آراء

التراث والموقف منه

وليد حاج عبدالقادر – دبي
القسم الثاني
ومن هنا فإنّ التراث كبحثٍ وكمهمةٍ تستوجب الارتكاز وكقاعدةٍ مركزية في منهجية البحث والتقصي و نوع العمل الجاد ، وكخطوةٍ رئيسة يتوجّب وكضرورة الإعتماد على مبدأ التوثيق من جهة والتخطي معها إلى العمل الميداني فيه ، خاصةً إلى المواقع والبيئات المتقاطعة مع العمل المستهدَف استقصاءً ، وكمثال : إن أردنا توثيق ظاهرة – كجك ولاوك – فمن الطبيعي أن يكون ل – جيايي بروج – جبل قرجوخ ، حضوره المتّقد في الذهنية ، كما جيايي عبدالعزيز ودشتا ملان في ملحمة – عدولي ودرويشي عڤدي – هذا الأمر الذي سيفرض وبالضرورة للقيام بزياراتٍ ميدانية للمواقع إن وجِدت أو البيئات التي حيكت أو تأسّست عليها ذلك المبحث الخاص ، الأمر الذي سيؤسّس لحالةٍ نفسية تتقاطع مابين التعاطف مع شخوصٍ في الحدث أو كرهٍ لآخرين ، كما مموزين وبكو ، وقد يبرّر للعامة ذلك ، عكس الباحث الذي يفترض فيه التجرّد من روحية التعاطف ، والتعاطي مع ما توفّره هذه البيئة من دلائل قد تطيح بكلّ قوام النص بين سرده الشعبوي وآفاقه الملحمية بأبعادها الأسطورية ، وعلينا ألا ننسى أو نتجاهل أمراً حيوياً ، فقد تتوسّع وفق معطيات وأمور – ربما لم تكن قد تخطر على بالنا مطلقاً – فتشمل بيئات عدة تتجاور وتتقاطع في النمط وكأمثلة لها سأسوق مثالين : أغنية لاوكي متيني ، ومدلول لاوك في التراث الكُردي ولكن المهم هو هنا ؟ تلك الظاهرة المرتبطة بالحدث والغناء وتساقط أوراق الشجرة حزناً بالترافق مع لاوكي متيني من جهةٍ ، وذات الأمر المروي عن تساقط ورق نبتة سيڤ سيڤوك مع أغنية سينم – وبالتأكيد فأنا هنا أدوّن الظاهرة المحكية وان كنت أربطها بالتأكيد مع بعدها الأسطوري كملاحم فيها من الحنينية ما يوصلها إلى درجة المناحات – وفي العودة من جديد إلى الأهم وخاصةً في عملية الاستقصاء النظري والتي تستوجب التسجيل الدقيق لتلك الأنماط وبحرفيةٍ ، بحيث تكون مخارج ونطق الكلمات سليمة – كمثالٍ – وتتالي مشابهاتها كتابةً ، ويبقى الأهم هنا من كلّ الخطوات السعي في البحث عن المدوّنات إنٔ ذُكرت أو وجِدت ، وبعد عملية الجمع ومطابقتها كما وتقاطعها ومن ثم فتح جداول التقاطع والمشترك وأيضاً المختلف ، ستبدأ العملية الأكثر صعوبةً ، وأعني بها مهمة البحث في المرادفات والمعاني المتشكّلة إن للكلمات التي توحي – تحدّد المعنى أو حتى تتقاطع ولتختلف مثلاً في بعض التفاصيل أو لأحداث ، لا بل وحتى في التسميات ولكنها في السياق العام قد تتواصل لتختلف في الأنساق وتراتبيات الجمل ، أوتتقارب لتصل إلى النهاية ، ومعها قد تختلف الخواتيم من سردٍ أو روايةٍ إلى أخرى حسب البيئات والمناطق ، وقد تصل إلى حدّ التناقض وذلك حسب مراحل تطور المجتمعات ، وبالتالي ما آلت إليه المواقف من الظواهر المؤثّرة في تشكّل نمط الوعي ، وانعكاس المتحولات تلك على بنية ونمط ذات المجتمع ، كالموقف من المرأة مثلاً في أنساق تراثية كُردية وبأزمان مختلفة أيضاً ، كحالة زمبيل فروش مع الخاتون زوجة الأمير وبأشكال – أنماط قصّها الغنائي المحكي ، والتي قابلها مثلاً حالة معاكسة تجسّدت في سريالية سينم وملحمة قوننة الشرف وصونها ، وفي المحصلة : إنّ هذه القصص هي بقايا لملاحم أسطورية سحيقة في القدم، صمدت وحافظت على سياقيتها وكثير من عباراتها الإرثية لا تزال حاملةً وبأمانةٍ لأبعادها التراثية متحدّيةً النسيان ، لابل إنّ بعضها لاتزال في حلة نسقها الأسطوري ، فتتوارد فيها كلماتٌ من خلال السياق الشفهي وكمثال : حينما تقال في السرد القصصي – دما ب باني ڤا جو – عندما صعد أو ذهب إلى الأعالي ، الجملة – المقدمة – المطلع الذي يذكّرنا بمطلع أسطورة الخلق والتكوين ، وباختصارٍ شديد وعلى الرغم من ندرة التدوين والتوثيق ومن ثم الدراسات في الجانب التراثي والأسطوري ، إلا أنه يمكننا القول ومن دون مجازفة : إنّ التراث الكُردي يحتوي على مخزونٍ هائل سواء بالكم ، أو وهذا هو الأهم : بالتدرّج التأريخي في مواكبة النمو المجتمعي والمتحولات التي مرّت بها عبر التاريخ ، ولكنها في المحصلة بقيت – التراث والإرث الكُرديتين – وبكافة أنماطها ظلّت وللآن ترتكز على ذات النمط المحدّد والمعروف بثقافة النقيضين أو الضدين بدءاً من الحياة فالموت ومتواليات البيئة الزراعية المستقرّة أو الرعوية المتنقّلة والحالتين تفرضان ذات النسق الطقسي والتي اختزِلت معرفياً أيضاً وببونطٍ عريضٍ تحت عنوانٍ مفصلي عُرف بثقافة الموه – أي الماء ، فكان موسى أي – ابن الماء ، وآباسا – تلك القبيلة الكُردية الكبيرة والمتقاطعة جذرياً مع ممي آلان أو مم آباسي ، ناهيك عن مموزين / مم و زين وممي آلان والتي اختزلها كلّها المير جلادت بدرخان بمقولةٍ رائعة لا أشكّ مطلقاً بأنها ترسّخت في ذهنيته إلا كنتاجٍ لبحث وتقصٍّ حقيقي ، ولن أستغرب أيضاً أن تظهر مستقبلاً شذراتٌ من هذا القبيل في مسوداته .. يقول ، لا بل يصرّ المير جلادت بأنّ الاسم الفعلي للملحمة – الأسطورة هي ( مموزين ) وليس مم و زين ، هذا الاسم الذي أتّفق تماماً مع طرحه – المير – وذلك كنتاجٍ تطبيقي وقيمي لمفهوم الحياة والذي ارتبط وجوده بالماء فأينما وجُد الماء وجِدت الحياة ، وعليه فإنّ مموزين هي أسطورة خلق الحياة وبالتالي دورتها إلى الموت ومن ثم الحياة ، هذه الحياة والتي تقمّصت كاسمٍ أيضاً في قصة الخلق حتى في الديانات التوحيدية ، ولتتقاطع من جديدٍ مع تلك الكلمة السومرية – ننتي – والتي تمّ تعريفها في بدايات الانفتاح وفكفكة اللغة السومرية فتُرجِمت إلى – سيدة العضو – ومع تطور العلم السومري والتعمّق في لغته ومفرداته ، تبيّن بأنّ ننتي تعني حواء العبرية وحياة العربية و- لايف – الإنكليزية و چين الكُردية ، ومن جديدٍ صدق المير جلادت في مقولته : لو عرف الكُرد قيمة مموزين لوضعوها مثل القرآن في كيسٍ قماشي وعلّقوها في صدر بيوتاتهم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى