من الصحافة العالمية

«الاتحاد الوطني العراقي» و«العمال الكردستاني السوري»… وتحالف الأخوة الأعداء

هوشنك أوسي

على هامش حضوره مؤتمر «حزب الاتحاد الديموقراطي» PYD (الفرع السوري للعمال الكردستاني)، صرّح القيادي البارز في «الاتحاد الوطني الكردستاني – العراقي» والمسيطر على الحزب، ملا بختيار، بأن: «ثورة روجافا (ويقصد يوم تسليم النظام السوري إدارة السلطة في المناطق الكردية لحزب PYD) هي ضمانة حرية كل أجزاء كردستان». يقول ملا بختيار ذلك، علماً أن لا حزبه ولا «العمال الكردستاني» مع استقلال كردستان. وقد صرّح الحزبان أكثر من مرّة، سواء عبر البيانات أو الأدبيات حول ذلك. وأكثر من هذا، صرّح قيادي بارز من حزب «الاتحاد الوطني» بأنه «إذا قرر مسعود بارزاني، فصل كردستان العراق، فسنفصل السليمانيّة عن كردستان ونضمّها إلى العراق». وهذا الموقف، لا يعكس حبّ وإصرار «الاتحاد الوطني» للوطنيّة العراقيّة، بمقدار ما هو كره «الديموقراطي الكردستاني» وزعيمه بارزاني، ورفض أن تتم عمليّة استقلال كردستان على يد هذا الرجل. وعلى هامش حضور ملا بختيار مؤتمر حزب (PYD) المنعقد في أيلول (سبتمبر)، عقد اجتماعاً في مدينة القامشلي. وعندما انتقد إبراهيم برو، رئيس المجلس الوطني الكردي في سورية، سياسات سلطة حزب (PYD) وممارساتها، انتفض ملا بختيار في وجهه، رافضاً هذه الاتهامات والانتقادات، قائلاً: «لو كان كلامك صحيحاً. لما كنت الآن موجوداً، وتنتقد حزب الاتحاد الديموقراطي هنا». في إشارة منه إلى أن مجرّد انتقاد أي قيادي كردي معارض لحزب (PYD) على قيد الحياة، أو ليس معتقل لدى الحزب، هو مؤشّر دامغ إلى ديموقراطيّة الأخير! ولكن، ما هي قصّة سنوات العسل الثلاث الأخيرة بين «الاتحاد الوطني الكردستاني» و «العمال الكردستاني»؟!
في حقبة التسعينات، كثيراً ما كان يردد زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان: «نفضّل عداوة الحزب الديموقراطي الكردستاني على صداقة الاتحاد الوطني الكردستاني»، في إشارة منه إلى «الزئقبيّة» والبراغماتيّة التي يتمتّع بها «الوطني الكردستاني» بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، الذيي لا يؤمن له جانب، والمبدئيّة الوضوح والصراحة في الخلاف أو العداء التي يتصف بها «الديموقراطي الكردستاني» بزعامة رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني.
التقويم – الحكم، كرره أحد أبرز قيادات «العمال الكردستاني» في اجتماع جماهيري، قبل فترة، بقوله: «عداوة بارزاني، ولا صداقة طالباني»، وذلك على رغم تنامي التحالف والتنسيق بين حزبي أوجلان وطالباني، منذ اندلاع الثورة السوريّة منتصف آذار سنة 2011! إن تراكم الخلافات وحالات الاشتباك بين الحزبين الكردستانيين، التركي والعراقي، يؤكّد ويوثّق عدم الثقة بين الطرفين، والعداوة التي تستبطن الكلام المعسول الذي تغدقه قيادات «الوطني الكردستاني» على «العمال الكردستاني» وفرعه السوري «حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)». وفي هذا السياق، يمكن إيراد الحوادث والأمثلة التي جرت في الأمس القريب، كنماذج من هذا التراكم:
1- في 2/5/1983، وقبل بدء «العمال الكردستاني» الكفاح المسلّح ضد تركيا بسنة ونيّف، وفي إطار مساعي الصلح بين «الاتحاد الوطني» و «الديموقراطي الكردستاني»، قُتِل أحد مؤسسي «العمال الكردستاني» وأبرز قيادييه العسكريين وقتذاك، محمد قره سونغور، برفقة قياديين آخرين. واتهم «العمال الكردستاني»، «الاتحاد الوطني» باغتياله.
2- في خريف 1992، وبعد إغلاق معسكرات «العمال الكردستاني» في سهل البقاع اللبناني، شنّ الجيش التركي هجوماً واسعاً على معاقل الحزب الأوجلاني في كردستان العراق. وانخرط الحزبان الكرديان العراقيان في هذه الحرب، ضد «الكردستاني». وبعد أن أبدى الأخير مقاومة كبيرة، واستشرف «الاتحاد الوطني» هزيمة الأتراك في تلك الحملة، انسحب حزب طالباني من الحرب، تاركاً حزب بارزاني وحده يقاتل مع الجيش التركي. ويقال أن طالباني كان عرّاب انخراط كرد العراق في معركة الجيش التركي ضدّ «العمال الكردستاني» وقتذاك! ولم تكد تمضي أشهر، وكي يظهر طالباني نواياه الحسنة، وأنه طوى صفحة الخلاف والعداء، وافق على أن يكون وسيطاً في المفاوضات بين الرئيس الراحل تورغوت أوزال وعبدالله أوجلان في آذار (مارس) 1993، بطلب من أوزال.
3- بعد اعتقال أوجلان سنة 1999، وحدوث بلبلة ضمن «العمال الكردستاني»، على خلفيّة تغيير أوجلان أهداف الحزب واستراتيجيّته، شنّ «الاتحاد الوطني» هجوماً منفرداً وواسعاً على مناطق جبال قنديل سنة 2000، محاولاً طرد مقاتلي «العمال الكردستاني» من تلك المناطق الوعرة التي يعتبرها حزب طالباني، امتداداً لمناطق نفوذه في كردستان العراق. لكن تلك الحملة العسكريّة التي سقط فيها المئات من الجانبين، فشلت فشلاً ذريعاً، وفقد «الاتحاد الوطني» مدينة رانية أيضاً. ما أجبره على إبرام اتفاق مع «العمال الكردستاني» يستعيد بموجبه مدينة رانية، وأسراه، ولكن، يحرّم على «الاتحاد الوطني» دخول مناطق جبال قنديل، من دون إذن مسبق من «العمال الكردستاني».
4- دعم وموّل حزب طالباني، أكبر انشقاق استراتيجي شهده «العمال الكردستاني» في تاريخه، بقيادة عثمان أوجلان، سنة 2004. وقام بدعم وتمويل الانشقاق الذي حصل في حزب الاتحاد الديموقراطي (الفرع السوري) سنة 2005. كما استقطب «الاتحاد الوطني» كل العناصر والقيادات المنشقة عن «العمال الكردستاني» مؤمناً لها الملاذ والتغطية السياسيّة والماليّة والحماية الأمنيّة.
5- أكثر من مرّة، وصف طالباني الكفاح الكردي في تركيا بـ «الإرهاب»، والدفاع عن النفس في مواجهة آلة الحرب التركيَّة، بأنه «خيانة للشعب الكردي». ومثال على ذلك، تصريحاته لوسائل الإعلام التركيّة، قبيل انتخابات 22 تموز (يوليو) 2007، حين ناشد أكراد تركيا بالتصويت لـ «حزب العدالة والتنمية»، وعدم التصويت لـ «حزب المجتمع الديموقراطي» الكردي الذي تم حلّه وحظره لاحقاً، بقرار من المحكمة الدستوريّة العليا في تركيا.
6- في شباط (فبراير) 2008، وأثناء الاجتياح التركي لكردستان العراق، بحجة ملاحقة مقاتلي «العمال الكردستاني»، اتهم الأخير، «الاتحاد الوطني» بالضلوع في هذا الاجتياح. وكان إعلام «العمال الكردستاني»، حينذاك، يصف جلال طالباني بأنه «مهندس هذا الاجتياح». وفي هذا السياق، نشرت «الحياة» في 28/2/2008 مقالاً لمسؤول إعلامي في «العمال الكردستاني»، تحت عنوان: «طالباني مهندس الاجتياح التركي لكردستان العراق»، احتجّ مكتب طالباني على هذا المقال، وأصدر نفياً لما تضمّنه.
6- كثيراً ما أطلق طالباني وقيادات حزبه صفة «الإرهاب» على «العمال الكردستاني»، قبل اندلاع الأزمة السوريّة، بخاصّةً أثناء وجودهم في تركيا. بينما بارزاني، رفض إطلاق هذا الوصف، على رغم علاقاته الوثيقة مع تركيا! ويرى مراقبون أن التنسيق بين «الاتحاد الوطني» و «العمال الكردستاني» هو تحالف الضرورة الناشئ تحت ضغط الظروف، وأنه ليس وليد التوافق والانسجام الأيديولوجي والقومي الكردي، الهادف إلى تحقيق مشاريع قوميّة مشتركة، بل إنه «تحالف الأخوة الأعداء»، وخاضع لجملة من الأسباب والاعتبارات، منها:
1- وحدة الحال بين هذين الحزبين، لجهة وجودهما ضمن المحور الداعم للنظام السوري، نتيجة علاقاتهما الوطيدة مع النظام الإيراني.
2- الخصومة والخلاف القديم – الجديد المتصاعد بين «الوطني الكردستاني» و «الديموقراطي الكردستاني» في السنوات الثلاث الأخيرة، بخاصة بعد خسارة «الاتحاد» الانتخابات النيابيّة، وفقدانه قسماً كبيراً من شعبيته، وتصاعد شعبية خصميه «الديموقراطي الكردستاني» و «حركة غوران». إضافة إلى الخلاف على تقاسم السلطة في الإقليم، وملفّات أخرى متداخلة ومعقّدة بين الأطراف الكرديّة العراقيّة. هذا الخلاف، يجعل من «الاتحاد» يستثمر خلافات «العمال الكردستاني» و «الديموقراطي الكردستاني»، عبر دعم الأول ومساندته، ليس حبّاً به، بل كرهاً بالثاني.
حاصل القول: «العمال الكردستاني» يعي ويدرك تماماً، طبيعة وخلفيّة وأهداف «تحالف» تيّار (ملا بختيار – هيرو إبراهيم أحمد، عقيلة طالباني) الذي يقود «الاتحاد الوطني» معه. وأن منسوب الكلام المعسول الذي تغدقه قيادات الأخير على «العمال الكردستاني» وفرعه السوري، من صنف «النفاق السياسي»، الهدف منه تصفية الحساب مع «الديموقراطي الكردستاني» وتهديده بأنه محاصر شمالاً، بمقاتلي «العمال الكردستاني» المسيطرين على كامل الشريط الحدودي العراقي – التركي، وبسيطرة الفرع السوري على المناطق الكرديّة السوريّة من الغرب، وسيطرة حلفاء إيران («الاتحاد» و «غوران») على السليمانيّة وكركوك من الشرق والجنوب. هذا من جهة، من جهة أخرى، «الاتحاد الوطني» بعد أن تقلّصت شعبيّته وقوّته العسكريّة، يحاول أن يستقوي بقوّة «العمال الكردستاني» العسكريّة في مواجهة «الديموقراطي الكردستاني». ولكن، في حال سقط النظام السوري، ونفضت روسيا وإيران أيديهما منه، سرعان ما سنجد «الاتحاد الوطني» يقفز إلى السفينة الأخرى، تاركاً «العمال الكردستاني» يواجه مصيره لوحده، كما كان يفعل «الاتحاد الوطني» سابقاً. إن حزب طالباني، يمارس مع «العمال الكردستاني» ما يمارسه النظام السوري وطهران نفسه مع حزب أوجلان، عبر استخدامه كورقة ضغط ضدّ خصومه. وريثما تنتهي صلاحيّة أو مهمّة «العمال الكردستاني»، ستبقى قيادات «الاتحاد» تقول في «العمال الكردستاني» وفرعه السوري، من ضروب الإعجاب والإطناب، إلى جانب تقديم بعض الخدمات والمفرقعات الإعلاميّة والسياسيّة للحزب الكردي التركي! وعليه، كلا طرفي هذا التحالف المرحلي، البراغماتي – الحزبوي، يظنّ أنه يستثمر ويخدع الآخر، ويستخدمه كـ «جوكر» ضد خصومه، لتحقيق أهدافه الخاصّة. والسؤال: إلى متى ستستمرّ حفلة التكاذب هذه؟ ومن الرابح الأخير فيها.
 
الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى