آراء

التحديات التي يواجهها مجتمع عفرين / جيايي كورمينج في المرحلة الحالية

زهير علي

منذ يوم الكارثة في 18 آذار 2018، و اكتمال مخطط اقتلاع مجتمع جيايي كورمينج / عفرين من أرضه التاريخية التي يعود وجوده فيها لآلاف السنين كما تؤكّدها المصادر التاريخية العربية الإسلامية والبيزنطية و المارونية، و دفعه للتشرد و التهجّر منها قسرياً ، و تحويل جغرافيته إلى أرض فارغة، بمدينتها وبلداتها وقراها من أهلها وسكّانها، الذين يبلغ تعدادهم ما يقرب المليون نسمة من الكُرد ،الذين تعود أصولهم فيها إلى الحثّيين والهوريين ،والأثار التاريخية والموروث اللغوي والمجتمعي لسكانها يؤكّد ذلك، هذا المخطط الذي بات يُعرف بمقايضة عفرين مقابل الغوطة، بين النظام السوري و تركيا ، والحقيقة أنّ وقائع التزامن في تَسلُم النظام السوري الغوطة ومدينة دوما، و تَسلُم تركيا والفصائل المرتزقة التابعة لها منطقة عفرين عسكرياً ، يؤكّد هذه المقايضة، وكان قد سبق ذلك، منذ يناير كانون الثاني ٢٠١٧ ،البدء بماعُرف باتفاقات أستانا بين أطرافٍ سُميت ضامنة للوضع السوري، هي: تركيا و روسيا وإيران ،و موافقة أمريكية تتمثّل في حضور أمريكي لأستانا، وكذلك حضور الأمم المتحدة الممثّلة ب ديمستورا وقتها. الحقيقة أنّ هذه المقايضة، عفرين مقابل الغوطة ، هي كانت الأساس في كلّ الكارثة التي تعرّض لها مجتمع عفرين ، وعليها تمّ تنظيم دور كلّ طرفٍ صغير أو كبير، بدءاً من دور حزب الوحدة الكُردي في سوريا، الذي كان الشريك مع ب ك ك ، التي كانت مسيطرة عسكرياً و إدارياً ، بتكليفٍ من النظام السوري عندما انسحب من عفرين وسلّم المنطقة لهذه المنظمة المصنّفة منها ومن دول الإقليم و أوربياً و أمريكياً كمنظمة إرهابية. إلى الدور الروسي في عملية المقايضة هذه ، إلى الصمت الأمريكي والغربي عموماً والمجتمع الدولي أمام الجرائم التي ارتكبت بحقّ مجتمع عفرين .

للأسف الوضع الذي حتى النظام السوري لم يجد أنّ للأمر ضرورة بتقديم شكوى للأمم المتحدة بعبور الدبابات التركية لحدودها ، وعلى ذلك يطلب عقد جلسة لمجلس الأمن باحتلال تركيا عسكرياً جزءاً من الأراضي التابعة لها، وفق القانون الدولي.

أخيراً إلى الموقف المخزي للمجلس الوطني الكُردي إزاء كلّ ماكان يجري سواءً في ارتباك الموقف السياسي له ، أو عدم القيام بأي فعالية للتصدي لما كان يجري أو حتى في مساعدة مئات ألاف العفرينيين في كارثتهم تلك، وكلّ هذه الأدوار ما تزال مستمرّة اإلى اليوم .

إذا عدنا بالزمن لسنوات بدء الحرب السورية، قبل ذلك، سنجد أنّ هذا المخطط قد بُدأ تنفيذه بتسليم أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب ، والتي معظم سكّانها من كُرد عفرين في ليلة ٢٩/ ٣٠ آذار ٢٠١٣، ودخلت إليها مجموعات إرهابية مسلحة مشبوهة الولاء والانتماء (غرباء الشام و مجموعة الحياني وغيرهم ) بدون أي مقاومة لا من قبل النظام أو منظمة ب ك ك التي كانت تسيطر عسكرياً على الحيين ومداخلهما و إنسحب الجميع من مواقعهم مسبقاً في حالة تسليم وإستلام، و تهجير سكاني لأكثر من نصف مليون إنسان، تهجّروا من بيوتهم خلال بضع ساعات، مع فجر يوم ٣٠ أذار ٢٠١٣.

تهجير كُرد عفرين من حيّي الشيخ والأشرفية أدّى لاحقاً إلى التهجير الى أوربا عبر تركيا والبحر ومأسي الغرق. اكتمل هذا التهجير، كما أشرنا، بيوم الكارثة ١٨آ ذار وبنقل مَن تبقّى، حوالي نصف مليون إنسان ، وهذا يشكّل نصف سكانها، إلى محيط نبل والزهراء وتل رفعت والشهباء مع تسليم عفرين المدينة للجيش التركي و مرتزقته.

ما يؤكّد أنّ مقايضة عفرين مقابل الغوطة كانت تتضمّن عفرين بدون سكانها وأهلها الكُرد هو قرار منع العودة لأهلها لقراهم وبلداتهم وأراضيهم بعد انتهاء العمليات العسكرية، وقرار منع العودة ، هذا كان ينفّذ على الأرض من الجميع، حزب الوحدة و منظمة ب ك ك والجيش السوري والميليشيات المرتبطة بإيران وحزب الله وكذلك الجيش التركي والفصائل المسلحة التابعة له ، بالمقابل كانت كلّ الطرق مفتوحة لإدخال مهجّري غوطة دمشق وريف حمص وادلب ودير الزور و التركمان لعفرين، وهكذا نفّذت مقايضة الغوطة مقابل عفرين بين النظام السوري وتركيا،و أدّت كلّ الأطراف دورها كما هو مطلوب منها.

هذا الواقع الكارثي المأساوي الذي وجد مجتمع عفرين نفسه فيه، مترافقاً بصمتٍ دولي عام وصمتٍ فاضح من النظام السوري أمام تقدم الجيش التركي وفصائل المرتزقة من المعارضة السورية في جغرافية عفرين، ومعهم صمت الأحزاب الكُردية والمجلس الوطني الكُردي.. هذا الواقع دفع بنشطاء المجتمع المدني وكفاءاته في عفرين للتقدم و الاستجابة لتحديات المرحلة، والتي حدّدها أهلنا أولاً بكسر الحصار المفروض من كلّ الأطراف والعودة لعفرين و ثانياً التأكيد على هوية عفرين الكُردية ، وأنها جزء من الدولة السورية ، ونجح النضال المدني بالاستجابة لهذين التحديين وحقّقهما بنسبة كافية للبناء عليها في إفشال التهجير والتغيير الديمغرافي والتعريب والتتريك.

المرحلة الثانية تتمثّل في صمود العائدين والباقين على أرض الآباء و الأجداد، وهذا حدّد للنضال المدني الاستجابة لتحديين :

الأول : توفير مقومات الصمود على الأرض للعائدين على كلّ الصعد وخاصةً في المجال الإغاثي.

الثاني : التصدي للانتهاكات والاعتداءات التي يتعرّض لها العائدون والتي كانت الغاية منها إرهاب وإخافة الناس لعدم العودة وكشفها للرأي العام والجهات المعنية بحقوق الإنسان في المجتمع الدولي وكذلك لدى الجهات المدنية السورية والتركية .. وتوّج هذا النضال بصدور تقرير اللجنة الدولية للأمم المتحدة عن الانتهاكات والاعتداءات في عفرين، والتي كشف التقرير ،حسب تقصي اللجنة، أنّ الانتهاكات والاعتداءات في عفرين ترقى لجرائم حرب.

بصدور تقرير الأمم المتحدة عن الوضع ،انتقل النضال المدني في عفرين لمرحلةٍ جديدة و هذه المرحلة تتطلّب التجمع والتنسيق المشترك من الجميع سواءً منظمات وقوى مجتمعية أم كفاءات مدنية لحشد كلّ الطاقات في إطارٍ تنسيقي أفقي ، ويمكن تحديد

الأسس والقواعد التي تشكّل مرتكزاتٍ لهذا النضال في هذه المرحلة هي التالي :

1- منطقة عفرين هي جزء من دولة سوريا.

2- منطقة عفرين بكتلتها السكانية وتاريخها وثقافتها كُردية الهوية القومية.

3- مجتمع عفرين واحد من المجتمعات المحلية في المنطقة التي تتميّز بتقدم قيم وثقافة المجتمع المدني فيها وهي مجتمع أصيل يستوفي شروط تعريف الأمم المتحدة للمجتمعات الأصيلة، وهذا يمكّنها لأن تكون نموذج للعلاقة الكُردية – العربية وكذلك نموذج للعلاقة الكُردية – التركية، و هي بموقعها المهم تستطيع أن تؤدّي هذا الدور في كلّ من تركيا وسوريا.

4- مجتمع عفرين كتلة سكانية تقارب المليون نسمة ، و هو مجتمع نشيط وحيوي يعتمد على ذاته، ولا يريد أن يكون عالة على أحد، غني بكفاءاته على كلّ الصعد من الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والمهن الحياتية والمهن العلمية حتى التعليم الأكاديمي العالي.

5- جغرافية عفرين غنية بالموارد وقادرة على توفير الحياة الكريمة لأبنائها، و يمكن تطويرها عبر إدارة مدنية ناجحة لتصل لمرحلة الحياة المريحة لأهلها .

مشتركات ومهام المرحلة لأبناء عفرين :

1- العمل لإخراج الفصائل المسلحة من منطقة عفرين، و إناطة مهمةالأمن في المنطقة بالشرطة المدنية التي يتوجّب أن يكون أفرادها وقيادتها من أبناء المنطقة، وأن تأتمر لأمر المجالس المحلية كما تقرّه القوانين، وحلّ الأمن السياسي المشكّل في عفرين، وحصر عمل الشرطة العسكرية بالمجال العسكري فقط.

2- العمل مع الجهات المعنية في الملف السوري، و الأطر السياسية الكُردية و عموم الأطر السياسية السورية من أجل عودة أبناء عفرين المهجّرين من محيط نبل و الزهراء وتل رفعت و الشهباء إلى قراهم وبلداتهم، وكذلك عودة أهالي الشهباء وتل رفعت إلى بيوتهم وقراهم وبلداتهم لتعود الحياة المشتركة بين عفرين وجوارها العربي السوري لوضعها الطبيعي التي كانت عليها منذ مئات السنين من احترام وتقدير متبادل .

3- تنظيم حياة النازحين من المدنيين السوريين الذين التجأوا لعفرين طلباً للأمان ، وذلك وفقاً للقوانين و الأنظمة التي تحمي حقوق الإنسان و تحمي الأملاك الخاصة و العامة لأهل المنطقة، و لتوفير الحياة الآمنة الكريمة للجميع فيها.

4- العمل لتكون منطقة عفرين بإدارة موحّدة. يتشكّل فيها مجلس، يمثّل كلّ أهالي المنطقة ومن كلّ مكوناتها ومكتب تنفيذي للإدارة المحلية ترتبط بها المجالس المحلية للنهوض بمجتمعها في كلّ مجالات الحياة، الأمنية و الإقتصادية والتعليمية والصحية و العمرانية وفي نطاق كامل إقليمها.

إنّ إستمرار العجز في توفير الأمن والحماية لأبناء منطقة عفرين، وحماية أملاكهم والبيئة الطبيعية لمنطقة عفرين والتي بممارسات الفصائل التابعة لتركيا هي سائرة نحو التصحر ، وفي تدمير الأرث الحضاري التاريخي بدءاً من معبد عين دارا الأثري الى كلّ المواقع الأثرية والتلال الأثرية التي سويت بالأرض تدميراً ونهباً، ويوجد توثيق لكلّ ذلك إلى منع عودة أهلها .

إزاء كلّ ذلك و استمرار هذه الأوضاع يمكن لمجتمع عفرين التوجّه للمجتمع الدولي ؛ لوقف ما يجري في عفرين وماتتعرّض له طبيعتها وأهلها، وفي هذا يكمن الاستناد إلى :

– عفرين مجتمع أصيل يعيش في إقليم بخصوصية قومية، و جغرافية متميّزة و محدّدة ، و يمكنه الطلب من المجتمع الدولي وكما ينصّ ميثاقها وقوانينها لحماية المجتمعات الأصيلة بشكلٍ من الوصاية أو المراقبة الدولية ، و إرسال قوات شرطة أو جيش تابعة لدول محايدة في الملف السوري لحين إيجاد حلٍّ متفاوض عليه لكامل التراب السوري، ما يمكّن السكان الأصليين من العودة لمدنهم وبلداته وكذلك وقف الانتهاكات والاعتداءات على الأرض، والتدمير الممنهَج سواءً للطبيعة أو للوجود المجتمعي الأصيل فيها وذلك عبر مخططات إسكانية تهدف للتغيير الديمغرافي.

-التأكيد لعدم استخدام أراضي منطقة عفرين للمساس بأمن وسلامة أيٍّ من أطراف النزاع في سوريا وكذلك أطراف النزاع الأقليمية والدولية وخصوصاً تركيا.

أعتقد مثل هذا التوجه بات اليوم ضرورة في ظلّ انعدام فرص أيّ حل للمأساة السورية، واستمرار الأوضاع على ماهي عليه في عفرين من انتهاكات و اعتداءات بحق البشر والشجر والحجر واستمرار منع عودة أهل عفرين من معسكرات الأسر في تل رفعت ومحيط نبل والزهراء وما سُمي بالشهبا، وهو يستدعي جهود الجميع وكلّ الخيّرين السوريين لحماية هذا المجتمع وجغرافيته ، كواحدٍ من المجتمعات المحلية القليلة في المنطقة التي تتميّز بتقدم قيم وثقافة المجتمع المدني فيها .

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد (302)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى