
الاتفاق الكُردي-الكُردي، نقطة تحول نحو الوحدة في كَردستان سوريا
جوان ولي
برز الحديث مؤخراً عن الاتفاق الكُردي والوفد المشترك الذي سيمثّل الكَرد في دمشق، مما يشير إلى تحولٍ كبير سيحدث زلزالاً في المشهد السياسي الكُردي في سوريا.
يمثّل الاتفاق الكُردي هدفاً يستحقّ بذل الجهود والإمكانيات لتحقيقه، حتى وإن كانت احتمالية النجاح صغيرة ، فإنّ تأثيرها الكبير على القضية الكُردية في كَردستان سوريا يفرض علينا المحاولة الجادة لتحقيقه. يتطلّب هذا من الأطراف المعنية تقديم تنازلات كبيرة، ويجب على الشارع الكُردي الضغط بعقلانية لتوحيد الكُرد، مع ضرورة أن تكون مراقبته للأحداث واقعية لتجنب استغلال هذا الحرص من قبل أصحاب المصالح الضيقة. فالهدف من هذا الاتفاق يتجاوز المكاسب الحزبية الضيقة، ويجب أن يُعبّر عن المصلحة العامة للكُرد.
إنّ تحقيق وحدة الصف الكُردي سيعزّز من موقفهم في المفاوضات المستقبلية مع دمشق، خاصة مع وجود تأكيدات من دول فاعلة لدعم المطالب الكُردية المشروطة بتوحيد خطابهم أولاً، مما يسهل تحقيق مطالبهم المشروعة في إقامة دولة تشاركية تعددية تحقق الحقوق القومية للشعب الكُردي.
من المهم الإشارة إلى الاتفاقات السابقة بين المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطي (ب.ي.د)، التي لم تُطبّق وفشلت لأسباب مختلفة، خاصةً فيما يتعلّق بحزب العمال الكردستاني وتأثره بنظام الأسد و ايران،. فكان هذا التأثير يفرض على ال ب ي د توجهاً معيناً، وهذا كان السبب الأساسي في فشل التقارب الكُردي، ليس على مستوى الأحزاب الكُردية السورية فقط، بل حتى على مستوى الأحزاب الكُردستانية.
يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي تجعل الأتفاق الكُردي ممكناً الآن، حيث تستدعي المتغيرات الحاصلة إعادة بناء تصوراتنا من جديد، إذ أنّ الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر 2023 أصبح مختلفاً تماماً.
يستمدّ المتشائمون من الكُرد السوريين تصوراتهم من التجارب السابقة، لكن يجب أن نعلم أنّ الكُرد في سوريا لم يكونوا قريبين من أهدافهم كما هم الآن.
الإجماع الكُردي الحالي يشير بوضوح إلى أنهم يجب أن يصيغوا مطالبهم بوضوح ، حيث عندما تتمّ صياغة الأهداف بشكلٍ دقيق، يسهل على الداعمين في المجتمع الدولي فهم المطالب والاحتياجات. هذا يمكن أن يساعد في تحقيق الدعم الفعّال للقضية الكُردية من مختلف الأطراف……
رغم وجود عدم ثقة بين الأطراف الكُردية بسبب التراكمات السابقة، لا يمكن للقوى السياسية الكُردية تجاهل الضغوط الدولية التي تدعو إلى وضع رؤية مشتركة للكُرد في سوريا. هذا سيساهم في دعم الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لأي اتفاق بين الكُرد.
إنّ هذا الدعم الدولي يمكن أن يشمل ضمانات سياسية وعسكرية، مما يعزّز من موقف الكُرد في أي مفاوضات مستقبلية مع دمشق،و يبدو أنّ المجتمع الدولي أيضاً بحاجة إلى دور محوري للكُرد، لتحقيق الاستقرار في سوريا، وهذا ما يفسّر محاولات التحالف الدولي بزعامة أمريكا لحل الخلافات الكُردية وتوحيد رؤيتهم السياسية.
غاب عن الاتفاقات السابقة بين المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطي طرف ثالث يضمن تنفيذ الاتفاقات، لكن الوضع الآن مختلف، حيث يتابع الأمريكيون والفرنسيون حصول هذا الأتفاق، ويضغطون لتحقيقه، وهو ما لم يكن موجوداً في الاتفاقات السابقة. بالإضافة إلى الدعم القوي من كُردستان العراق، حيث أكّد السيد أوجلان في خطابه على ضرورة لعب الرئيس مسعود بارزاني دور الراعي للاتفاق بين حزب العمال الكردستاني وتركيا ، و هذا يجعل الرئيس مسعود في مكانه يثق به قسم كبير من أتباع اوجلان.
كان لإيران دور مؤثر في كافة قضايا المنطقة، بما في ذلك القضية الكُردية. ومع تراجع دورها، يتحرّر الكُرد من الضغوط التي كانت تؤثّر بشكلٍ كبير على قضاياهم القومية.
هذا التحول في موازين القوى الإقليمية يمكن أن يفتح الباب أمام فرص جديدة للكُرد لتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم.
يجب أن تتجاوز الأطراف الكُردية حالة عدم الثقة، وتعمل على فتح صفحةٍ جديدة، حيث يجب أن تكون المصلحة المشتركة للشعب الكُردي في سوريا وكُردستان بشكلٍ عام فوق كل اعتبار. قد تكون حالة التنسيق الحالية بين إقليم كُردستان العراق وقائد قوات قسد بداية لمرحلة جديدة تعزّز العلاقات الاستراتيجية وتوحّد جهود القوة الكُردستانية.
التحديات ليست سهلة، حيث توجد مجموعات تحاول استغلال الانقسامات بين الكُرد، ولا تصبّ في مصلحتها توحيد الصف الكُردي. إن تزايد حالات خطف الأطفال القصر من قبل منظمة الشبيبة الثورية هو محاولة يائسة لإفشال الاتفاق الذي بات قريباً.
إنّ الوضع الكُردي في كُردستان سوريا لا يمكن فصله عن الصراعات الإقليمية، مما يجعل الأحزاب الكُردية عرضة للتأثيرات الخارجية. ومع ذلك، فإنّ الفرص الحالية لتحقيق الاتفاق الكُردي تبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “331”