لقاءات وحوارات

البقاء أو الأنسحاب الأمريكي من شرق الفرات……..معضلة استراتيجية للإدارة الأمريكية

إعداد وحوار: آشتي تيشي/ زارا سيدا

أكثر من عشر سنوات على انطلاقة “الثورة” السورية في خضم “الربيع العربي” الذي أسقط أنظمة عربية، حكمت بلدانها لعقودٍ بالحديد والنار، إلا أنه في سوريا سرعان ما تحوّل “الربيع” إلى خريفٍ قاسٍ، واجه نداءات الحرية بالرصاص قاطفاً أعمار الشباب وأحلامهم، ثم صيفاً قظاً ،غيّر ديمغرافية البلاد وهجّر السكان إلى الشتات وليس أخيراً إلى شتاءٍ قارسٍ في مخيمات الذل والهوان.

لا تزال الأزمة السورية بتعقيداتها مستمرة، بعد أن أصبحت الأراضي السورية مرتعاً للتنظيمات الإرهابية وساحةً للتصفيات الإقليمية والدولية حتى ارتبط مصير سوريا بالتفاهمات التي ربما ستحدث على حساب مقايضاتٍ دولية، بعد أن اقتسم كعكتها لاعبون كبار على موائدهم التي ترسم تفاهمات آنية تمهيداً للقسمة النهائية، آخذين بعين الاعتبار مصالحهم وأمنهم الوطني في الدرجة الأولى، فروسيا التي عادت إلى المياه الدافئة من خلال سوريا تسيطر اليوم فعلياً إلى جانب إيران على كافة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، لتسيطر أمريكا بدورها على حوض الفرات الذي يُعرف بسلة غذاء سوريا ومنابع النفط والغاز، ولتقحم تركيا نفسها في المشهد بقوةٍ وتسيطر على الجزء الشمالي الغربي كدولةٍ جارة بحجة “حماية أمنها الوطني” ومحاربة عدوها حزب العمال الكُردستاني، لتصبح الأراضي السورية مقسّمة إلى مناطق نفوذ بين القوى المسيطرة فعلياً.

فالقوات الأمريكية تتوزّع اليوم في 26 موقعاً في كلٍّ من محافظة ديرالزور، الحسكة والرقة ويتركّز وجودهم بشكلٍ رئيسي على آبار النفط ومعبر التنف في المثلث الحدودي على الحدود الأردنية السورية العراقية، ليشكّل وجودهم – حسب محللين- ورقة ضغطٍ على النظام السوري وحليفه الروسي للتسريع في الحل السياسي وتقويض الدور الإيراني في سوريا، كما صرّح ويصرّح المسؤولون الأمريكيون في عدة مناسبات بأنّ هدفهم الاستراتيجي في سوريا هو ملاحقة فلول تنظيم الدولة الإسلامية وضمان عدم عودته مجدّداً، أي أنّ مستقبل وجودهم في سوريا آني وانسحابهم الكلي ليس إلا فترة وقتٍ مرتبط بإنهاء تنظيم داعش وخلاياه النائمة.

تمددٌ روسي تركي قائم على حساب التواجد الأمريكي

بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن لسدة الحكم توقّع الكثيرون حدوث انفراجٍ في السياسة الأمريكية في المنطقة ووضع استراتيجيات واضحة لملفاتٍ عدة، لكن إلى الآن لم تعلن الإدارة الأمريكية أية رؤية استراتيجية واضحة للملف السوري ، وتكاد تكون غضّت الطرف عن الكثير من تفاصيله وانحصار استراتيجيتها العلنية على محاربة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، في الوقت ذاته لا تخفي واشنطن رغبتها في مواجهة الوجود الروسي والتمدد الأيراني في شمال شرق سوريا.

إبراهيم برو عضو اللجنة السياسيّة لحزب يكيتي الكُردستاني – سوريا, وعضو مكتب العلاقات الخارجيّة للمجلس الكُردي

عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكُردستاني – سوريا وعضو لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكُردي ابراهيم برو ذهب إلى رؤيةٍ مغايرة نوعاً ما، وعبّر عن قناعته أنّ “أمريكا لم تبدِ يوماً انزعاجها من التمدد الروسي، بل العكس فهو قائم على حساب التواجد الأمريكي في مناطق شرق الفرات، دون أيّ ردة فعلٍ رافضة لهذا التواجد بل على العكس يتم تسليمهم كلّ المناطق رويداً رويداً”.

في المقابل خسر الكُرد مناطق واسعة لصالح التمدد التركي ، وكادوا يفقدون المزيد منها لولا الموقف الأمريكي الكابح، فيتبادر إلى الأذهان : هل من الممكن التعويل على هذا الموقف لفهم الاستراتيجية الأمريكية تجاه الملف الكُردي؟ في هذا الصدد يضيف ابراهيم برو بأنّ “الموضوع ليس هكذا، فمنذ انتهاء معركة باغوز، بدأ الاتراك بالضغط على الأمريكان بتسليم مناطق بعمق 32 كم داخل الأراضي السورية وهو ما تمّ لهم من رأس العين حتى تل أبيض، وكان سيتمّ تسليمهم باقي المناطق الحدودية، لكنّ دخول الروس على خط الأزمة وهو ما حال دون ذلك، إذ لم يسمحوا بتمدد الاتراك أكثر، على عكس الموقف الأمريكي الذي كان يقضي بانسحاب قسد 32 كم ودخول الأتراك وبالتالي فالمنطقة الكُردية كانت ستخضع للسيطرة التركية.

لكن مع دخول الروس في شرق الفرات وتواجدهم على الحدود من شرق سري كانييه / رأس العين حتى ديرك / مالكية ومن غرب تل أبيض حتى كوباني غيّر من قواعد اللعبة ومحاولة إقناع الأتراك وإرضائهم بجلب النظام السوري وتبديد مخاوف الأتراك من تواجد قسد هناك”.

كذلك أشار برو أيضاً إلى أنّ “لمشاكل بين الأتراك وأمريكا من جهة والروس من جهة أخرى سببها تلك الاتفاقيات التي حصلت بين الأتراك والأمريكان في سنوات 2017 و2018 ، والتي قبلت للأتراك بعدم تواجد قسد على طول الشريط الحدودي ولم تنفّذ كاملةً، كما كان متفقاً، أمّا الخلاف الروسي التركي فقد بدأ منذ قدوم الروس إلى المنطقة وعدم تنفيذهم لمشروعهم مع الأتراك القاضي بتعديل اتفاقية آضنة لصالح الأخير، مع أنّ هناك دوريات مشتركة على الحدود بين الروس والترك لكنّ قسد لم تنسحب من تلك المناطق بالكامل، وبناءً على ذلك يخيّر الروس قسد بخيارين : أما النظام وأمّا الأتراك بدخول المنطقة“.
انسحاب أمريكي عاجلاً أم آجلاً.

عضو لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكُردي إبراهيم برو صرّح في أحد الندوات السياسية “بأنّه استناداً لتصريحات جميع المسؤولين المعنيين بالشأن السوري وما نشاهده على أرض الواقع يتأكّد لنا بأنّ التواجد الأمريكي ليس مطولاً في سوريا، وسيغادرونها بعد انتهاء مهمتهم حسب قولهم، لكننا نحن الكُرد أحياناً نفسّر موقف الدول حسب مقاساتنا وبما يلائم طموحاتنا، وكأن أمريكا أتت لتبني لنا دولة اسمها كُردستان ستصل حتى البحر المتوسط، أو نقول إنّ المصلحة الأمريكية مع الكُرد، لأنّ منطقتنا غنية بالنفط ونتناسى بأنّ الأمريكان تخلّوا عن 5,5 مليون براميل من النفط في العراق وتركوها لإيران، أو ما هي القوة التي نملكها لنحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة مقابل التخلي عن تركيا حليفتها الاستراتيجية وثاني أكبر قوة في الناتو”. ليضيف “بأنّ هذه المسألة واضحة ولو أنها مُرّة لكن غضّ النظر عنها كمَن يضحك على نفسه”، في إشارةٍ واضحة منه على أنّ التواجد الأمريكي “مؤقت” في سوريا وأنّ رهان الكُرد عليه كحليف استراتيجي “خاسر“.

في معرض تعقيبه عن مستقبل التواجد الأمريكي في سوربا أشار برو إلى أنّ “هناك أكثر من سببٍ واضح بأنّ الأمريكان ليسوا متمسكين ببقائهم بسوريا، وهو بطبيعة الحال مرتبط بالوضع السوري العام، فالانفتاح العربي على النظام السوري وعلى رأسه دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن ليس بدون موافقة أمريكية ، وهذا يدلّ على قبولٍ ضمني من الأمريكان مع الروس، كما أنّ الأمريكان في كثيرٍ من المواقف صرّحوا بأنه ليس من مسؤوليتهم تغيير النظام وإنّما سلوكه“.

هناك سبب آخر حسب وجهة نظره ألا وهو “تأجيل الانسحاب الأمريكي من سوريا مرتبط بالشأن الأمريكي العام والضغط الذي شكّله انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان وعودة طالبان إلى الحكم، لتتريّث الإدارة الأمريكية في الانسحاب من سوريا على الأقل حتى نهاية هذه السنة إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية النصفية في شهر نوفمبر 2022 التي سيعاد فيها تجديد جميع مقاعد مجلس النواب – 453 – وثلث مجلس الشيوخ بالإضافة لـ 36 من أصل 50 حاكم ولاية والتي من الممكن أن تؤثّر بشكلٍ سلبي على الديمقراطيين إذا ما انسحبت”.

كما وجد أنّ “الانسحاب الأمريكي المفاجئ من سوريا يرجّح عودة داعش ، وبالتالي العودة إلى المربع الأول وربما يرافقه تهجير للكُرد الذي بلا شك سيؤثّر على إدارة بايدن والديمقراطيين لدى الرأي العام الأمريكي وموقفه العام، لهذا ما نراه الآن من محاولات روسية للتقارب بين إدارة PYD والنظام، تغضّ أمريكا الطرف عنها، على الأقل ، لحفظ ماء وجه الإدارة الذاتية، على أن لا يتمّ الانتقام من الكُرد عل الأقل في فترة الانسحاب الأمريكي من سوريا وما يحدث من مفاوضات هي إشارة واضحة أيضاً على رحيل الأمريكيين عن سوريا”.

من جهةٍ أخرى أشار ابراهيم برو أيضاً بأنّ “موضوع الانسحاب الأمريكي مرتبطٌ كذلك بنتائج المفاوضات الإيرانية النووية التي ستقابلها استراتيجية جديدة في المنطقة ، كما أنّ التصعيد الروسي الغربي في أوكرانيا ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً من الممكن أن تعكس التوافقات هناك على مستقبل الوجود الأمريكي في سوريا إذا ما تمّت مقايضة بعض الملفات مقابل ترك يد روسيا في سوريا وبالتالي انسحاب أمريكا من سوريا بشكلٍ نهائي“.

استراتيجية أمريكية مغايرة لحقبة ترامب

 لطلما كانت وجهات النظر في الشأن السوري متبيانة جداً خاصةً فيما يتعلّق بمستقبل النظام السوري وجدية المجتمع الدولي بوضع حلٍّ للمعضلة السورية، لتتباين المواقف أيضاً بشأن مصالح الدولة الفاعلة في الملف السوري، ومستقبلها في سوريا، السياسي الكُردي دوران ملكي له وجهة نظر مغايرة عن مستقبل القوات الأمريكية في سوريا، فيجد “أنّ السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية هي سياسة مؤسساتية براغماتية تعتمد بالدرجة الأولى على مصالحها وأمنها وأمن حلفائها ولها مهمات دولية، خاصةً بعد إنهيار المعسكر الاشتراكي وانتقالها من سيادة العالم الرأسمالي إلى سيادة العالم بأكمله“.
ليضيف “بعد الحادي عشر من أيلول تغيّرت موازين القوى من البراغماتية الصرفة إلى الأمنية الصرفة أحياناً، فالحكم على السياسة الأمريكية من منطلق المصالح يكون غير دقيقٍ كما أنّ الحكم عليها بمعزلٍ عن المصالح يشوبها الخلل، فالسياسة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب غيّرت الكثير من ثوابت السياسة الأمريكية وإلى الآن تعاني الإدارة الجديدة من تبعاتها وتصحيح أخطائها”.

كما أشار بأنّ “الحرب ضد الإرهاب من أشرس الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية فتكاليفها باهظة وتضحياتها كبيرة فليس من السهل مواجهة خفافيش الظلام خاصةً عندما تلجأ إلى الحروب العصاباتية وهذا النوع هي حروب شرسة منذ الآزل وخاصةً عندما تكون عقائدية، عانت أمريكا خلال العقدين الماضيين من المواجهة المباشرة والعصاباتية ومواجهة الأنظمة الداعمة للإرهاب إلى أن إستطاعت كسر العظم الأساسي للتنظيمات الإرهابية لتتفرّغ الآن لأمورٍ أكثر أهميةً فقد استغلّ الكثير من الدول فترة انشغال الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة الإرهاب من ترتيب أوضاعها الاقتصادية والعسكرية وتحوّلوا إلى قوى لا يُستهان بها وتهدّد بالسيطرة على العالم“.

مواجهات تحتم بقاء القوات الأمريكية في سوريا

السياسي الكُردي دوران ملكي ربط مصير بقاء القوات الأمريكية بحتمية مواجهات وتحديات يستبعد فيها رحيل القوات الأمريكية عن سوريا، فحسب قوله “العالم بأكمله منشغل في تشكيل أحلاف عسكرية واقتصادية منها المعلنة ومنها غير المعلن والقوات الأمريكية تغيّر مواضعها تبعاً لسلم الأولويات فالقوات الأمريكية في سوريا باقية ويؤكّد على بقائها صنّاع القرار ودوائر رسم السياسة لأسباب عديدة ومن أهمها أنّ الدولة الإسلامية كتنظيم لم تنتهِ بل انتقل من المواجهة المباشرة إلى حرب العصابات في بادية الجزيرة وبدأ ينشط في الآونة الأخيرة ، ويهدّد الأهالي ويفرض عليهم الضرائب وخاصةً مستثمري آبار النفط البعيدة عن سيطرة القوات الأمريكية إلى جانب القنبلة الموقوتة في معسكر الهول للاجئي عائلات تنظيم الدولة حيث تحوّل أطفال أفراد التنظيم إلى قوةٍ حقيقية تهدّد في كلّ لحظةٍ ولم يستطع المجتمع الدولي إيجاد حلول لها ، ومن ناحيةٍ أخرى زيادة النفوذ الأيراني في العراق وسيطرة الفصائل الموالية له على كامل الحدود العراقية السورية من جهة العراق بإستثناء حدود إقليم كُردستان حيث تنتقل بشكلٍٍ يومي كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والصواريخ البالستية إلى الفصائل الأيرانية التي تقاتل إلى جانب النظام وحزب الله اللبناني اللذان يهدّدان إسرائيل بإستمرار، ومن ناحية ثالثة انضمّت الحكومات الشيعية الموالية لأيران وباكستان إلى المعسكر الصيني غير المعلن والذي تظهر معالمه في فتح طريق الحرير والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط بالطرق البحرية والبرية القصيرة ومن ثم إلى أفريقيا وأوربا من خلال القروض الكبيرة إلى كلٍّ من باكستان وأيران والعراق واستئجار موانىء وإعادة إحياء أخرى”.

كما أضاف بأنّ “القوات الأمريكية المتموضعة في سوريا هي في منطقتين أساسيتين هما معبر التنف الحدودي بين العراق وسوريا حيث طريق دمشق بغداد والقوات الأمريكية في المناطق النفطية في الحسكة وريف دير الزور الشرقي وهاتان المنطقتان عبارة عن فكي كماشة تتحكّم فيها القوات الأمريكية بكامل الحدود السورية العراقية وما الإنفجارات المتكرّرة التي تتعرّض لها الفصائل الموالية لإيران في منطقتي البوكمال والميادين إلا جزءاً من هذا التحكم ورابعاً بقاء القوات الأمريكية في المراكز الاقتصادية حيث منابع النفط والفوسفات وسلة الغذاء السوري يضمن عدم وقوعها في يدي النظام والدولة الإسلامية معاً ويؤدّي إلى بقاء نظامٍ ضعيف خاضع للعقوبات مما يجبره على الدخول في مفاوضات الحل النهائي الذي وضعته المنظمة الدولية وفق القرار 2254، وما يتمّ من مواجهةٍ للمشروع الصيني والأيراني ومواجهة النظام السوري وتنظيم الدولة معاً يجعل من رحيل القوات الأمريكية في الوقت الحالي أمراً مستبعداً والوقائع تؤكّد ذلك ، فالكثير من الجنود والعتاد الثقيل الذي تمّ سحبه من القواعد العسكرية في العراق تمّ نقله إلى سوريا“.

أمران يستبعدان الخروج الأمريكي من سوريا

مرح البقاعي

لم تتفق الباحثة ومستشارة السياسات الدولية في واشنطن، مرح بقاعي، مع ما ذهب إليه السفير الأمريكي السابق إلى سوريا فورد والذي عبّر في أكثر من مناسبةٍ بأنّ الوجود الأمريكي في شرق الفرات مؤقت وربما قريب من نهايته.

ولفتت بقاعي بدايةً أنّها لا تعتقد أنّ القوات الأمريكية ستغادر شرق الفرات ” لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد”، وأنّ هذا بالطبع يعود لأسباب عديدة، أولها انسحابها بشكلٍ شبه كامل من العراق، ولم يبقَ لها قوات باستثناء شرق الفرات، وهذه القوات ستساعدها على أن تكون متواجدة لأي طارئ سواءً ما يتعلّق بمهامها في التحالف الدولي لمحاربة “داعش” أو على المستوى الاستراتيجي حتى إيجاد حلٍّ سياسي في سوريا أو في العراق. ستكون موجودة حتى ولو بأعداد قليلة أكثرها من الخبراء في شرق الفرات، “لذلك من هذه الناحية لا أجد أنّها ستنسحب الآن على الاطلاق”، من ناحيةٍ أخرى هي شراكة القوات الكُردية مع الولايات المتحدة الامريكية ومجلس سوريا الديمقراطيه المتواجدة في المنطقة والإدارة الذاتية ايضاً، وهناك نوع من التفاهمات البعيدة المدى وهناك تمويل لمشاريع اجتماعية وتنموية عديدة، فأمريكا لن تترك هذه الشراكة وتنكفئ دون متابعة. مشهورٌ عن الأمريكيين أنهم يتابعون عن كثب المشاريع التي يموّلونها ويعملون على إنجاحها وايصالها الى الهدف الذي وجدت من أجله مع الجهات التي تبرّعت لهم لإقامة هذه المشاريع .

ثالث الأسباب التي علّلت بها بقاعي اعتقادها ووجدته “الأهم” فيتعلّق بالوضع في سوريا وتضارب المصالح بين القوى الموجودة سواءً كانت الميليشيات الإيرانية أو قوى نظامية كحالة روسيا، هذا كله “يترك الأمريكيين يفكّرون أكثر من مرة قبل أن ينسحبوا ويتركوا الفراغ لمن يملؤه سواءً كانت إيران أو روسيا، الذي لا تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية انه يجب أن يمتدّ نفوذها أكثر من ما هو ممتدّ على مناطق معينة في سوريا”.

مضيفة “لذا لن تنسحب أمريكا قبل تحقيق أمرين وهما خروج الإيرانيين وميليشياتهم بشكلٍ كامل من سوريا، وأيضاً الوصول إلى اتفاقٍ سياسي يضمن حق الشعب السوري ويضمن أهداف الثورة التي ناصرتها الولايات المتحدة منذ أوّل يوم“.
انسحاب “مخزي”.

الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان وتدريجياً من العراق فتح باب التكهنات والقراءات المختلفة لمستقبل وجود قواتها في سوريا، وإذا ما يمكن اعتبار الانسحاب سمةً إستراتيجية لإدارة بايدن ، وبالتالي على جنودها في سوريا أن تتحضر للرحيل.

إلا أنّ بقاعي وجدت أنه “انسحاب مخزي” للحكومة الأمريكية ولإدارة بايدن ، بل رأت أنّ هذه الخطوة “أثّر بشكلٍ كبير على شعبية الرئيس بايدن وإدارته هنا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم أيضاً، كما كان درساً قوياً جداً للولايات المتحدة على أن لا يتكرّر بالطريقة نفسها“.

لم تغفل المستشارة عن الإشارة إلى أنّ الأمريكيين يريدون أن تعود كلّ قواتهم وجنودهم إلى أهلهم وبلدهم، وأنهم لا يريدون حروباً أو مزيداً منها في الشرق الأوسط، مستدركة ” بأنّه إذا كانت هناك حاجة لبقائهم بالطبع سيكونون موجودين، فدرس أفغانستان تعلّم منه الأمريكيون كثيراً ولن يكون هناك سحب عشوائي قادم من أي منطقه من العالم دون ترتيب الأوضاع الأمنية وضمان استقرارها وحل المشاكل العالقة ومراعاة جميع الأمور التي من شأنها أن لا تؤدّي إلى كارثةٍ أخرى أمنية وإنسانية كما حدث في أفغانستان ، إذاً ما انسحبت أمريكا من أيّ موقع لها في العالم. “.

وجود استراتيجي

ختمت الباحثة حديثها بالقول “أعتقد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعرف الآن أنّ وجودها في سوريا هو وجود استراتيجي، أوّلاً من أجل حماية المنطقة من أي تهديد سواءً كان ايرانياً أو روسياً أو تهديداً بعودة خلايا داعش وجميعنا شهدنا ما حدث في سجن الحسكة – سجن معتقلي تنظيم داعش الإرهابي – مما يعني بأنّّ هناك تهديد مستمر من هذه القوى الظلامية وخلاياه النائمة، لذا ليس من الممكن ترك المكان مفتوحاً لعودة تنظيم الدولة الإسلامية الذي بدأ في العراق وامتدّ إلى سوريا حتى أصبح مركزه الرئيسي، وتمّ القضاء عليه بالتعاون بين التحالف الدولي والقوات الكُردية الموجودة على الأرض، لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لعودة هذه الظاهرة، والأن وجود أمريكا اكثر أهميةً من أي وقتٍ مضى بعد أحداث سجن الحسكة.”.

لا تزال القوى الحليفة لإيران و من خلفهم طهران تسعى بمختلف الطرق العسكرية والسياسية لإنهاء أي شكلٍ من وجود القوات الأمريكية في العراق وفي سوريا وحتى كامل الخليج العربي، سعي يتقاطع مع رغبة تركية فيما يخصّ الجانب السوري -على الأقل- تتجلّى في الخطابات والتهديدات المباشرة أو عبر أذرعها من فصائل امتهنت التغيير الديمغرافي في الجغرافية الكُردية التي وقعت تحت براثنها، فيما تتأمّل دمشق هي الأخرى حدوث هكذا انسحاب لتنقضّ هي الأخرى على ما قد يسمح لها من كعكة شرق الفرات.

في الأثناء كانت ولا تزال الضريبة تُدفع من قبل المدنيين المتخوّفين من تهجيرٍ جديد وتبعات غياب حل سياسي وطني مع إيمانهم بعجز جميع القوى السياسية الموالية والمعارضة ضمان أيٍّ من حقوقهم، فيما لو يُسلب منهم حتى حق الحياة.

المادة منشورة في جريدة يكيتي العدد 294

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى