التحالفات والعداءات المتغيرة على الساحة السورية
عبدالباقي يوسف
باتت سوريا اليوم تحت أكثر من إحتلال ، وترزح تحت سطوة صراع التحالفات الدولية والإقليمية ، بعد أن خرجت الإزمة من يد السوريين( السلطة الحاكمة والمعارضة)، الازمة السورية منذ ان انفجرت كشفت عن اطماع وصراعات دولية وإقليمية رغم ان اللاعبين الرئيسيين عند البداية كانوا يتمتعون باحسن العلاقات مع النظام الحاكم .
إيران تصرفت وكأن المسألة تعني بجزء من جغرافيتيها، فهي تحلم لتشمل نفوذها وهيمنتها حتى سواحل البحر المتوسط. تركيا حزب العدلة والتنمية ، لم تكن إعتباراتها اقل شأناً من اعتبارات إيران، طالما كانت تحلم بجعل من سوريا نافذة وممراً ثقافياً وتجارياً في علاقتها مع العالم العربي، وتعيد بتركيا الى ماضيها العثماني بثوب جديد وجميل كما يسمى اليوم بالعثمانية الجديدة ، لهذا ومنذ بداية الأزمة فتحت ابوابها امام المعارضة واللاجئين السوريين، سمحت بعقد معظم مؤتمرات المعارضة على أرضها حتى بددت استانبول بمثابة عاصمة للمعارضة السورية، فيها مقرات المجلس الوطني السوري وكذلك مقرات ومكاتب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية .
رغم الصراع الإيراني التركي المحتدم على الاراضي السورية وعلى مستقبل الحكم فيها، حافظت الدولتين على علاقتهما الجيدة وعكست من خلال التوافق السري والعلني لمنع أي تقدم على مسار القضية الكردية في أي مكان، وتنامي التجارة بينهما، ورغم العقوبات الأمريكية والغربية على ايران قبل الأتفاق الدولي (5+1) بسبب برنامجها النووي، فقد كُشفت إن بعض رجال أعمال الأتراك ومقربين من قيادت حزب العدلة والتنمية كانوا يزودون إيران سراً بتكنولوجيا المطلوبة وكذلك تأمين العملة الأجنبية الصعبة والضرورية لها.
التحالفات على الارض السورية لم تكن ثابتة، فمنذ أن تدخلت روسيا عسكريا في سوريا وسقوط طائرة من سلاحها الجوي على يد القوات التركية 2015 ، تبددت أمال تركيا في سقوط نظام دمشق، واستبعدت إمكانية سيطرة حلفائها بقيادة اخوان المسلمين على السلطة هناك ،على غرار فوز الاخوان المسلمين في كل من تونس ومصر نتيجة الانتفاضات الجماهيرية، تغيرت اولويات نظام اردوغان الى ضمان أمنه القومي وهي مقولة استخدمتها تركيا كلما جرى أي تقدم أو تحول إيجابي للمسالة الكُردية داخل حدود الدول التي تتقاسم كردستان.
جاء مسار مفاوضات آستانا كنتيجة لإستقطابات جديدة، وفي تلاقي مصالح دول كانوا أعداء في الأمس ( تركيا روسيا وإيران )، مهدت لروسيا من أن تبدو اللاعب الأكبر في معادلة الصراع على سوريا، في ظل غياب الدور الأمريكي، والأوربي، وتمرر مخططاتها لتقاسم النفوذ الدولى على سوريا بما تجده هي، وتتيح الفرص لحلفائها كل حسب دورها ومصالحها في سوريا، من خلال طرح تسويات كـ سوريا المفيدة التي ترضي بها إيران، ومنطقة نفوذ تركية في غرب الفرات وبمحاذاة حدودها الجنوبية مع سوريا لتبديد المخاوف التركية من تشكيل إقليم كُردي ، مما مكنت روسيا التجاوزعلى قرارات جنيف1 والتي كانت أساس المفاوضات بين المعارضة والنظام، وصياغة قرار الدولي تحت الرقم 2254 الذي جاء لمصلحة النظام، و شرعنت لمسار آستانا الذي أفضى للقضاء على المعارضة المسلحة، تحت يافطة محاربة داعش وجبهة النصرة كمنظمتين ارهابيتين، وانشاء مناطق خفض التوتر، مكنت بالنتيجة سقوط مدينة حلب والغوطة الشرقية، والقلمون الشرقي ومناطق شمال حمص وجنوب حماة، ودير الزور رغم ان بعض من هذه المناطق كانت مشمولة كمناطق خفض التوتر، مقابل إحتلال تركي لجرابلس واعزاز ومن بعدها احتلال عفرين. الملفت أن المعارضة السورية والمحسوبة على تركيا المجلس الوطني السوري، وإئتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، تماشياً مع المصلحة التركية لم تبدي أي مراجعة لمواقفها السياسية من التغيرات التي طرأت على السياسة التركية وإنخراطها في تحالف مع روسيا وإيران، والمسار الذي انبثق عنه والذي يخدم بقاء وإستمرار النظام وتقوية موقفه التفاوضي، وكذلك التواجد الإيراني في سوريا، من دون حساب تبعات كل ذلك على واقع المعارضة وأوراقها التفاوضية.
كشفت اجتماع أستانة الأخير في 14و15 من هذا الشهر بين روسيا -إيران- وتركيا، ومن ثم إستدعاء الرئيس الروسي للرئيس السوري بشار الأسد الى سوتشي في 17/5/2018 ودعوة بوتين القوى الاجنبية بالخروج من الاراضي السورية، عن نشوء خلافات بين التحالف الثلاثي على مستقبل سوريا، يبدو أن جزء من هذه الخلافات منشئها تأتي تحت ضغط أمريكا والدول الغربية على روسيا بسبب الامتداد الإيراني في أكثر من دولة في المنطقة، والتي تثير مخاوف، وتزعزع استقرار حلفائها وبشكل خاص اسرئيل والمملكة العربية السعودية، وانسحاب إدارة ترامب من الإتفاقية النووية مع إيران والمسمى ( 5+1 ) وصياغة مطالبها الإثنى عشر كشروط ضغط على إيران لتقليص دورها في المنطقة. في وقت مصالح روسيا مع أمريكا ودول الغربية أكثر أهمية من مصالحها مع كل من إيران وتركيا.
من جانب آخر أن التمدد الإيراني على الأرض السورية وإنشاء القواعد العسكرية وتغيير ديمغرافية بعض من تلك المناطق باتت تثير مخاوف الجانب الروسي من أن تتحكم إيران مستقبلاً بالقرار السياسي السوري، وتُترك روسيا جانباً، في وقت لو لا الدبلوماسية والتدخل العسكري الروسي لما تمكن نظام دمشق ومعها إيران وميليشيات حزب الله اللبناني الصمود في وجه المعارضة السورية، ولما استطاع النظام إستعادة هذه المناطق الاستراتيجية والواسعة، من خارطة الدولة السورية.
من جانبها لم تلتزم تركيا بتعهداتها بعد أن سمحت لها الدخول في إدلب لتفكيك والقضاء على المنظمات الجهادية والإرهابية، وكذلك لتعهداتها عندما سمحت لها بإحتلال جرابلس وشمال حلب، ومؤخراً عفرين حيث كشفت عن أن النظام التركي تعادي الكرد، وليس لفصيل سياسي كما يدعي آردوغان وحكومته، إلى جانب كشف علاقات تركيا القوية مع بعض المنظمات الجهادية والإرهابية هذه المنظمات التي نهبت وسرقت ممتلكات سكان تلك المناطق وبشكل خاص عفرين، وتقوم بتغيير ديموغرافية تلك المناطق لصالح المكونينين التركماني والعربي وعلى حساب المكون الكردي، والتي اثارت حفيظة كل من أمريكا وفرنسا، والعديد من الدول الأخرى.
تأتي في هذا السياق إنخراط إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، والرئيس الفرنسي ماكرون في متغيرات المنطقة وبشكل خاص في سوريا، فالمشروع الروسي لوضع مسودة الدستور السوري المنبثق عن مؤتمر سوجي لاتراعي الواقع الحقيقي لتركيبة المجتمع السوري، وجاء لمصلحة النظام، ولايستطيع معالجة المشاكل الحقيقة في هذا البلد بسبب المواقف المتعنتة الإيرانية والتركية معاً، وتجاهل الورقة التي صدرت عن إجتماع كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية بهذا الشأن.
المرحلة القادمة حاملة بمتغيرات في هذا التحالف الثلاثي الذي يدعي بحفاظه وسهره على” سيادة واستقلال الدولة وحدة الاراضي السورية” . وفي رده لطلب روسيا بسحب القوات الأجنبية كان تصريح نائب وزير الخارجية السوري غامضا بخصوص إنسحاب إيران من الأراضي السورية ، فهو لم يقل لن تنسحب القوات الإيرانية من سوريا، بل قال في الوقت الحالي لن تنسحب . فهل في الأيام القادمة نشاهد الرئيس السوري بذاته يطالب إيران بسحب قواتها رغم العلاقات القوية التي تجمع الجانبين، الى جانب سحب القوات التركية من الاراضي السورية.