آراء

التهديدات التركية والخيارات المتوقعة

العميد أحمد رحال

في المرحلة الأخيرة زاد هناك الحديث عن العملية العسكرية التركية ،التي أعلنها الرئيس أردوغان بموافقة مجلس الشورى ومجلس الأمن القومي التركي، بدون أن تكون هناك أية علاقة لهذه العملية بالفصائل السورية المسلحة، ولا الحكومة المؤقتة ولا الائتلاف ولا الجيش الوطني، فكلّ هؤلاء يتلقّون الأوامر فقط، لا شاركوا بتخطيط ولابتحديد أهداف ، وهم لا ينكرون ذلك.
أنا دوماً أقوم بتحليل الأمر بحيادية، والإنسان يعطي التحليل المتحيز؛ حين يكون طرفاً، ويتبنّى موقفاً ما، أما عندما يكون خارج الدائرة يجب أن يكون في تحليله حيادياً، وبناءً على ذلك سوف أتكلّم بحيادية، لأنني لست مع طرفٍ ضد طرفٍ .

إنّ موقفي الثوري كضابطٍ منشق في الجيش الحر أو موقفي كحليف تركي سيكون مختلفاً، عندما أتكلّم بصفة محلل عسكري،لأني أحبّ أن أخرج خارج الإطار ؛لأرى الصورة كاملةً؛ كي أستطيع التحليل بدقة وموضوعية.

درجت العادة وبحكم المنطق العسكري أنّ تركيا ليست دولة عظمى قادرة أن تفرض وجودها وتفرض إرادتها، كما تريد، فكلّ دولةٍ لها محدداتها، حتى أمريكا، في بعض المناطق، لا تستطيع أن تفرض سياساتها بأريحية، فدرجت العادة مثلاً في عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون وعملية نبع السلام أن تتواجد توافقات وتفاهمات سياسية عسكرية ومنافع متبادلة مع الروس ومع الأمريكان ،لتمضي هذه العمليات وتحقّق أهدافها.

حين تمّ الإعلان عن العملية الجديدة ،على طول الحدود السورية التركية، لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم، وإعادة مليون لاجىء سوري، رأيت أنّ تركيا تسعى لتحقيق أهداف، وتمتلك فائضاً من القوة، لكني لا أرى بالوقت الراهن أنّ الظروف مهيّأة لهذه العملية؛ بمعنى أنه لم يكن هناك تفاهم وتوافق عليها، فالروس والأمريكان والايرانيون ونظام الأسد وقسد سيرفضونها، وتركيا أيضاً لا تستطيع أن تدخل في المواجهة مع كلّ هؤلاء، وهكذا عمليات لا تخضع أبداً للقدرات والإمكانيات العسكرية، فتركيا لديها الإمكانية أن تأخذ سوريا في غضون عشرة أيام، ولكنّ الظروف الدولية لا تسمح لها القيام بهكذا عمل ، رغم أنّها تمتلك أوراق قوية جداً، فلديها مع روسيا المضائق، وورقة الموقف المتوازن من العقوبات الغربية على موسكو، و إغلاق الأجواء و التفاهمات داخل الأراضي السورية وورقة استانا، أما مع الأمريكان فلديهم ورقة الناتو وملف فنلندا والسويد والغرب الذي يحتاج الى تركيا في الوقت الراهن، والدرع الصاروخي ،و مع الأوربيين لديها ورقة الحرب على الإرهاب التي تخوضها تركيا ، وورقة ثمانية مليون لاجىء سوري، أربعة باراضيها وأربعة تحت حمايتها في سوريا ،

وبالتالي: تركيا تمتلك فائضاً من الأوراق، ولكن في الظرف الحالي، الوضع لا يحتمل تسخين مناطق أخرى، وخير مثالٍ على ذلك الحرب الباردة بين اسرائيل وايران، والاغتيالات والحرب بين الخليج وايران ،والوضع غير المستقر في لبنان والعراق، والحرب الأوكرانية الروسية والضائقة الاقتصادية التي يمرّ بها العالم، كلّ هذه مرتبطة ببعضها البعض، وبناءً على ما سبق: القوى الكبرى أكدّوا أنّ المنطقة لا تحتمل هزات أخرى، ستؤدّي إلى مزيدٍٍ من عدم الاستقرار، وهذا غير مرغوب فيه، وقد أكّد على ذلك رئيس مؤتمر أستانة بأنهم لن يسمحوا، ولن يوافقوا لتركيا على هذه العملية، ولن نخوض معها تفاوض حول العملية، ولن يكون هناك شيء مقابل شيء. ولذلك فإنّ العملية العسكرية صعبة وشبه مستحيلة .

عند الإعلان عن العملية العسكرية التركية دخلت الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد الى مدينة منخ، وارسل النظام عدداً من الدبابات على تل رفعت، وأرسلت روسيا مجموعتين من الضباط ،من ضباط العمليات، الى مطار منخ وعزّزت مواقعها في عين عيسى، والأمريكان عادوا الى خراب عشق، ودعموا وجودهم في منبج وكوباني، وشرق الفرات منطقة عصية، لأنهم لن يسمحوا بأي عمل عسكري هناك ، ولعلّ هناك ثلاث مناطق مؤهلة لعمليات عسكرية تركية: منطقة منخ وتل رفعت ومحيطها ،ومنبج وعين عيسى وعين العرب ، ومنطقة نبع السلام باتجاه الشرق، المناطق الثلاثة أغلِقت، وزادت عليها روسيا باستقدامها منظومات دفاع جوي، وبرغم أنّ طائرات بيرقدار التركية تستطيع تدميرها كافةً ،ولكن: هل تستطيع تركيا أن تدخل في صدام مع الروس أو مع نظام الاسد وايران أو مع الأمريكان ؟ بالتأكيد: لا .

وأكرّر هنا، إنّ الموضوع لا يدخل ضمن نطاق القوة والضعف، ولكن هناك توازنات وخرائط، وهناك نوعٌ من التفاهمات الأمريكية الروسية التركية .

وبالتالي: فإنّ تركيا عندما اعتمدت على أوراق القوة التي تمتلكها، أعتقد أنها لم تبدأ بهذه العملية العسكرية؛ على الرغم من أنه يمكن أن يكون هناك منافع متبادلة، وتستفيد منهم في مواقع أخرى ،كملف الناتو والاتحاد الاوربي، وملف فتح الله غولن وملف مشروع F35 واستقدام طائرات F16 أو عودة منظومات الباتريوت الى تركيا ، ويمكن أن تقطف ثمار أخرى مع روسيا من خلال الوساطة الأساسية في المفاوضات الروسية الأوكرانية.

لم تصرف تركيا أوراق القوة التي تمتلكها في الملف السوري، بدليل أنّ العملية العسكرية قد مرّ على إعلانها أكثر من شهر، ولم تبدأ بعد ،وهذا بالتأكيد ليس لضعف تركيا ،بل القراءة الحكيمة من القيادة التركية، كونها لن تستطيع أن تدخل في مواجهة، بل هي تريد أن تدخل في عملية متوافقة فيها مع الأمريكان والروس ولا يعارضها الايراني، ولا يجرؤ الاسد على صدّها بعد الموافقة الروسية، إنما هذه الموافقات لم تحصل، وبالتالي :فتركيا تعطي الفرصة للسياسة أن تحقّق الهدف برغم أنّ رئيس مؤتمر أستانة أكّد أنهم لن يعطوا الضوء الأخضر للعملية العسكرية ولذلك فإنني لا أرى فرصةً لقيام أيّ عمليةٍ عسكرية .
ولكنّ المصيبة الكبرى، أن نصبح ملكيين أكثر من الملك؛ فتركياحليفٌ للجيش الوطني والثورة السورية، والطرف التركي لا يسرّع العملية كما يسرّعها بعض العسكريين والسياسيين وممثلي الفصائل .

لا أعلم لماذا كلّ هذه السرعة والتسخين؟

وهم لا يتمّ أخذ آرائهم، ولا يوجد لهم أي قرار، ورّبما شخص موجود في الموزمبيق، يملك متابعة صحفية ،لديه أخبار العملية أكثر منهم، فالأتراك عندما يرون أنّ الأمور مناسبة لقراءاتهم السياسية والعسكرية سيعلنون العملية. حينها يجوز لهؤلاء الكلام أما أن يتكلّموا من فراغٍ وبدون علمٍ وعن جهلٍ ،سيساهمون بقتل الروح المعنوية للناس .

فقد مرّ شهرٌ كامل، ينام الناس ويستفيقون على معركةٍ من كلامهم ،والمعركة لن تحدث حسب المعطيات الحالية. لذلك لا أرى أي سببٍ في إحداث توترٍ عام على معنويات الناس، بهذه الطرق، إن كانت نيتهم بيع بضاعتهم، فإن هذه البضاعة فاسدة وكاسدة لا تصلح ولن تصلح لجمهور الثورة.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 299

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى