آراء

التفاعل والإشكاليّة بين الإعلام والسياسة

إسماعيل رشيد

الإعلام هو الوسيلة لنقل المعلومات إلى أوسع الشرائح واستهدافها خلال فترةٍ زمنية قصيرة ، وتعتبر وسائل الإعلام المختلفة (التلفاز – الراديو- الصحف- مواقع الإنترنيت – شبكات التواصل الإجتماعي….) جسور استراتيجية للوصول إلى الجماهير والتأثير عليها ، وبالتالي تشكيل رأي عام حول الأفكار المطلوبة.

فهناك إعلام حزبي،هو أحياناً، مصدر للتشوهات في الكثير من البلدان، ومنطقتنا جزء من هذه التبعية ، وهذا يندرج في إشكالية العلاقة بين السياسي والإعلامي ، حيث عدم الدراية الكافية لقواعد المهنة ، وهذا الأمر طبيعي في بيئةٍ سياسية وإعلامية نامية و غير مستقرّة ، فالقاعدة الأساسية تكمن في الأصل ( السياسي ) والذي يعتبر المصدر بالنسبة للإعلامي ، ولكن بسبب حالة الضعف وعدم الاستقرار الذي يعاني منه السياسي، تُفسح الساحة للكثير من الإعلاميين، بحكم شبكة علاقاتهم لملء هذا الفراغ ، ومن هنا يبدأ التداخل المهني وافرازاتها المشوّهة ، لا بل انعكاساتها على آداء الدور الوظيفي لكلّ جانبٍ.

فالسياسي الناجح هو الذي يحسن الاختيار والتعامل و يعرف كيف يمرر خطابه السياسي عبر وسائل الإعلام بمهنيةٍ وقوة الإقناع، كون العلاقة بين وسائل الإعلام والحياة السياسية تشكّل ثنائية متكاملة ، فوسائل الإعلام تؤثّر في البنية المجتمعية، وتغيّر الكثير من القواعد التقليدية للعبة الديمقراطية، وهي من دعائم تعزيز الشفافية في المجتمع وخلق ثقافة الحوار ونبذ العنف والتطرّف، حتى ذهب كثيرون إلى  تبنّي فكرة     ” المناعة الذاتية” ضدْ التطرف ، فهناك دور مهم تلعبه  وسائل الإعلام، وهو المساهمة في عملية صنع القرار، وبالتالي يهيّئ الرأي العام لتقبّل القرارات من السلطة، وبالعكس، لسهولة وصوله للمتلقي والتأثير عليه.

كل هذا ينطبق على الأنظمة السياسية الديمقراطية ، ولكن بالمقابل فإنّ الأنظمة الدكتاتورية تعي تماماً خطورة وسائل الإعلام، وتصنّفها ضمن الجيوش الميدانية، فتحاول الهيمنة  عليها وصرف ميزانية ضخمة عليها لتوظيفها وفق سياساتها، و تحويلها إلى جزء من منظومة القمع ،  فالساسة هم أصحاب المكانة الرفيعة، ويحرص الإعلاميون على كسب ودّهم  ، بينما في الدول المتحضرة استقرّت العلاقة بين السياسي والإعلامي حتى بات الإعلامي لايقلّ أهميةً عن مكانة السياسي ، فهناك حكومات ورؤساء تمّ استبعادهم عن المشهد السياسي بسبب انتقادات الإعلاميين وفضح ملفات الفساد لديهم.

لنعرج قليلاً على الإعلام الكُردي وتأثيره على الأحزاب والمؤسسات السياسية في الحالة الكُردية التي تحكمها الأنظمة الشمولية،حيث تقييد الحريات العامة  ، و بالتالي المعاناة من إشكاليةٍ إعلامية تتعلّق بالحريات ، فالحرية و الإعلام ثنائية متلازمة ، و بغياب المساحة الكافية من الحريات العامة، فإنّ الإعلام الكُردي، وخاصةً الحزبي، بقي أسير هذه الثقافة الإقصائية ، ومع ذلك، فهناك جهود مميزة تبذل في العقد الأخير، بعد أن شعر الكُرد بضرورة مواكبة العصر والتسلّح بالحقيقة، بحكم متطلبات المرحلة، عبر محطاتٍ فضائية و مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الحزبية والحراك الشبابي، بالرغم من ضعف الإمكانات، و تبعية الوسيلة الإعلامية لجهاتٍ حزبية مولّفة سياسياً حسب تردداتها ، بالإضافة إلى غياب العمل المؤسساتي الذي يفرض إيقاعه السياسي ( النفعي ) وبالتالي يفقد الإعلام وظيفته، من عامل التأثير والضغط، إلى إعلام موجّه و أسير القادة السياسيين.

ففي كُردستان سوريا ومنذ اندلاع الثورة السورية و المراحل والمنعطفات التي مرّت بها ، خاض شعبنا الكُردي، عبر حراكه السياسي السلمي نضالاً دبلوماسياً لتدويل قضيتنا العادلة أمام الرأي العام، وبغياب الإعلام المهني والمؤثّر، وبات حكراً على وسائل إعلامية تتحكّم بالخبر والتغطية وفق أجندات ومؤثرات إقليمية، مما أفقدت الجهود المبذولة عنصراً مهماً من عناصر التكامل السياسي ، ناهيك عن فقدان التأثير والضغط على القادة السياسيين ، ومن هنا فقد كنا ولازلنا نعاني من ضعفٍ إعلامي في الجانب التقني والمهني لوسائل  إعلامية  ( غير مهنية)  بعضها تشوّه الحقيقة وتعمل وفق أجنداتٍ تسيء لقضيتنا وتستهدف شريحة واسعة من شعبنا، مستغلة حالة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي.

ومن هنا فالمرحلة تتطلّب إعداد كادرٍ إعلامي قادر على التفاعل والتأثير واستيعاب الطاقات الشبابية وتوجيهها، لتكون سلطة الكلمة والحقيقة، لا منبراً مكمّلاً لثقافة التبعية والفساد والرضوخ للقهر السياسي.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “274”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى