ملفات و دراسات

الانسانية تُستهدف في تل تمر في اليوم العالمي لحقوق الانسان

اعداد: برزان شيخموس

مشهد تلك المرأة المفجوعة بفقدان بعلها قبل حين مبطوناً كان أكثر ما أثار الحفيظة, وهي تبحث بين حطام منزلها عن شريط زفافها (الممغنط), مُتيقنةً مُدركةً إن كل ما دونه هباء, فالعدو جائر والحامي خذل المستحمة, تاركاً الحبل على الغارب فاسحً بوابات المحمية على مصراعيها أمام الغزاة في تلك الليلة المشؤومة.
الحواجز الأمنية المنصوبة على تخوم البلدة مرت منها مركبات الموت بسلاسة  لتريق دماء المدنيين الأبرياء دون سواهم, محطمة ما بنوه بعرق جباههم على مدى عقود, دون غيرهم ممن يفترض أنهم العدو للإرهاب المتمثل تلك الليلة بسائقي المركبات الثلاثة (شاحنات مفخّخة ) الذين استهدفوا المدنيين في كل من  شارع فلسطين، و بالقرب من المشفى الميداني، و في حي سيف الدولة بالقرب من سوق الخضار من الجهة الجنوبية لبلدة تل تمر في العاشر من شهر كانون الأول, والذي هو اليوم العالمي لحقوق الانسان, الذي بات ميثاقه يضرب عرض الحائط يومياً وليس في ذكراه فقط كما حدث في تل تمر.
قوى الإرهاب حاولت إطفاء أنوار المحتفلين بالأعياد من جميع الطوائف والتي تصادف هذه الفترة من الحول, مازجةً من جديد تراب البلدة بدماء جميع أبنائها (كرداً, عرباً, وآشوريين) إذ كان لجميعهم نصيب من شهداء التفجيرات البربرية الذين قاربوا الثلاثين شخصاً برفقة المئات من الجرحى في مشهدٍ يثبت مدى عنجهية المتآمرين على الشعب السوري, الذين لا دين لهم ولا معتقد ولا مبتغى سوى تحقيق المزيد من المكتسبات حتى ولو كانت على دماء الأبرياء.

هول الفاجعة التي لم يدركها المستهدفين إلا بعد حين

كان نائماً في قيلولته اليومية المعتادة عله ينال قسطاً من الراحة قبل أن يبدأ دوامه المسائي في مقهى الانترنت الذي يعمل به بغية تأمين مستلزماته اليومية التي بات من الصعب تأمينها بالاعتماد على راتب الوظيفة وحده, حين أيقظه صوت الانفجار العنيف الذي هزّ البلدة عن بكرة أبيها, هكذا وصف يوسف عثمان أحد مواطني تل تمر (والذي فقد ابن أخاه منير في الحادثة) لحظة الانفجار لجريدة يكيتي, مضيفاً إنه لم يشاهد سوى تحطم الزجاج على فراشه حيث كان نائماً, مستغرباً من هول ما حدث أهو  قصف للطيران؟ أم اشتباك بين المتناحرين أم تفجير استهدف أحد المقرات الأمنية المترسة بالحواجز الإسمنتية.
يوسف تابع حديثه قائلاً ” بعد الانفجارات الثلاثة حاولت تفقد أفراد الأسرة كما جرت العادة في أي حادثة أو غزوة تتعرض لها البلدة, حينها كان أخي عبد الحميد وابن أخي منير غائبين فأسرعت الخطى نحو شارع فلسطين حيث يعمل منير هناك”.
عثمان حينها توقف عن السرد بعد أن ملأ الدمع مقلتيه وهو يحاول أن يصف لقراء جريدتنا ماذا حدث تلك الليلة, إلا إنه تكابر على جرحه مستكملاً ” مع اقترابي من مركز التفجير لم يعد باستطاعتي اكمال المسير نحو محل منير, فالظلام كان دامساً والغبار ورائحة البارود تُزكم الأنوف والشارع غير سالك بعد أن افترشته بقايا الأبنية المتحطمة, حاولنا البحث طوال تلك الليلة عن منير وأقرانه لكن دون جدوى فحجم الحطام كان كبيراً والمعدات وفرق الانقاذ لم تكن موجودة, فقط أبناء البلدة بإرادتهم وبأدواتهم البسيطة حاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه وانتشال الجثث”.
عثمان أشار في معرض حديثه إن فرص وجود أحياء ومن ضمنهم منير كانت تتلاشى مع مرور الوقت, الا إنهم استمروا في البحث في اليوم الثاني حتى عثروا عليهم لكن ليس في محل عملهم بل في الجهة المقابلة حيث قذفهم التفجير الذي يصعب تحديد حجمه وكمية المتفجرات التي استخدمت فيه.

شدة التفجير لم يكن لوحده ما أفجع أبناء البلدة

“لا أتذكر شيئاً حينها سوى أنني هرولت بسرعة حافية القدمين مكشوفة الرأس وأنا أصرخ وأطلب العون والمساعدة من الخيّرين” بهذه الكلمات وصفت زكية محمد أمين حسين حالتها بعد التفجير, مفيدة إنها لم ترى سوى إن بيت أهلها قد أضحى سقفه في الارض وبيت أخيها هباءً منثوراً وهي تغمس في الوحل أكثر فأكثر بعد أحدث التفجير أضراراً بليغة في شبكة المياه والصرف الصحي.
حسين والتي فقدت والدتها وشقيقتها أضافت إن الموقف الذي تعرضت له حينها كان أصعب وأقسى من شدة وهول التفجير, قائلةً ” مع طلبي للمؤازرة والمساعدة بغية إنقاذ أهلي المستعصين تحت السقف المنهار تفاجأت بردّ أحد الجيران والذي رد بوجهي مستشفياً ( اطلبي العون من مِلتك ممن تؤيديهم, فلينقذكِ البرزانيين), حينها أدركت إننا لم نستهدف في مساكننا وأرواحنا فقط, بل استُهدِفنا منذ أمد في أخلاقياتنا وكرامتنا وحسن خلقنا الذي كنا نعتز به”.

مالم ينطق به أهل البلدة بل أوحت به ملامح وجههم

من رأى ليس كمن سمع فحجم الخراب والدمار الذي خلفته التفجيرات الثلاثة والتي استهدفت بلدة تل تمر كبيرة جداً, ولعل أعداد الضحايا لا يتناسب قطعاً مع التفجيرات التي خلفته الشاحنات الثلاثة المحملة بالمتفجرات والتي حطمت أبنية من ثلاث طوابق في شارع فلسطين بالذات حيث السوق الرئيسي للبلدة, فحجم التفجيرات كان يطرح اسئلة كثيرة لم ينطق بها أهل البلدة ربما من هول الفاجعة أو من مغبة المسألة من السلطة المتمركزة في حصونها التي لم يستهدفها العدو الافتراضي بل استهدف المدنيين دون سواهم, كما إن السيارة التي استهدفت المشفى أثارت الكثير من اشارات الاستفهام والتعجب, إذ إنها استهدفت غربي المشفى دون بوابتها القابعة في جهة الجنوب حيث الحرس المعينين من قبل سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD.
ملامح وجوه أهل البلدة كانت تنضح إن في أفضل الأحوال السلطة الحامية والمتمثلة في PYD فشلت في حمايتهم, الأمر الذي كان يُمنّن به جميع أبناء المنطقة منذ بداية التسلح في سوريا, في الوقت الذي تسعى فيه النفس المسألة لما لم تستهدف تلك السيارات حصون السلطات المتعددة في البلدة فحجم المتفجر كان باستطاعته إزالة أحصن و أمتن الدروع.

  • بلدة تل تمر من جديد فقدت أبنائها من مختلف الأعراق والمذاهب في حادثة أقل ما توصف به هي المجزرة, في فترة زمنية قصيرة عقب الاحداث التي شهدتها البلدة في شباط المنصرم جراء هجوم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الارهابي على البلدة وقراها وما نتج عنها من فجع الاهالي بفلذات أكبادهم, فالجرح مازال ينزف والحيرة والخوف مازالا ملازمين لأهل البلدة الوادعة آبهةً الزوال عنهم في المدى المنظور.
  • اسماء شهداء تفجيرات تل تمر الارهابية يوم الخميس 10- 12-2015 .

عماد اسماعيل كيكية, الدكتور هشام باتو, حواس عبدالواحد يونس, ياسر حج عبد المحمود, منير عبدالحميد عثمان, كسومة حسين, زكي اوديشو بللو(جوج بلو), مقبولة محمد أمين حسين, عمشة حاج رشو , حميدة سعدي عبدو, منيفة سعدي عبدو, زكريا اسكيف (ابو حسين) , فايز رزو, عباس محمود درويش, عبدالمجيد خلف ذياب,  عمر محمد المحمد, ميليا طولو, سليفو اسحاق, عمار عيدان الجرجب, ابراهيم عيد حجو, محمد اسماعيل شيخموس, حسين خضر الكرير, احمد خضر الشرموخ, محمود عيسى, حسان مصطفى الساري, احمد محمد ابراهيم, عباس علي الصبخ ( الجلود).
 

المادة نشرت في العدد 222 من جريدة يكيتي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى