التأريخ الموسيقي
وليد حاج عبد القادر
يجمع غالبية دارسي الموسيقى بعدم وجود تاريخ محدد لأصلها ولكنهم يتفقون على انها نشأت مع بداية تآلف الإنسان القديم مع الطبيعة والذي من خلالها اعتبر وعبر عن احاسيسه وأخذ يكتسب من خلال انعكاس صدى اصوات حيواتها انغاما ومع الزمن ارتقى بها إلى ان وصلت إلى ماهي عليها الآن ، هذا التطور الذي أرفق معها ايضا حركات وايماءات جسدية والتي أصبحت فيما بعد رقصات ، رافقتها حركات إيقاعية اخرى مثل التصفيق والتصفير ومعها ظهرت آلات النفخ والإيقاع ، وهنا وباختصار ! ومع تطور المجموعات البشرية وسعيها نحو الإستقرار وظهور التجمعات السكنية ودور العبادة وما رافقها من دخول الموسيقى والابتهالات في الطقوس الدينية التي اتخذت منحى ابتهالي – عبادي – قداسوي ، وإن بقيت كما يقول د . علي القيم ( .. الموسيقى في بلاد ما بين النهرين قد شهدت تطورات مهمة وكبيرة ، ليس فقط في آلاتها، بل في آدائها وتدوينها.
وعلى الرغم من أنها عاصرت ميلاد الدين، وشاركته في طقوسه التي يمثل الغناء ركناً رئيساً فيها؛ لكنها لم تكن مقصورة عليها، بل كانت ركناً مهماً في مختلف الاحتفالات والمناسبات الدنيوية، وكانت الموسيقى حافزاً مؤكداً صهرَ الناس في حالة واحدة. ويشاهد في الآثار الفرق الموسيقية التي تقدم وصلاتها أمام الناس بصورة جميلة وأناقة لافتة. ) ، وقد وفرت الاكتشافات الأثرية خاصة في بلاد الرافدين ( … وثائق وأدوات كثيرة، تثبت تطور الموسيقى وآلاتها الإيقاعية والوترية والنفخية ، ومن التصنيف العلمي .. توصل العلماء الى: إن سكان بلاد الرافدين قد عرفوا الآلات الموسيقية وطرق استخدامها منذ الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد ) ، وباختصار وفي العودة الى اقدم المكتشفات الأثرية الموسيقية والتي تعد مكتشفات راس شمرة على الساحل السوري اهمها ، والتي عرفت تاريخيا بمملكة اوغاريت في خمسينيات القرن الماضي حيث ( .. عثر علماء الآثار على 29 لوحا من الصلصال ترجع لنحو 3400 عام مضت، داخل ما يشبه مكتبة صغيرة وسط أطلال مدينة “أوغاريت” القديمة على ساحل المتوسط وقد تحطم أغلبها إلى قطع صغيرة، إلا لوحا واحدا صُنف تحت اسم (إتش-6) كان قد انقسم إلى قطع كبيرة، وحين جُمعت معا، شوهدت فوقها أبيات شعرية مصحوبة بما يعتقد الباحثون أنه أول نموذج لكتابة موسيقية في العالم ).
واكتشف الباحثون بعد دراستها بأنها نُقشت بالخط المسماري البابلي، وهو الخط الذي انتشر في المنطقة قبل آلاف السنوات ، وقد استنتج ريتشارد دامبريل، أستاذ الآثار الموسيقية بجامعة بابل بالعراق، والذي ظل يدرس ألواح مدينة “أوغاريت” العتيقة لأكثر من عقدين: “أمكننا قراءة الخط المسماري البابلي بهذا اللوح دون فهم اللغة التي نُقش بها بالتفصيل”، وذلك لأن النص ( .. كان باللغة الحورية ) والذي رأى دامبريل فيهم ( … مستوطنون هاجروا باتجاه شمال غربي سوريا على مدار ألفي عام، وتبنوا النقوش البابلية لكتابة نصوصهم وموسيقاهم. ومن ثم كان من غاية الصعوبة ترجمة المكتوب. لكن أمكنني التأكد من أن النص المصاحب ضم تسميات موسيقية حورية-بابلية تأكدت من كونها لحنا موسيقيا، واستغرقت ترجمته قرابة عشرين عاما”. وليستخلص دامبريل من ترجمته.
(أنهم كان يتغنون في مناسبات شتى ولا يقتصر غناؤهم على الإنشاد الديني. ويقول إن إحدى الأغنيات تحكي عن فتاة حانة تبيع الجعة ) . لقد كان لإكتشاف هذا الرقيم دور كبير لتسليط الضوء على اقدم نوطة موسيقية في تاريخ البشرية ، واضفت أيضا وثائق عديدة من ارشيف مملكة ماري خاصة في عهد ملكها زمري ليم إضاءات أكثر سواء على اهمية الموسيقى وكواحدة من اهم بروتوكولات المعابد والقصور الملكية وايضا ما كشفته عن نسخة من رسالة لملك ماري الى ملك هورو – ميتان يترجاه فيها بقبول ابنه في المعهد الموسيقي الذي كان قد بناه الملك الميتاني لإبنته والتي يؤكد كثيرون من علماء الآثار بأن موقعها كان في – جاغر بازار – على طريق الحسكة عامودا الحالي.
وفي اختزال شديد وكمدخل للغاية ، و الأساس لهذا العرض التاريخي للموسيقى خاصة ان الموسيقى ومنذ الالفية الثالثة والثانية قبل الميلاد كانت في الشرق الأدنى القديم هي من الضروريات الأساسية حسب د. علي القيم ( .. لاستكمال الثقافة العالية، وإنها لم تكن مقتصرة على الطقوس الدينية فقط بل كانت ركناً مهماً في الحياة الاجتماعية والمناسبات والطقوس المختلفة .. ) وعلينا هنا ان ننوه على تنوع النمط الغنائي ونسقية كل نمط بقوالب خاصة متعارف عليها ، وفي ذات الوقت الغناء الديني بقوالبها ( نشيد ، بكائيات ، صلاة .. الخ ) و تميز قالب الدعاء في الصلاة حيث غلب عليه طابع الابتهال والتوسل والتضرع.
إن مجرد استعراض هذا الإختصار ومن دون المرور على ابحاث البروفيسور السوري راؤول فيتالي ودراستيه عن انشودة العبادة الحورية باللغتين العربية والفرنسية والذي سار فيها على منهج نظرية فيثاغورث فقد اثبت وبما لا يدع الشك على ان رقيم اوغاريت هو ذاته انشودة للعبادة الحورية وهي ابتهالية اصلا لإلهة اورحيا – روها – ومطلعها يقول – إنما ولدنا منك – هذه النوطة التي تكفلت البروفيسورة الأمريكية آنا كليمر بالتنسيق مع إحدى الجامعات الامريكية على عزفها بعد صناعة آلات موسيقية مشابهة لتلك الموصوفة في تلك المرحلة التاريخية وبالتالي ليستخلص البروفيسور فيتالي ويؤكد بأن الأنشودة هي من مقام – نيد قبلي – الذي يوازي مقام كرد الحالي.
وفي ختام هذا العرض المكثف جدا أود الإشارة الى انها مجرد تقديم لدراسة – وجهة نظر في الموسيقى والغناء الكردي المؤطرة أساسا في السياق الفولكلوري وفق نمط الحياة منذ عصور بعيدة والتي كانت تتجلى حتى فترات غير بعيدة في نمطي – الكوجر – الرحل – ديمانا – المستقرون بنمطيه الرعوي والزراعي والذي جسد غنائيا في بيزوك وبهاريا ولكل منها مفرداتها وطقوسها الخاصة كما أقسامها – بيريتا .. سريلي … لاوك .. حيرانوك .. الخ والتي ستكون مثار عرض وتقص اوسع لاحقاً.
المراجع:
– الموسيقى تاريخ وأثر – د. علي القيم.
– راؤول فيتالي – عددين متتاليتين من الحولية الأثرية السورية.
– مموزين نسق اسطوري ام حقيقة واقعة .. وجهة نظر في الذهنية التراثية الأسطورية الكردية – دراسة مقارنة – مطروح للنقاش من قبلي منذ عام ١٩٩٥.
– استعانات من غوغل أيضاً.