التحالف الدولي نعمة أم نقمة ؟ (الأفغان والكُرد نموذجاً )
د. محمد جمعان
معاناة الشعب الأفغاني وتداعيات الخلافات والاقتتال ( الداخلي ) متشابهة إلى حدٍّ ما مع الشعب الكُردي ، ففي السبعينيات دخل الجيش السوفييتي أفغانستان ،و انقسم الشعب الأفغاني بين مؤيّدٍ ومعارضٍ للشيوعية، فاستلم الشيوعيون السلطة و عارضهم المسلمون المتطرفون ، و هؤلاء حصلوا على دعمٍ كبير من بعض الدول العربية و أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية.
التجربة الشيوعية المدمّرة للدول كثيرة ،ومنها أفغانستان، حيث كانت لها آثار سحيقة ، هذه التجربة التي حاولت تحويل البشرية إلى منظومةٍ شيوعية ،بعكس قول منظّر الفكر الشيوعي (كارل ماركس) والذي لم يقل بإمكان أفقر دولة في العالم أن تتحوّل إلى دولةٍ اشتراكية ، و بالرغم من انسحاب السوڤييت منها، كان الجرح عميقاً، و منذ ذلك الحين نشبت الخلافات في المجتمع الأفغاني ، و برز التطرّف الديني ، و ما دخول المنظمات الإرهابية كالقاعدة و مخلّفاتها إلّا لتعميق الجرح الأفغاني..
نتيجةً لعمق الخلافات و التدخلات في المجتمع الأفغاني لم يستطيع الأفغان الاستفادة من وجود التحالف الغربي الذي بقي في أفغانستان مدة عشرين عاماً .
و الآن و بعد إنذار التحالف بالانسحاب ؛ فإنّ بوادر الحرب الأهلية في أفغانستان على الأبواب أيضاً، و طالبان تهبّ من جديد للانقضاض على حكومة الرئيس خاءاني ، وما صراع وزير الخارجية السابق عبد الله عبدلله ضد الرئيس اإلا تعميق للجرح.
ولم يتعلّم السياسيون الأفغان درساً من تلك الحروب و الكوارث التي حلّت بشعبهم و تاريخهم المجيد ، فأصبح اسم أفغانستان مرتبطاً بعنوانٍ بارز : (الحروب و التطرف) ناهيك عن القتل والتدمير واللاجئين..
و هكذا تظهر في الأفق عودة قديمة – جديدة للتاريخ المتناحر لدى الشعب الأفغاني .
من خلال هذا السرد المختصَر سأعرج قليلاًعلى وجه المقاربة بين الوضع الكُردي والأفغاني من منظور عدم الاستفادة واستثمار الوضع لصالح قضية شعبنا الكُردي من جانبه القانوني ( الاعترافي ) ، وإنما دور وظيفي ينتهي بانتهاء الوظيفة ، ويجري الحديث مؤخّراً عن احتمالية انسحاب أمريكا ( قيادة التحالف الدولي ) بعد أن أوشكت التنظيمات المتطرفة الإرهابية على هزيمتها ، وبالتالي ستبرز تحالفات وبازارات جديدة بعيدةً عن الورقة الكُردية ونحديداً ( حزب الاتحاد الديمقراطي ) الذي تعامل مع وجود التحالف الدولي كفرصةٍ لتقوية نفوذه واجنداته البعيدة عن استحقاقات وحقوق شعبنا ، فالتحالف الدولي الذي أصبح يدير ويتحكّم بمفاصل أيّ بقعةٍ جغرافية لموطئ قدمها ، فهي فرصة تاريخية لاتقلّ عن دبلوماسية العمل السياسي ، وهو مالم يوظّفه الأفغان والكُرد لصالح قضيتهم .
وهكذا يظهر أنّ انسحاب تلك القوات في هذه المرحلة قد يجلب الويلات لشعوبنا وخاصةً ( كردستان سوريا ) نظراً للحالة العدائية التي تمهّدت لها من خلال القتال والسيطرة على مناطق لاتملك أية خصوصيةٍ كُردية، وروّجت لها بمفهوم ( الاحتلال ) ،وهذه ستكون بمثابة القنبلة الموقوتة عند أي انسحابٍ طارىٍ قبل التسوية السياسيةالعامة ، فالمؤامرات التي تُحاك ضد هذه الشعوب من قبل الدول الإقليمية توجب أخذ
الحيطة و الحذر ودرء المخاطر مستقبلاً، و المسؤولية الأولى و الأخيرة تقع على عاتق السياسيين و الأحزاب التي تشعر بالمسؤولية التاريخية اتجاه شعبها ، ودور منظمات المجتمع المدني والمثقفين لابقلّ أهميةً عن دور و مسؤولية الأحزاب ، لابل ربما بمسؤولية أكبر .