آراء

الثكنة العسكرية في ديرك

ليلى قمر / ديرك/

رحلوا هم بينما تربّعت ذكراهم الأليمة

في تصميمٍ هندسي جميل في محاكاة صلدة مع قساوة الحجر وصلابته ليتمخّض الإبداع إبان الانتداب الفرنسي على سوريا وتحديداً في مدينة ديرك ليكون المخيال البشري في قمة إبداعه ورونقه ، فكانت الثكنة العسكرية نتاج ذلك أو كما تمّ تسميتها في ديرك /القشلة/

في مكانٍ اعتلى مجاوراته من الأراضي حيث بدا الحجر الأسود البازلتي المرصوص بدقة متناهية كالملك المعتلي على عرشه في هليمانه وكبريائه، وبسط قوته على الأرض والحجر فكان ذاك الصرح كفيلاً في بثّ الرهبة على من يجتازه فمثّل بملكوته القوة والصلابة وبهاب الاقتراب منه كلّ مَن مرّه أو سمع عنه، إنها الثكنة العسكرية الفرنسية في ديرك كأهمّ شاهدٍ ومعلمٍ أثري على دخول القوات الفرنسية الى المدينة وبقائها تحت الحكم الفرنسي ما بين ١٩٢٠/ ١٩٤٦.

حيث تمّ بناء الثكنة من قبل الحكومة الفرنسية سنة /١٩٢٦/ عندما كانت المنطقة منضوية تحت حكم الانتداب الفرنسي لتحتوي في بنيانه قطع عسكرية ومشفى عسكري ومستودع للمواد الغذائية والألبسة وأيضاً الجزء المخصص منه للتواصل بين المنطقة والحكومة الفرنسية كما كان يشاع وقتها.

حيث توارت الفترات الزمنية فيها وخدم فيها عدد من أهالي ديرك من الأرمن والكُرد والسريان

كانت الثكنة تشكّل رصانة وعتي الحكم الفرنسي آنذاك حتى أنّ البعض ذهب إلى أنّ الثكنة كانت تسمّى بالمشنقة حيث كانت تنشر وقار الجيش الفرنسي والريبة منه بين سكان المدينة وما يجاورها من قرى محيطة، فكان صوت البوق الصادر منه كلّ صباحٌ كفيلاً بذلك والذي كان حقيقة جرس إنذار ليكون العسكر والضباط على أجهزية تامة للاجتماع الصباحي

كانت الثكنة في حلٍّ من أي وجودٍ غريب يقترب منها فكانت العين المراقب الراصد لأي حركة غريبة وخاصةً أنّ الهضبة العالية التي كانت تعتليها الثكنة والمنظار المثبت أعلاها كان كفيلاً لجعلها الراصد لأيّ حركة حتى في أجزاء من الأراضي التركية القريبة .

شهدت على مدة زمنية اقترنت خلالها البساطة في الوعي والإدراك نفسها لمآلات القوى والاتجاهات غير المحددة أهدافها على شفير هاوية مستقبلٍ غير معلوم، إلى الآن وما تبقّى من ذاك التاريخ يصارع تصحر الإبداع في التشكيل والهندسة المعمارية وما زال شاهد عصرٍ زائل بكلّ تفاصيله المملة منها والجميلة ومازال الحجر المتناثر هنا وهناك يوحي للمحيط بأنّ البوق يملأ البلدة وما حولها بوجوب التهيؤ والبدء بدورة الحياة اليومية.

لكن أيّ حياةٍ وقد اجتزّ الخريف من الربيع صخبه وجنونه ، و هجرته حتى طيور المكان على مضضٍ كحال سكانه الحائرة فيهم التساؤلات، إن كان الاحتلال وبكلّ جبروته خلق هكذا جمالية وكان يستخدم في الأعمال العسكرية كالبلدان التي مازالت تحتفظ بمعالم أثرية وهندسات بنائية كشفت للآن عجز الحكومات المتتالية بعدها عن أي تطوير أو تحديث بنبيوي للهيكلة المعمارية.

ورغم الحداثة الفجّة، مازالت هذه المجتمعات تعاني من فوضى عارمة تشرح انهزاز الأنظمة فيها بتجلياتها الغارقة فيها البنى التحتية فيها جيلاً بعد جيلٍ يظهر جلياً ذلك وكمقارنة ما خلفه الاحتلال الفرنسي في لبنان والجزائر وسوريا و مصر من هندسة معمارية جميلة وذات طابع يتطابق فيه الرقي مع الحداثة والمتانة المعمارية بحيث لم تستطع بعدها تلك الأنظمة الوصول إلى ذلك التنسيق الهندسي لرصّ بلدانها ومناطقها بما يجيد على شعوبها بالاكتفاء والاعتماد على خيرات أوطانهم ، فمازالت تلك الدول تحتضن آثار ما سُمِي بالاحتلال لمدنهم وقراهم .

والقشلة خير مثالٍ ومثيلاتها كثيرة في العالم العربي حينما كانت تحت نير احتلال الدول الغاصبة لها على ذلك
الإهمال وعدم الاكتراث للمحافظة على هكذا معلم تاريخي ،كان بمقدور صرحه الكبير احتضان الكثير من الخدمات لخدمة سكان المنطقة كمرتع سياحي يجتابه ويقصده السائح وبدوره يدرّ على المجمتع الخير الوفير.

إنّ عدم جدية الحكومات بالاعتناء بالمنطقة الكُردية كأنموذج بعثر هيكلة القشلة إلا ما عاند القدر ومرارة الزمن لبيقى الحجر القليل المتبقّي ومااحتفظت به الذاكرة حفيف أملٍ ربما لما قد يحمله القادم ؛ليظلّ اليقين بحتمية الحياة في تغريبةٍ مهوّلة التفاصيل.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “308”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى