التجربة الديمقراطية الممنهجة وفشل التوافق بينها وبين الاممية
ليلى قمر
في تجارب القوميات الحاملة لجينة موروثها التاريخي كقضية شعب وأرض ومايعني ذلك في حقه الطبيعي بتقرير مصيره كحالة الشعوب المتمتعة به فتصبح جماهيره هي التي تقرر اختياره للشكل المناسب لها من آليات وطرق إدارة مجتمعها بما يحقق سبل حياة حرة وكريمة و آمنة لها إلا أن واقع الحال في كثير من المناطق تحكي واقعا معاكسا لذلك سيما في وسط عاش قمعا واستبدادا وانتقلت إلى واقع أيضا كإقصاء لقوة تدعي فيما تدعيه من واحات التنوير في الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا المرأة لا بل نراها تأخذ منحى استبداديا أفظع تراكما فيها على مستوى ماكان سائدا قبل تسيدهم الموقف
ويصبح الهاجس الأساس وبالاستناد على أدوات قمع أفظع العمل على تصنيع مجتمع أناسه كحبات مسبحة في يد ماهرة أو روبوتات توجه أيضا بأجهزة تحكم في برمجيات زرعت داخلها والحالة هذه تؤدي بالسلطة أن تصرف كثيرا من جهدها وطاقتها التي تتركز بإيجاد حافز أمني فتضخمه وتعتبره العدو الوجودي الأوحد وفي الواقع قد يكون موجودا وربما أكثر من واحد كفزاعة تتخذها وسيلة وكسيف تشهره تهمة لكل معارض لها وعلى أرضيتها تمارس أشد وأقسى الممارسات لمن يتجرأ في نطق كلمة لا لأي موقف أو عمل تمارسه وتتناسى السلطات المنفذة لهكذا ممارسات ما كانت هي عليه أو وصلت إليها والأشد استبدادا تعيد إنتاج الواقع السابق الذي كانت فيه وتسعى لبذل جهد أكبر في تطوير وسائل قمع وتبتكر مؤثرات ضغط أشد على الأشخاص وأسرهم فتبدع في خلق طرائق لدفع المختلفين إلى الهجرة أو تطويقهم وحتى محاصرتهم بسبل العيش كحالات تعامل ناعمة وتليها إجراءات أشد صرامة كالاعتقال أو الاختطاف والتي تتم بطرق يراد ترهيب المنفذ بحقه القرار بقدر ما هو إنذار للمحيط وذلك بخلق هالة من الرعب والسطوة لمنفذي عمليات المداهمات والاعتقالات.
إن أشد حالات التخبط والذعر الداخلي لأية سلطة تمارس هكذا سياسات بحق مجموعات يفترض بهم ناسها لهي دلالة صريحة على مأزق حقيقي تعيشه هكذا سلطات والتي تفضح عن نمطيتها الاستئثارية وسعيها الحقيقي في جعل البلد كمزرعة يديرونها و سكانها يوجهونهم كما يريدونهم هم و يتناسون التراكمات التي نمت داخل صفوف الشعب وخلقت حالة الرفض لممارسات الأنظمة قبلهم واصبحوا هم وغالبية قواعدهم جزء من المشروع لإلغاء هذه الممارسات الاستبدادية وللأسف بدل أن يطوروا نموذجا للديمقراطية ليستندوا عليها في آلية التغيير اتخذوها قاعدة للاستبداد السابق ومن على منصتها أوجدوا الأقسى حيث أن سياسات الترهيب والترعيب لا تنتج مفذوعا تجمعهم حد المثل العربي تجمعهم الربابة وتفرقهم العصا وتصبح عند هكذا بشر القضايا المركزية مجرد أوهام يراها كأطر من الترويض لا أكثر وبعيدا عن الشروحات الكثيرة وفي إيجاز عملي لواقع هكذا نماذج وفي العودة إلى بعض من هكذا حالات نجد ببساطة بأن هذه الحركات ومنذ انطلاقتها تتخذ الأهداف الكبيرة أداة لها ولكن لا لتحقيقها بل لإفراغها من محتواها فتوصلها إلى حد التخمة وتلفظها لابل تتاجربها وتحاول وان اقتضى الأمر لاستئصال جراحي أن تزيله من ذهنية جماهيرها لا بل وتتخذ من هذا الشعار يافطة تحارب بها من يناضل عمليا لإنجازها ويسعون بكل طاقاتهم في عرقلة أية خطوة بذلك الإتجاه فيستفيدون من طاقة مرنة للقيادة لبرمجة المواقف من جهة وسرعة الانعطاف مهما تضارب الموقف هذا اليوم مع الأمس أو العودة إليه وفي خلط متعمد لمفاهيم تصبح مملة مع الأيام لمصطلحي التكتيك والاستراتيجية هذين المصطلحين اللذين يصبحان مادة للتندر والتهكم.
إن هكذا سلطات وبواجهاتها السياسية هي لاتنفذ برامج شعبية بقدر ما تبرمج الشعب وتؤطره داخل أحزابها التي ومن الضروري أن تحتوي على مفهوم الشعوب والأمم وهنا الحالة ستفترض إيجاد ذلك الغطاء النظري العام وبمصطلحات مافوق جماهيرية كما المادتتين الديالكتيكية والتاريخية كمفاهيم فلسفية كانت للشيوعية يفترض أن تستوعبها الجماهير التي كانت غالبيتها لاتفكك الحروف وفي الأساس الغاية كانت ولا تزال يمارسها عتاة الأيديولوجيات بإيجاد نخب حلقات من كوادر محصنة في الناس الذين يلتقطون منها العبارات المتعارفة كالعدو والمقاومة والوطن والشعب والديمقراطية وقد أثبتت الوقائع وتجارب هكذا سلطات وأحزابها بأنها وفي خلاف داخلي بينها أنها استحالت أن تنحو سبيل الحوار بل وكما اثبتتها حالة كمبوديا والخمير الحمر وحالة جنوب السودان فإنهما يحرقان الأخضر واليابس وكل هدفه محو الآخر ويعتبر طرفه محتكرا لكامل الحقيقة فهي تعتبر الاختلاف داخل الهيكلة الخاصة كفرا أشد من كل الحالات الأخرى.
جاء في التاريخ الكوردي وكموديل جديد لشعار الحرية وحامل لواء الدفاع عن الشعب المضطهد من التنكيل والتعذيب لذا توجهت لإشعال نار التمرد لذاتها وبذاتها وظلت النيران في الهشيم تنتظر رياح قوية تشعل اهرمة نيرانها المنتظرة والمترقبة للثورة على العصا والقضبان التي طالما حرمتها الأمان والعيش كما هو مفترض لأي إنسان أن يحيا ويعيش ومن المؤكد أن النيران المؤججة بين أحلام تلك الشعوب ظلت ترقب الريح وفي كل زمان ونتيجة لهكذا تناقضات إنسانية خلقت وانتشرت حركات حملت راية الانسانية وانتشرت وتوغلت وتعششت سريعا في أحلام تلك الشعوب لأنها تأملت وآمنت أن تنزع حرياتها بالثورة والحمية من الحاكم و الجلاد.
والواقع الكوردي خير مثال على قضية شعب مستعمر ومقسم ومغتصب للحقوق فاستقبلت وتفاعلت مع الحركات الثورية وإن جاءته على شكل ثورة دينية بطابعها وغلافها فأبعدت عن ذهنية الكورد حلم الأرض كوردستان للتوجه به وبكامل عنفوانه وتعطشه للحمية والثورة وتضعه بخدمة نشر عقيدة وتحرير أراض لا علاقة حقيقية بينهم وبين الشعب الكوردي وكان الكورد فيها وسيلة للأسف لتحقيق أحلام لشعوب أخرى وعلى عكس تخمينات العقلية الدينية للكوردي نشرت مانشرته من عادات وأوبئة شرعية بين المجتمع المنهك أساسا وتؤطره بغلاف ديني لأن الكورد أخذوا الإسلام عقيدة إيمان ووطن إلا أنهم فشلوا بتلك التجربة فقاتلوا وقتلوا وحرروا إنما لعدو ظل يطعن آدميتهم وهنا وجدت حركات شمولية التنظيم وجاءت لتستفيد من تاريخ طويل من التهجير والقتل ليجد الحلم الكوردي ضالته فقدمت نفسها وشكلت تنظيمها على هيئة الأخلاق الشيوعية والديمقراطية المزينة بالشعارات الثورية المجاهدة لنشر الأممية والإنسانية والعدل والمساواة بين الشعب كله وجعل بين شعاراته إن الحرية لكل البشرية نريدها وليس لنا فقط ليتجاوز بذلك الحلم المكبوت ويظهر من جديد حلم كوردستان الكبرى لكن لماذا تبلورت الشعارات وتقلصت في كل مرحلة؟
وهل استطاع أن يجمع أشلاء كوردستان الكبرى لينعم الشعب الكوردي بالقليل الزهيد من المساواة بين بعضه ؟
وهل بالفعل أن الحزب المؤشكل على طراز الأحزاب الشيوعية الماركسية قدم لشعبه العدل بعد أن أمسك زمام الأمور نوعا ما بفرضية أنه يمر الآن وتعيش معه المنطقة تجربة جديدة باتخاذه الخط الثالث نموذجا جديدا لثورة يقول فيها أن الدول العظمى تستشهد بتجربته الأممية فيظهر السؤال الصعب بما أنه يتقدم بموديل جديد لدول العالم، هل ستسمح الدول التي كانت شاهدا على صك تشتيت وتقسيم كوردستان بين سرخط وبن خط وفق اتفاقية سايكس بيكو جمع شمل الشعب الكوردي على أرض تنعم بالحرية أو أنها ستظهر بشكل جديد بكل المنطقة وخاصة أنها الدول الراعية لحقوق الإنسان إلا أن تضمن نيلها على حصة الأسد بكعكة مغرية اسمها كوردستان ؟