آراء

التسويف والانحدار المعرفي تاريخياً

وليد حاج عبدالقادر/ دبي

1من 3

بدايةً لابدّ لي من الإقرار بتجاوزي لمفهوم العودة إلى جدل البحث في أصالة أو حقيقة أمرٍ بات أقوى حتى من كلّ مسوّغات الوقائع ، إلا أنّ بعض السويات المزعومة بامتلاك مطلقية الحقائق في النسب والتنسيب ، وفي استعراض لتاريخ المنطقة وحركة المجموعات البشرية وبمخيالية السير و مسالك المدن بممالكها، كما سيرة بني هلال – كأنموذج – ، وفي تناسٍ بتناسب فعلي منذ التحول الديني مع بداية العصر الأموي وظهور أو تسيّد البعد القومي العربي، ومعها مجموعة الموالين من غير العرب كفئةٍ ثانية ، هذا الأمر الذي سيدخلنا جبراً في الجدل اللغوي والصياغات التي نفهمها كُردياً، ولا نقف عندها، سوى في الحالات والمواقف التي تنطق أو تكتب كتسميات ومواقع ، ونعلم مثلاً آلية تحول أو كتابة دمشق بالفرنسية داماس، والإنكليزية داماسكوس، وعليه فكتابة كُرد أو كورد او أكراد هي تدلّ علينا كشخوصٍ أو كشعب، ولكن حسب خبرتي وعلمي باللغة العربية، عندما يستخدم التشكيل أي بضم الكاف، قد تغني عن الواو، كما نستخدمها نحن كتابةً باللغة الكُردية فنكتبها Kurd وحرف u هي أشبه بالضمة المخفّفة عكس û والتي هي الألف المضمومة ( أُ ).

هذه التحولات اللغوية واستنطاقها هي من أهم عوامل اللغط، التي لازال بعضهم يتقصّد في البناء الممنهج عليها، وينفي بطوباويةٍ مستقاة من أدلجات ومفاهيم تسبغ بقدسية لاتقبل حتى منطق الجدل، وإن كانت حتى بصفةٍ تفسيرية – توضيحية ، وعلى هذا المبدأ أرى لزاماً عليّ ومن منطقٍ بحثي/ استقصائي لبعضٍ من أساسيات التدوين والبحث التاريخيين، كهدفٍ بحثي لا بناءٍ سياسي، رغم أهمية الإستدلالات التاريخية ، ولكن من جديد، لا كسيرٍ صرف، على مبدأ الرحّالة، وإنما مدى تفاعل وتجذّر تلك المجموعة – أية مجموعة – وتأصلها تلاحماً مع الجذر الميثولوجي لتلك البيئة وقدرة  تلك المجموعات على تناقلها، وبالتالي البناء عليها ، وكتوضيحٍ أشبه ما يكون لنقدٍ ذاتي أمارسه هنا ، فقد ظننت شخصياً ومنذ أكثر من عشر سنين، بأننا تجاوزنا مرحلة النسب والحفر بالفؤوس لتحديد أثر وأطلال جدودنا !  ولكن  يبدو بأنّ الكواكبي كان محقّاً ، ومعه ذات  الفلسفسة ( مقصودة ) للفيلسوف آطاش العين ديوري البانا شكفتي الجزيري، في مسنده المعروف بخاصية الطبع والتطبع والتقمص، في روحانيات الإستبداد وهات ياملكيات مقدسة . إنّ ما نشره بعض من النزعويين القوميين مؤخراً، وهذه المرة بصيغةٍ لامعرفية – جدالية، بقدر ماهي منهجية مستمرة في التمييز العنصري بكلّ تجلياته، التي مورست عملياً منذ عام 1959 وما تلاها من برمجيات على شكل مخططاتٍ تتالت ، وكان الهدف دائماً هو سلوك منطق الدفع إلى اقتلاع جذور الشعب الكُردي، استئناساً بممارساتٍ عنصرية مشهورة عالمياً، لابل دفع الحنين في بعضٍ من الشوفينيين ( وكمثال فلسطين وقراها ) فسعوا إلى الاستيلاء على تلك القرى والأسماء واستنساخ ذات الأسماء في ربوعنا، فظهرت ديرياسين ويافا وحيفا وووو .. والمقرف حقيقةً في هكذا توجهات، فقدانها لأية رؤيةٍ جدلية، سوى ردائها العنصري وأسوأ ما فيها هو متوالية الأسماء المعربة ، في تناسٍ وكمثال : الفرنسي يسمّي دمشق داماس وطرابلس تروبولي ونحن كُردياً أيضاً لنا سياقاتنا اللغوية ومسمياتنا، وايضاً ما يمكننا وبالمنطق البحثي، لا الإستدلالي المنتج من تحويرات لغوية ، أو الإنتقائية المسوّفة حتى لكتب الرحّالة وواضعي المعاجم والخرائط مثل المسعودي و ياقوت الحموي ، لابل حتى ابن خلدون، لأننا واثقون بمدى استعدادهم في خلع العمامة عنهم ونعتهم بالشعوبيين !

وساستذكر معهم الأمير البصري ( من بصرى الشام ) ومنحوتته على تلك الصخرة فيها – سنة أتى الميد – وهذه ذكرها الراحل د.طيب تيزيني، طيّب الله ثراه، في مشروعه لرؤية جديدة للفكر العربي، وأظنه في الجزء السادس، إن لم  تخنني الذاكرة .. بقي أمر آخر وباختصار – مع وعد بالعودة تفصيلاً لها – : الزكارية – نسبة للدكتور سهيل الزكار، المدرّس في قسم التاريخ بجامعة دمشق – فشلت فشلاً ذريعاً أمام الأثريات، ومثله أشدّ مَن توجّه نحو تزييف الوقائع، وكثيرون أعادوا صياغة الحقيقة التأريخية وفق تسلسل الشعوب، وكإرثٍ مستدام لها، وعجبي من اولئك الذين يستهدفون جذور الشعب الكُردي : لا أدري سبب إصراركم في الثبات على العقيدة القومية، والتأسيس التأريخي وفق ذات العقيدة، على حساب شعبٍ وهو على أرضه التاريخية، التي فشلت، وان كان لازال عُتاتها يتخبّطون في جدلهم و فقط للجدل ، وهنا أرى من واجبي أن أذكر تلك الفئة التي، وإن كنت ، جادلتهم نظرياً وعلى المنابر بكلمتي لمهند القاطع : مهما فعلت وعملت وعربت بذهنيتك ! سأبدأ بك ومعك وهذه هي تلة حسينو قرب حكمية بجانب ديريك – للأسف غمرتها مياه السد – هذه التلة سُيمت بإسم جد جد أبي – كري حسينو – وإياك أن تعرّبها ، وسأختزل في هذا القسم بالتركيز على – ما نراه – كقراءةٍ أقرب للحقيقة التأريخية وكعناوين أراها رئيسية في دراسة التاريخ، كعلمٍ لا كبناء شخصاني، عقائدي ، هذا الأمر الذي سيفرض علينا التركيز وكمقدمات أولية وبكثافة على النقاط  التالية :
1 – التاريخ منذ نشوء ممالك المدن لم يشر الى أية قومية ومن يستخدم كلمة / مصطلح “عربو ” عليه أن يتذكّر “كاردو” .. الكاشيون انموذجاً وامبراطورية كاردونياش.
2 – من لديه أية معطيات عن هجرات جماعية، غير المتعشّش في الذهنيات، ليدلّنا على مراجعها، غير السير، وسأكون مشكوراً لو تمّ اعتماد معجم البلدان لياقوت الحموي .
3 – تقول معظم مخرجات القوميين العرب، والمطوّبين لخرائط مقدّسة لهم، وكانت معتمدة حتى فترات قريبة، بأنّ حدود الوطن العربي تمتدّ الى جبال طوروس وتغطّي ما نسمّيه نحن تقريباً ثلاثة أجزاء من كُردستان.
4 – وهنا، جدلاً، لو حدثت وأؤكّد جدلاً وبالتأكيد مع نفيي القاطع لذلك، سوى حالات البداوة العربية جنوبي الرد، والكوجر في محيط الجبال، ودشت أي السهول، مع أنه لو حدثت هذه الهجرات وعلى مبدأ الشمولية ستكون في داخل ذات النطاق.
5 – في ثقافة النمطية والإستحواذ هناك ظاهرة ممنهجة،

يمارسها بعض الكتبة العنصريين لهم هدف صريح وواضح ، وهو العمل على خلق وتأجيج صراعٍ كُردي – عربي، وهذه تمارَس منذ تشكّل دول سايكس بيكو بخرائطها ، أي قبل ولادة الحركة السياسية الكُردية ، ومن ثم الثورة السورية ، والهدف الاساس لهذه المجموعة هو بناء توجه سياسي / حقوقي إلغائي لأيّ وجودٍ متأصّل للشعب الكُردي ، هذا التوجّه الذي يدرك المشتغلون عليه قبل غيرهم ، حجم الاعتباطية والتسويف ، كما ونمطية الوثائق التي يستطيع أيّ ملمٍّ بتاريخ المنطقة أن يدحضها وعلى أساسها وبالمقارنة أن يؤسّس لمجموعته تاريخاً ومدعماً، إن بأثريات تُماط اللثام عنها، وتُعاد قراءتها وفق سياقية الزمن التأريخي ودعائمها المكانية والبشرية
6 – ظاهرة الدين وقومويتها كزعم بعضهم بأنّ كلّ مسيحيي كُردستان والوطن العربي هم عرب ؟ وأنه لا كُردي مسيحي مطلقاً ؟ أفلا يدعى للتساؤل ؟
7 – غالبية الكتّاب و المؤرّخين الحقيقيين وإيمانا منهم في التوثيق المنهجي ، يعتمدون على علوم مساعدة متعددة وحتى في تفسير النقوش والحجارة ، يرجعون وكمثالٍ الى القصّ الشعبي وبقايا الملاحم والعادات والتقاليد وما شابه ، وبالمطلق لم يكتفوا رغم الأهمية “بابن حوقل” أو تناسوا “مروج الذهب” كمثال أو ركزّوا على اكيتو الآشورية وتناسوا الإينوماليش أو نوروز .

وعليه ، وفي ختام هذا القسم :
سأعود إلى تساؤلي الرئيس ،إلى أين يريد هؤلاء أن يأخذوننا ؟ هل علينا ان نحمل معاولنا ونسير على خطى أجدادنا ، وسأكمل تساؤلي وأضمنها جوابي : نحن موجودون على خارطتنا ولا أدري القياس ، المعيار الذي يستخدمه أولئك.

إذا كانت كلّ المعطيات دوّنت بناءً على مشاعر أصحابها، وبوحدانيةٍ تعتمد النفي الوجودي، في حين أننا لو فكّرنا كُردياً، سيتوجّب علينا وضع صلاح الدين الأيوبي وفق ذات المنهج المتّبع من بعضهم في قفص الإتهام، لأنه، استناداً إلى ذات المنطق، شكّل خللاً في تجييشه وزحفه جنوباً الى أقاصي مصر، لابل وحتى السودان. وسأختتم هنا بتوجيه تساؤلي لدُعاة هذا المنهج، بأنهم في هروبهم إلى تقية التعريب المكاني والبشري، وفي تقليدٍ عصبوي أثبتت فشلها، رغم تبنّيها كمنهجٍ من قبل نظمٍ مارست فظائع، ولكنها فشلت، وبعضها رحلت وبقيت القضية الكُردية بحركتها السياسية، التي لا تزال تناضل وتطالب بالحقوق الديمقراطية العادلة لها .

للحديث بقية وخاصة في الرد التأريخي.

 

المقالة منشور في جريدة عدد 288

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى