البابا يحطُّ الرحال في بلد الحضارات
فرحان مرعي
٥ آذار ٢٠٢١. زيارةٌ تاريخيةٌ غير عاديةٍ، لا في الزمان ولا المكان،لأنها أول زيارةٍ بابوية إلى العراق الإتحادي ( بغداد، هولير)، يقول بابا فرانسيس: إنّ قراءته لكتاب ناديا مراد الإيزيدية، الأسيرة والسبيّة عند داعش دفعته إلى زيارة العراق.
البابا يزور العراق في زمنٍ تعمُّ الفوضى فيها، مقارنةً مع الأمن والإستقرار الذي يعمُّ إقليم كُردستان العراق، زيارة إلى بلدٍ واحد، بصورتين متناقضتين وشعبين مختلفين.
العالم واكب الموكب البابوي، القنوات التلفزيونية العالمية تتابع زياراته بين المزارات المقدّسة، الإسلامية والمسيحية في العراق ، تمثال مريم العذراء في قره قوش، ويؤدّي الصلاة في باحة حوش البيعة في مدينة الموصل، بين ركام جامع النوري وكنيسة الساعة، الكنائس المهدّمة التي داستها جحافل داعش والجماعات الدينية المتطرّفة بحوافرها ، يزور الرموز الدينية الشيعية في النجف، المشهد يتحدّث عن واقع الحال، بلدٌ تفتك فيه صراعاتٌ طائفية وما تزال، وإقليمٌ كُرديٌ هادئ و آمنٌ يسعى إلى البناء والازدهار.
الجميع يصف الزيارة، بزيارة السلام والدعوة إلى المحبة بين الشعوب.
المحطة الثانية لزيارة البابا، هولير،عاصمة إقليم كُردستان العراق، عينكاوا، (ساحة فرانسوا حريري، ) الشهيد المسيحي الآشوري، الصديق الحميم للزعيم ملا مصطفى البارزاني، ويقيم قداساً لآلافٍ من المسيحيين، هولير المأوى، وملجأ المسيحيين الذين هربوا من إرهاب داعش و التطرّف الديني، مدينة التآخي والسلام ، هنا الصورة مختلفة تماماً، استقبالٌ شعبي مهيب، الناس على طول سير موكب البابا يرشّون موكبه ب الأزهار والأرز، يطلقون الحمام في السماء ، الزيارة كشفت عن الوجه الحقيقي للإرهاب والتطرّف الديني والوجه الحضاري والسلمي للكُرد. زيارة البابا إلى هولير المحطة الثانية، فتح الخيال الكُردي على أوسع المدى، بدءاً من معركة حطين وهزيمة الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي الكُردي المسلم، وقوله لريتشارد قلب الاسد في نهايات القرن الحادي عشر: لقد خرجتم من ديارنا ولن تعودوا إلى الشرق ثانيةً، مروراً بدخول الجنرال غورو الى دمشق ١٩٢٠ وذهابه إلى ضريح صلاح الدين الأيوبي في الجامع الأموي، قائلاً بشماتةٍ : ها قد عدنا يا صلاح الدين. لسنا هنا بمدى الصحة التاريخية للقول الأول والثاني، وإنما بصدد الخيال الكُردي الجامح والطامح إلى الحرية، المتفائل بزيارة البابا : هل رُفِع الغطاء عن إقامة الدولة الكُردية؟ ما للبابا من دورٍ مؤثّرٍ على العالم المسيحي، الأوربي، العالم الذي كان الرافض الأساسي، الأول، لإقامة الدولة الكُردية بعد الحرب العالمية الأولى، وخاصةً من قبل بريطانيا وفرنسا.
تخليداً لهذه الزيارة وأهميتها التاريخية، اقترحت حكومة إقليم كُردستان العراق عدة تصاميم لطوابع بريدية من قبل وزارة النقل والاتصالات وحملت إحداها صورة البابا فرانسيس، معها خريطة كُردستان الكبرى، ما أن تسرّبت الصورة، حتى قامت القيامة في تركيا وإيران وأعلنتا عن غضبهما وقلقهما ، واعتبرتا ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية لبلديهما ، واجتمعت الوزارات المعنية لهاتين الدولتين للاحتجاج على الصورة تهديداً ووعيداً واستهزاءاً !!!! هنا يصبح الموقف الأوربي والأمريكي والبابوي على المحكّ، في الردّ على هاتين الدولتين، اللتين تتبنّيان الإسلام السياسي، بشقّيه الشيعي والسنّي، لا تعترضان فقط على الخارطة الكُردستانية على الأرض، وإنما حتى على الورق، ولهما اليد الطولى في الفوضى والحروب الجارية في الشرق الأوسط.
أما آن الوقت أن يُرفَع الغبن عن الكُرد ويفتح الغرب صفحةً جديدة مع زيارة البابا إلى العراق وكُردستان ويعود الحقّ إلى أصحابه أسوةً بباقي الشعوب؟؟؟؟