكّلت لاحقاً المجلس الوطني الكردي السوري، وهي أحزاب كانت تعاني عموماً الانقسام والترهّل، وعدم امتلاك قياداتها الإمكانات التي تؤهلها للتعامل مع تحديات الوضع الجديد، إلى جانب أن قسماً كان يعاني من ضغوطات النظام، فيما اعتمد قسم آخر السياسة الاتكالية، وانتظار ما سيمليه عليه الإخوة في كردستان العراق.
أما الاتجاه الثالث، فهو الذي عبّر عنه حزب الاتحاد الديموقراطي الذي تشكّل بعد إبعاد عبدالله أوجلان من سورية عام 1999، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ويتبع مباشرة قيادته العسكرية في قنديل. وقد دخل نشطاء هذا الحزب وقياداته إلى سورية بعد انطلاقة الثورة بموجب اتفاق أمني مع النظام، وبالتنسيق الكامل مع النظام الإيراني، بهدف ضبط الأوضاع ضمن المناطق الكردية، ومنع الكرد من الانخراط بفاعلية في الثورة بوصفه مساهماً فاعلاً في إسقاط النظام، بخاصة أن المناطق الكردية في سورية تمتد على طول الحدود التركية – السورية، كما أن الوجود الكردي الكبير في دمشق (حوالى المليون) وحلب (حوالى نصف مليون) كان من شأنه زعزعة أركان النظام.
واستخدم هذا الحزب في بداية الأمر، لغة العاطفة القومية، واستغلّ تردّد الأحزاب الكردية، وكان يدرك تماماً صعوبات الأحزاب الكردية في كردستان العراق، والضغوط الإيرانية الهائلة عليها، وكان مطلعاً على واقع الأحزاب الكردية السورية، وعلى علم بعدم قدرة قياداتها على التصدي لمهام المرحلة. هكذا بدأ ينظّم قواه ويستفيد من الإمكانات المادية والأسلحة التي حصل عليها من النظام. كما بدأ بتصفية بعض الخصوم فيزيائياً، وعمل في الوقت ذاته على تصفية البعض الآخر معنوياً عبر حملات إعلامية تشبيحية، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بأسلوب غير معهود، بل منبوذ في المجتمع الكردي. ذلك كله لترهيب الكرد، وإرغامهم على السكوت أو الرحيل.
واللافت في أمر هذا الحزب، أنه استخدم استراتيجية الظهور في مظهر الطرف الثالث المحافظ على الخصوصية الكردية، وأمن المناطق الكردية، والمحارب للإرهاب الإسلاموي، في حين أنه لا يطرح فعلياً أي مشروع حقيقي يخص كرد سورية، ولا علاقة له بالثورة السورية في أي شكل من الأشكال. بل إن التنسيق الأمني بينه وبين النظام كان وما زال على أعلى المستويات، بخاصة في القامشلي والحسكة حيث النظام اليوم أقوى فيهما من أي وقت مضى.
ومع تدويل القضية السورية، وجد هذا الحزب نفسه أمام إمكان عقد تفاهمات بخصوص قتال «داعش»، وهي تفاهمات ساهمت العلاقة الأميركية – الإيرانية التناغمية في بلورة معالمها. لكن التحالف الأساسي لهذا الحزب يظل مع الطرف الروسي ضمن إطار حلفه مع النظامين السوري والإيراني.
غير أن الذي يستوقف أكثر من غيره، هو إصرار الإعلام الغربي والروسي، وقسم كبير من الإعلام العربي، على تسويق زعم تضليلي مفاده أن هذا الحزب يمثل الكرد السوريين، وبالتالي فإن أي تصرف أو أي عمل يقوم به يُسوّق على أنه موقف كردي.
فحول مفاوضات جنيف الأخيرة التي أُبعد منها هذا الحزب، قيل إن الكرد قد غُيبوا، مع أنهم شاركوا بفاعلية في مؤتمر الرياض، وفي الوفد التفاوضي للمعارضة. كما أن التنسيق الكامل بين قوات هذا الحزب وقوات النظام وحلفائه والطيران الروسي، كما حصل في ريف حلب ضد قوات المعارضة، نُسب إلى الكرد، على نحو يهدد بتفجير العلاقة العربية – الكردية. وهو هدف عمل، ويعمل، عليه النظام منذ اليوم الأول للثورة، ويبدو أنه بات أكثر إلحاحاً في يومنا الراهن استعداداً لاستحقاقات مقبلة. هذا فيما الجميع يعلم أن هذا الحزب يستغل ورقة كرد سورية، بل يستغل إمكاناتهم المادية، وشبانهم، لتنفيذ مآرب مشروعه الخاص الذي لا يتقاطع أبداً مع المشروع الكردي السوري الوطني، والذي أساسه الاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي في سورية، والإقرار بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، والقطع مع جميع المشاريع والسياسات التمييزية التي عانى منها الكرد لعقود، ومنها الحزام والإحصاء والتعريب القسري والقوانين الاستثنائية، وذلك كله يتم ضمن إطار المشروع الوطني السوري المتمحور حول نظام مدني ديموقراطي تعددي، لا تمييز فيه.
إن الفصل بين هذا الحزب وكرد سورية ضرورة لا بد منها، تماماً كضرورة الفصل بين العرب السنة و «داعش». فهذا الحزب مجرد أداة تنفيذية لمخطط لا يتوافق أبداً مع المصلحة الكردية تحديداً، ولا مع المصلحة السورية عموماً. ومن اللغط والإجحاف أن يقدّم بوصفه يمثّل الكرد في سورية.
 
الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى