آراء

التطبيع العربي بين استجابة النظام والعقوبات الغربية

عبد الله كدو

لقد كان خروج عشرات الآلاف من السوريين في تظاهراتٍ سلمية ضد النظام السوري في ربيع عام 2011 حدثا غريباً على كلّ مَن كان مطلعاً على الحالة السورية، فالشعب السوري الذي قاسى حكماً عسكرياً فردياً، وحُرّم من ممارسة أبسط أشكال السياسة، اعتمد، في بداية الثورة، الأسلوب السلمي في احتجاجاته ومطالبته بإسقاط النظام وتحقيق الحرية والمساواة .

وعندما لم يرق للنظام إظهار الحقيقة السلمية للسوريين أمام حقيقته التسلطية الإقصائية، راح ليستخدم أساليب القتل والتدمير ضده، وإزاء تلك الهمجية، تضامنت نسبة كبيرة من الدول الإقليمية، ومنها العربية، والدولية مع الثورة السورية التي قطعت عقداً من الزمن، تغيّرت فيه أولويات تلك الدول، حيث حدثت خلاله متغيرات شتى، دفعت ببعض الدول العربية لأخذ مسار التطبيع الذي ( توُج) بقبول عودة النظام إلى الجامعة العربية، بعد تجميد عضويته في نهاية عام 2011 عقاباً على جرائمه ضد المحتجين سلمياً.

أعربت الإدارة الأمريكية عن قلقها إزاء عودة النظام للجامعة ، لكن ليس بمستوى الإدانة، حيث صرحت الخارجية الأمريكية، بأنه” على الرغم من أنّ النظام لا يستحقّ إعادة قبوله في جامعة الدول العربية، فإنّ الولايات المتحدة وشركاءها العرب يتشاركون في نفس الأهداف طويلة الأجل للبلاد، بما في ذلك التوصّل إلى حلٍّ سياسي للصراع وتوسيع وصول المساعدات الإنسانية”.

جديرٌ بالذكر أنه تمّ التصويت على إعادة النظام، بعد أيامٍ من تحذير وزير الخارجية الأمريكي نظيريه الأردني والمصري من التطبيع مع نظام الأسد الذي تتهمه الحكومة الأمريكية بقتل أكثر من 300 ألف مدني والتسبب بنزوح وتهجير ملايين السوريين، ذلك بعد أن توصّلت الدول العربية المتطبعة إلى استنتاج يفيد بأنّ النظام السوري باقٍ، حيث أنّ الدول التي دعت، سابقاً، إلى الإطاحة به، أخذت تستأنف العلاقات معه تدريجياً منذ عدة سنوات، بالترافق مع قبول عودة النظام إلى المنظمات الدولية، منها منظمتي الانتروبول و الصحة العالميَيْن.

لقد تسارعت وتيرة عملية إعادة العلاقات مع النظام، بعد التقارب السعودي الإيراني مؤخراً بوساطةٍ صينية، بالإضافة إلى الزلازل التي وقعت في سوريا في شباط الماضي.

و تنطلق كلّ دولةٍ من مصالحها، فبعضها تتجه إلى التطبيع للحدّ من تهريب المخدرات عبر الحدود السورية، وبعضها تسعى إلى تحقيق عودة اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم، وتتطلّع دول الخليج، على وجه التحديد، إلى تقليص دور وتواجد إيران في سوريا، بعد أن شعرت بالإحباط من طريقة التفاعل الأمريكي مع سياسات إيران في المنطقة، حيث تمّ رفع اسم الحوثيين من قائمة الإرهاب، وبقيت المناطق الحدودية للمملكة السعودية عرضةً لنيران الحوثيين.

لكن حتى الآن، لم يقدّم الأسد بعدُ، أيّّ تنازلٍ يُذكر، حيث أنّّ النظام، إعادة قبوله في جامعة الدول العربية، وافق على شرط استعادة 1000 لاجئ من نحو 600 ألف لاجئ سوري مسجّل في الأردن.

وقال متحدّث باسم الخارجية الامريكية: نشكّّك في استعداد الأسد لاتخاذ الخطوات اللازمة لحلّ الأزمة السورية.

وعليه يمكن القول بأنّ الأسد يهدف، من إعادة قبوله في الجامعة العربية، إلى الحصول على الأموال ” لإعادة بناء البلاد” التي تبلغ مليارات الدولارات، حيث يأمل النظام من التطبيع في أن تضغط الدول العربية على الأمريكان والأوروبيين للحصول على تلك الأموال، بعد رفع العقوبات الاقتصادية التي تحول دون ذلك.

لكنّ الخارجية الامريكية أكّدت على أنّ العقوبات الأمريكية، بحقّ النظام، مستمرّة، و أعلنت الإدارة الامريكية، مؤخراً، عقوباتٍ، استهدفت شخصياتٍ بارزة في تجارة المخدرات السورية.

وكذلك هنالك دعوات من نواب أمريكان “للتنفيذ الكامل لقانون قيصر والعقوبات الأخرى لتجميد جهود التطبيع مع مجرم الحرب”، على حدّ وصفهم.

حيث أنّ الزيارات التي قام بها مسؤولون عرب إلى دمشق، بعد الزلزال، تشير إلى أنهم وجدوا فرصةً لتغيير سياساتهم تجاه النظام ، باستثمار إصدار وزارة الخزانة الأمريكية ترخيصاً عامّاً لمدة 180 يوماً أو إعفاءً مؤقتاً من العقوبات في 9 شباط بعنوان “السماح بالمعاملات المتعلّقة بجهود الإغاثة من الزلزال في سوريا”.

لكنّ هذا لا يعني أنّ سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا قد تغيّرت، أو أنّ العقوبات على وشك أن تُُرفع من أجل إعادة الإعمار، قبل إقدام النظام على تغييرات أساسية.

حيث أنّ هناك أنواع متعددة من العقوبات على صادرات النفط السوري وتصنيفاته ستبقى سارية المفعول، أياً كان الحزب الذي سيسيطر على البيت الأبيض. وهناك عقوبات جديدة أخرى في الطريق، حيث يقضي “قانون تفويض الدفاع القومي” الأمريكي لعام 2023 بأن تضع إدارة بايدن استراتيجية مشتركة بين الوكالات لتعطيل وتفكيك إنتاج الأسد للمخدرات والاتّجار بها.

وعليه فإنّ السبيل الوحيد لتخفيف العقوبات الأمريكية على النظام ، هو أن ينخرط النظام في عملية التسوية الدولية إزاء القضية السورية، بشكلٍ واضح .

وإذا لم يلتزم النظام بالحلّ الدولي، فإنّ الدول العربية المتطبّعة التي ستنخرط في “إعادة الإعمار”، ستتعرّض للعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “308”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى