آراء

الاحتلال توصيفاً.. كركوك وعفرين أنموذجان

وليد حاج عبد القادر

ما يجمع زمننا الحالي وأحداثه بالرغم من السنين العديدة التي تتالت منذ التدهور البنيوي والوهن الذي اجتاح مفاصل السلطنة العثمانية وأطارفها التي تفكفكت نسبياً وأخذت تعتمد على صياغة سياقية مستقلة، لا بل إن بعضها استطاعت أن تتمرد وتشكل قوة كبيرة هددت السلطنة نفسها وتمكنت بالفعل من أن تصل إلى حدود عاصمتها آستانة، ولتنعكس هذه الحالة على المحيط أيضاً فتربك دولاً كانت قد برزت على السطح بقوتها ونفوذها، وتبان خشيتهم على هذه السلطنة الهزيلة من التفكك فتتسلق على أشلائها إحدى الولايات تحل محلها، وبالفعل.

وكما هي متواليات اليوم بأحداثها وإن كانت بوتيرة مختلفة نسبية، فقد كان لقدوم جيش والي مصر محمد علي باشا بقيادة ابنه إبراهيم الذي وصل إلى بلدة نصيبين وازدادت خشية السلطان محمود الثاني سيما بعد هزيمة جيشه ومقتل العديد منهم، فحركت روسيا جيش قوامه 15 ألف مقاتل بناءً على طلب السلطان، مما أثار خشية قوية عند الإنكليز والفرنسيين فشجعتا على الصلح بين السلطان ومحمد علي ومن ثم إبرام اتفاقية “كوتاهية” في الخامس من مايو عام 1833.

وعلى إثرها، ولتنظيم الوجود الروسي، عقدت هي أيضاً مع السلطان معاهدة “هونگار أسكله سي” في يونيو 1833 تعهدت فيها روسيا بالدفاع عن السلطنة في حالة تعرضها إن لهجوم المصريين أو أي جهة أخرى، فهي إذاً “كوتاهية”؟!، والتي منها كان خطاب الحرب لإردوغان وفي استعارة تاريخية لذلك الزخم الروسي الذي تدفق له لتسييل لعابه في هجمته الوحشية على عفرين وشعبها من ناحية، وتناسيهم جميعاً لآليات إعادة / أو هكذا يظهرون / إنتاج المسألة الشرقية وتتبعات أزماتها، والتي بات كل متابع لخيوطها يدرك ماهية تلك الكتلة الصلدة التي تتالت وتراكبت عبر حوالي قرنين من الزمن، والحرص على أن تبقى في دوامة الدوران وبإصرار شديد والحفاظ على جيناتها بالرغم من انتقال أدوات حماية الفرض بالقوة من دول إلى أخرى.

ومن هنا، وباختصار شديد، وفي قفز متعمد على الإنشاء التأريخي رغم زخم المعلومات والوثائق!، إلا أن التحليل الواقعي يؤكد وفي سياقية أزمات المنطقة منذ عام 1830 والتدرج بها من شبه جزيرة القرم وانتقالها بحكم الصراعات وقواعد الجذب قوةً أو ضعفاً مركزياً، وبالرغم من ظاهرة التفتت إلى قطاعات عدة، والتي بدورها تقاطعت من جديد مع زحف إبراهيم باشا على رأس جيش والده محمد علي باشا والي مصر وتهديده إسطنبول وسلطانها وما تلاها من التدخل الفظيع للدول الأوروبية في شؤون السلطنة مستفيدة من حملات بعثاتها التبشيرية قبلاً، حيث يمكننا هنا الاختزال مجدداً والتركيز على تدرجات المسألة الشرقية ومرة أخرى من القرم مروراً بالمستعمرات العثمانية الأوروبية، ولتتلاقى على حدها فتلامس الدولة الصفوية وإن كانت اتفاقية مدينة “كوتاهية” التي منها أعلن إردوغان حربه المجنونة باسم “غصن الزيتون” وضد بلاد الزيتون و.. هي هنا زبدة التصارع والمحصلة التي تراكبت في بقعة الظلام الغامضة، والتي لا تزال كما أمسها القوى المتحكمة عالمياً، ليست عاجزة بل مترددة، والأصح هي خائفة أن تفتح منفذاً فيتسرب كل المردة من قمقم البراكين التي تبدو خامدة ومعها يتمدد فالق البحر الأحمر إلى المتوسط فالأطلسي حيث مضيق هرقل أو باب المندب، ويأخذ مجراه في الطول والعرض ويجتاز البحار والمحيطات إلى أرخبيلات آسيا البعيدة وجزرها مروراً بالصين وباكستان إلى أفغانستان ورابطة الدول المستقلة.

والأهم هنا هي روسيا الاتحادية نفسها، هذه التشكيلة الجغرافية بخرائطها وشعوبها المتداخلة والتي كلفت أوروبا قروناً من الحروب والتسويات بالترادف مع عمليات تمظهر بالقص واللصق ولتساق كعملية تجريبية / تجميلية في مواقع أخرى أنتجت تجارب فاشلة دفعت أثمانها شعوب المنطقة دولاً فاشلة أنتجت حروباً ودماءً بشرية كثيرة، إن مآلات منطقتنا بالتحديد والتي كانت ولا تزال تستقر على فوهة الفالق، -وبتصوري- ووفق التعاطي مع مسألتها كخارطة متموضعة لا زالت في نطاقية الإمبراطوريتين المحتلتين كانتا لبقاع وشعوب عديدة، واللتين لا زالتا تمارسان نفسياً وبعقلية وصائية استعمارية كما السابق، فترى شعوب المنطقة كلها بقايا أشتات ذي تابعية إلهية لها من جهة، وتدرك من جهة أخرى بأن قوامها كدول تأشكلت أساساً على سياسة القص واللصق، فحتمي هنا أن تتلمس في خاصية القص واللصق هاتين المتوقعتين مجدداً على كيانيتيهما، سيما وهما لا تزالان تمارسان سياسة الظهور بالقوة في الفرض القوموي على الشعوب التي لا تزال منضوية / محتلة من قبلها، فلا غرو أن نراهما في كوردستان العراق حيث ظهر قاسم سليماني يتمختر على رؤوس حشوده في توز خورماتو وكركوك، أو أن يشهر إردوغان غصن الزيتون على قاذفات إف 16 وبأيادي الكتائب الحميدية التي تسبقه، فيطرح الوضع علينا مجدداً وفي متواليته “هذهةكسريالية” غير منتهية.

والسؤال هو: هل ما تمارسه هذه القوات بمسمياتها هي جيوش فاتحة أم غازية محتلة ؟.. وهل الميليشيات التي تشكلت في معسكرات / الحرس الثوري / قوات تحرير كما كتائب إردوغان ودرعه الحميدي ؟.. إشكالية سيعجز الكثيرون عن الإجابة عليها في الشطر المتلازم والمتماس مع قضية كوردستان، وهي هنا النقطة أو التساؤل الذي أثاره الزعيم الكوردستاني مسعود البرازاني، حينما اعتبر كركوك وتوزخورماتو محتلتين، وكشعب كوردي في كوردستان سوريا ينظر للجيش التركي ودرعه كقوة غازية ومحتلة، وبقي علي أن أضيف أيضاً بأن كل هذه العمليات ليست سوى استدراج ممنهج للدولتين، والأيام القادمة ستنكشف عن قضايا كثيرة، ومنها أن هاتين الإمبراطوريتين – الصفوية والعثمانية- ما زالتا في طوق الحسم المتدرج نحو الفكفكة الممنهجة وبالترافق والهوينى مسايرة لميلان الفالق نحو مسارات أخرى بعد – ضبضبة – فائض القوة في منطقتنا كلها.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى