آراء

التسويف والإنحدار المعرفي تأريخياً

وليد حاج عبدالقادر / دبي
3 من 3

في هذا الجزء وبعيداً عن الجدل المترف مع مجموعةٍ تعمّدت في دجل عقيدة البعث ، وسعت لإيجاد آليات ترويجها بشتى السبل ، وساذكر منهم كمثالٍ مهند القاطع وماهر حميد ، وسأبدأ ببعضٍ من مقاطع رد لمهند القاطع تحت عنوان – أنا ابن منطقة الجزيرة :
( .. يشكّل الأكراد نحو ٢٧٪؜ من الجزيرة ؟! ..

أعطيني مثالاً عن نموذج الإفقار والتهميش المتعمّد في محافظة الحسكة نال الأكراد أكثر من العرب في هذه المحافظة؟ حيث توفر الطرق والمياه الصالحة للشرب والكهرباء وحتى وفرة المحاصيل الزراعية في خط العشرة في منطقة مثل ديريك مثلاً أفضل أم وضع القرى العربية .. مثل جزعة وريف اليعربية وريف تل حميس و… ؟!! ( هنا يحاسبنا القاطع على هبة الله )
عندما اعلنت محافظة الحسكة منطقة منكوبة بعد انحباس الأمطار لسنوات متتالية سنة ٢٠١٠ هل اقتصرت النزوحات باتجاه دمشق وحوران للعمل في المزارع ومختلف أصناف العمل للعوائل الكُردية أم لجميع سكان المحافظة ؟

النيروز ألم يكن نشاطاً ثقافياً يحتفل به الأكراد في عهد المقبور حافظ الاسد وعهد بشار الاسد ؟ .. ) ويضيف القاطع ( أسماءكم جيل الخمسينات والستينات والسبعينات كلها عربية، أليست أسماء مواليد جيل الثمانيات وحتى يومنا هذا من أبنائكم هي كلها كُردية ؟ فاين المنع ؟ ماهي البلدات والمدن التي تزعم أنها كُردية وتمّ تعريبها؟ ألم يكن تبديل الأسماء الأعجمية أو غير للائقة معمولاً به منذ عهد هاشم الآتاسي ؟ ألم يكن اسم عين العرب سنة ١٩٣١ ( عرب بينار) قبل أن تصبح قصبة وتسمى عين العرب؟ ).

خذ على سبيل المثال قرب الميادين هناك ناحية اسمها ( الفاطسة) تمّ تبديلها إلى الطيبة! .. وكذلك على مسميات قرى كُردية وسكانها أكراد أيضاً حيث تمّ اتخاذ الترجمة العربية الأقرب لاسم القرية الأصلية! لذلك لا يجب هنا اعتبارها سياسة تعريب تستهدف الأكراد !! ثم ندّعي أنّ بلدة مثل القحطانية كُردية !! علماً انها خليط سكاني واسمها الأقدم عربي ( قبور البيض) ، ديريك اسمها عربي (تصغير دير) وتعربت إلى المالكية ومعظم سكانها اليوم أكراد ولم تكن كذلك قبل ٥٠ سنة مثلاً! فلا يجب خلط الأمور بأثر رجعي.

ناحية اليعربية اسمها الأصلي ( تل كوجك) نلاحظ استخدام اسم تل العربي وكوجك العثماني !
بلدة الجوادية سكانها خليط واسمها القديم عندما كانت قرية هو اسم كردي ( جلاغا) . المحصلة التي أريد قولها اعتماد المبالغات في المظلوميات ومحاولات حصرها بناءً على العرق أو الدين في ظلّ نظامٍ شمولي هي فكرة غير صائبة! .. ) .
( .. أما الحزام العربي ومشروع طلب الهلال فهي عناوين لمظلوميات متخيلة أكثر منها واقعية أو لها أساس مظلومية .. )

وهنا وببساطة لم يستطع القاطع مطلقاً الخروج من شرنقة التناقض ونزعته العدائية للكُرد .. كلّ ما طرحه تستند في الأساس على جينةٍ اندمجت في شخصيته وبات لا يهمه سوى احتكار الحقيقة كتشوهٍ فكري ، وأصبح مجرد الرد على تسويفاته مضيعة للوقت ! : نعم الكُرد يشكلون 27% ولكن من مجموع سكان سوريا إن لم تكن أكثر ، والتغيير الممنهج وبنزعة شوفينية عنصرية لأسماء المواقع وبغير لغة قاطنيها هو استهداف لم يستطع القاطع تمريره ، حينما برّر ترجمتها الى معان أقرب الى معانيها بالكُردية ؟ إذن – وحسب تعليله – كان الاسم الكُردي يشوّهها ! . والبغيض في الأمر هو أنه – القاطع – يلجأ كعادته إلى طهرانيات يتصوّرها هو كهروب من الإستحقاقات إلى تاريخٍ نعرف جميعاً في أية دوائر صيغت ، ومع هذا علينا الإقرار ببراعته في الهروب من النقاشات وبناء مملكة من التأريخ كما تملي عليه هواجسه لا التاريخ . وهنا لا أدين أي كان ضمن الخارطة السورية المتشكّلة بموجب خرائط عام 1916 ومتتاليات الضم والإلحاق وذلك كنتاج لنقص معرفي ! ولكن بذات القوة ندين الاستبداد العرقي كثقافة ممارسة وبغطاء شفاف لحقدٍ كمين كانت ولاتزال تنتج ثقافة الكراهية .. انّ التطويب الشخصاني في الانتماء وقداسة الملكية الإلهية التأريخية والكهنوتية الممارسة تجاه الآخرين ورؤيتهم مجرد حواش تعود بنا إلى مسالك الموالاة والتبعية للمواطنة المتسيدة ! أفلا يدرك مبشّروها أنها فشلت .. الهوية الجامعة لا تنتجها الأبراج العاجية ولا تشتيت القوى وشرذمة البنى المجتمعية .. وبالمختصر : – أتصوّر – بأننا كُردياً لسنا بحاجة لتقديم شهادات الإنتماء أو خضوع لتجارب ال دي إن إي لنثبت انتمائنا إلى الأرض التي نعيش ، ومن لايزال يصرّ على إقتفاء آثار وخطى جحافل العابرين فليتبارك بذلك ، ومع هذا لم نزل نتوقّع خطوات لمشاريع تأسيسية ترتقي على هكذا سوية في النقاش ، في اعتبار الفئة هذه دخيلة وأخرى مهاجرة أو مكتومة لا قيد لها أو أجنبي .. ذات المنهجية التي أنتجت مظلومية راكمت الشرخ البنيوي الذي رقص بعضهم على أنغامه .. هناك إصرار غير معقول على جعل مخرجاتهم لاهوتاً مقدساً ، وهنا أتساءل : هل هناك نقاء صرف لأية مجموعة بشرية ؟ ومعطوفاً على ذلك : هل يراد هنا التأسيس على هذه الأرضية لمشروعٍ ما وبطروحات قوموية محددة .. أو ليس المهم بعد هدم جدران العزل أن نسعى للتعريف بشعبٍ يفترض أنه شقيق ! وأن نمهّد الأجواء لحوار تعريفي حقيقي لغاية أساس وهو تسليط الضوء على ما أخفته النظم المتعاقبة ! وللأسف فإنّ كلّ مقدمات ومخرجات كما وسائل النظم تستخدم هنا كثوابت في محاضر النيابات ، وعليهم ألا يستغربوا من ردنا على كلّ هذه التقولات وبجملةٍ واحدة : إننا كشعبٍ كُردي منتمون تأريخياً لبقاعنا وهذا لن يثنينا عن ولائنا الوطني ، وسنبقى نناضل لسوريا ديمقراطية تلغي الاستئثار القومي وفوضى الرشق الثقافي ، وحينها سنطالب بدراسات محايدة لتاريخ المنطقة وكشف ما ستر منها ودون ذلك : فهي لهم وهاهو مهند القاطع الذي يبذل كلّ جهده في التبشير بهكذا ترهات ، وما فكر لحظة خارج أسوار أمانيه المخيالية وتصوراته بعيداً عن مآسي سوريا كاملة .. وأؤكّد هنا بأنني لا أعني القاطع كفرد بل مدرسة جمعية منظمة ، وساختصر هنا بجملةٍ في الجانب التعريبي والمشاريع العنصرية وسأتعفّف حتى لمجرد الرد على شوفيني مريض ومتشبّع بنزعةٍ تستولد الكراهية ، مذكّراً إياه وأمثاله ، بأنّ المدافع عن مشاريع أية منظومة سيكون هو جزء – فرد من ذات المنظومة التي فشلت في هدم الخاصية الكُردية والذاكرة الجمعية للشعب الكُردي ، ولتبقى – گري ڤرا – كمدلول وبجرس موسيقي أصدق من ترجمتها إلى – تل الصدق – المعرّبة ، أما عن المظلوميات والخدمات ! فحدث ولا حرج ؟ .. يبدو أنّ القاطع لا يزال يبصم على شرعية إجراءات النظم ولكن بإيهام ساذج ! كما مثال الخدمات ؟ فيتناسى هو تلك الخدمات التي تمّ توفيرها لمستعمرات الغمر وبجانبها القرى الكُردية الأصيلة التي لم يتمّ توفير ذات الخدمات لها إلا بعد سنين طويلة !.

وباختصار : إنّ العقدة هي في إعادة قراءة الوقائع لا بمنظور أمني- ولا بالإرتكاز على وثائقها ومخرجاتها ، وكذلك لا يمكن وبالمطلق الاستناد على مواقف اوجلان في الخاصية السورية واعتبارها كوثيقة ، مع أنها لم تخدم سوى النظام وكلّ الشوفينيين وباتت ورقة تعرض حين اللزوم ، وهنا ! قد لا نلوم غالبية من لم يتعايشوا أو يتعرّفوا على واقع الكُرد وحركته السياسية عكس القاطع ؟ . فهل يتذكّر القاطع أولئك الطلبة الذين اعتقلوا – مثلاً – أوائل السبعينيات لمجرد هتافهم في مهرجان بعثي ب عاشت الأخوة العربية الكُردية ، هذا الشعار المثبت كبند رئيس وكواحدة من أهداف معظم أحزابها وكانت تتصدّر أدبياتها ؟ هل يعلم غالبية السوريين غير الكُرد بأنّ الحركة الكُردية كانت ولم تزل تعتبر القضية الكُردية كجزء رئيس من القضية الديمقراطية في سوريا وعلى تلك الأرضية رفضت دعوة رأس النظام لهم وإرساله طائرة خاصة عادت من دونهم إلى دمشق ؟ . وبالمقابل : كنا ككُرد أيضاً مغيّبين عن المعارضة العربية سوى في المعتقلات ، وحتى فيها كانوا يواجهوننا بذات مواقف وتهم الأنظمة ، هذا الأمر الذي استمرّ لسنين ، نعم ! إنّ ما يحيرنا كُرديًا هو أن يتخذ بعضهم وكهواية يشهر قلمه وبدل أن يكتب ! يطلق طلقات وأزاميل تؤسس لشرخٍ بنيوي ! الأمر الذي يدفع إلى التساؤل : بدل كلّ هذه التنظيرات الشبيهة بالكثبان الرملية ؟ والخلط المتعمد بخاصية القضية القومية الكُردية في سوريا والإصرار الأوحد على بناء تصورات مبهمة عنها وكمثال :
غالبية مخرجات الحركة القومية الكُردية في سوريا ومنذ تاسيس أول حزب سياسي لها كان الإيمان بدولة مواطنة مدنية ديمقراطية
اعتبرت قضيتها جزءاً رئيسياً وحلها مرتبط بالديمقراطية
لم تلتجئ مطلقاً إلى أي نوع من أنواع الصراع على أساس استهداف قومية معينة لابل انحصر صراعها مع النظم المتعاقبة وممارساتها العنصرية ضد الشعب الكُردي والسوري عامةً.

رغم كلّ ممارسات النظم وفي كلّ الشدائد كانت قواها الشعبية والسياسية تقف مع قضايا الوطن السوري بالرغم من مواقف كثيرٍ من التكتلات والأحزاب وأيضاً شخصيات تأمّل منهم الكُرد غير تلك المواقف والتي أدّت إلى تعميق الشرخ الوطني ، ومع هذا ورغم القمع الممنهج للنظام سنة 2004 واستباحته للمناطق الكُردية لم يتفاعل أحد من تلك القوى مع الشعب الكُردي، عكس الحركة الكُردية التي لم تقف على الحياد في قضايا مماثلة ، بل أكّدت في بياناتٍ صريحة بأنّ القضايا لن تحلّ تحت وطأة جنازير الدبابات.

إنّ التعميم الممارس من قبل فئة ليست بقليلة ، والتي أصبحت ظاهرة شللية أيضاً ، والتي تسعى بكلّ جهودها لترسيخ مفاهيم خاطئة بحق الشعب الكُردي وكمثالٍ : إنّ العصابة الاسدية لا تعادي الإنفصاليين ؟ وذلك في قلبٍ مشين للحقائق ، حيث أنّ النظام اعتبر الكُرد والقضية الكُردية أعداء له ، وهو العرّاب التنفيذي لكلّ المخططات العنصرية والشوفينية التي طُبّقت بحق الكُرد ، نعم ! إنّ
العصابة الأسدية وديماغوجيتها الممارسة كانت ولاتزال هي ذاتها المنهجية التي يرتكز عليها كلّ دعاة سوريا الدولة الوطنية التشاركية ولكن بلبوسٍ قومي مستفرد أيضاً ، وعلى أرضيتها يمارسون ذات السلوك الإقصائي.

لقد أثبتت الحركة الكُردية في سوريا بأنها حركة وطنية بامتياز وأنّ نضالها ديمقراطي ، ولم يغيّر من قناعاتها كلّ التسويفات والتصورات القوموية الإقصائية ومن أية جهة كانت ، وهنا : أفلا يحقّ لنا التساؤل ؟ هل اقترب أولئك الغلاة العنصريين من الكُرد واطّلعوا على أدبيات ومواقف الحركة الكُردية ؟ أم أنّ مواقفهم ظلّت على ذات القاعدة ( .. أنت كُردي إذن أنت انفصالي ؟ ) والسؤال الأهم الذي سيطرح نفسه هنا ؟ وإن كان انفصالياً ؟ أو ليس الأهم أن يبحثوا في أسباب توجّهه نحو ذلك الخيار ؟ .. إنّ كلّ السياقات أعلاه تفترض الإقرار بأنّ كلّ مَن يقصي وينفي وووو يدعو إلى المواطنة ! هو موقف ديماغوجي لا أكثر ؟ .. لأنّ مَن يحضّ على الكراهية والتطرف والعداوة بين مكونات وأخوة وطن لمجرد إقرارنا وإصرارنا في الرد على مَن ينكر حقوقنا ؟ فسأذكّرهم بأمرٍ مهم ! بأنني لم أستغرب خلال سنوات عمري كلها على وحدانية ذات لائحة الاتهام من محكمة أمن دولة النظام سنة 1992 ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى